في الوقت الذي ينتظر كثيرون قراراً رئاسياً بحل المجلس الأعلى للقضاء اكتفى قيس سعيد بإصدار مرسوم يقضي بوضع حد لامتيازات أعضاء المجلس، مما جعل رئيس المجلس يؤكد "استمرارهم بممارسة مهامهم" على الرغم من عقوبة الرئيس.
وفي حين يرى البعض أن هذه الوضعية شبيهة بالبرلمان وأن أعضاء المجلس سيجدون أنفسهم من دون مورد رزق فهو حل مع تأجيل التنفيذ، إلا أن البعض الآخر يرى أن قرار الرئيس هو ردة فعل وعقوبة جراء عدم انصياع المجلس لمخططه الإصلاحي.
من جانبه اعتبر يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء في أول تعليق له على قرار رئيس الجمهورية بوضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضائه أن "في الصيغة الثانية لبلاغ رئاسة الجمهورية إساءة لأعضاء المجلس، والإجراء لا يتعلق فقط بتعديل قانون المجلس الأعلى وإنما يمس البناء الدستوري للسلطة القضائية ومبدأ التسيير الذاتي للمجلس".
وأضاف بوزاخر في تصريح إعلامي أن "أعضاء المجلس عملوا في بداية عهدتهم لمدة خمسة أو ستة أشهر بلا منح، وأنهم سيواصلون عملهم بالعزيمة نفسها إلى نهاية العهدة".
وجدير بالذكر أن نهاية العهدة النيابية للمجلس الحالي في شهر أكتوبر (تشرين الثاني) من هذا العام وبعدها يتم انتخاب 45 عضواً آخر.
حجر عثرة
في هذا الصدد يقول المحامي عماد بن حليمة في تصريح خاص "قيس سعيد لم يقم بحل المجلس الأعلى للقضاء بل أوقف المنح والامتيازات المسندة لأعضائه". موضحاً "على عكس ما كان ينتظره مساندو قيس سعيد، التعديل الذي أقره يؤكد أنه لن يذهب في طريق حل المجلس". وأضاف "ربما سيقع تعديل قانون المجلس مرة أخرى لكن سيقع اعتماده بعد انتهاء المدة النيابية للمجلس الحالي، وبالتالي الحل ليس له أي موجب الآن".
كما يرى أن "ما فعله الرئيس هو إقرار عقوبة مالية لأعضاء المجلس وليس له علاقة بالتصور الإصلاحي لقطاع القضاء". مضيفاً "إلغاء الامتيازات نهائياً عوض التخفيض منها يدل على أن الرئيس يعتبر القضاء حجر عثرة أمام مشروعه الإصلاحي، وما فعله يمكن وضعه في إطار ردة فعل لا غير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن الرئيس التونسي تطرق خلال خطاباته في الفترة الماضية أكثر من مرة إلى القضاء، مؤكداً أن القضاء "قضاء الدولة"، وأنه مستقل لا سلطان عليه غير القانون، و"لا طريق إلى تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، وقضاة فوق كل الشبهات"، لكن البعض ومنهم أبناء القطاع اعتبروا أن تدخلات الرئيس نوع من الضغط على استقلالية القضاة، وأن الإصلاح لا يمكن أن يكون بمثل هذه التصريحات أو بأوامر رئاسية.
ورقة إحراج سياسي
من جهة أخرى قال المحلل السياسي مراد علالة في حديث خاص "في الوقت الذي كان الجميع ينتظر قراراً رئاسياً راديكالياً إن جاز القول يرتقي حتى إلى حلّ مجلس القضاء بناء على الموقف الرئاسي النقدي المعلن من هذه المؤسسة، اكتفى رئيس الجمهورية بسحب منح وامتيازات أعضائها". وبحسب علالة "هي خطوة لن تنفع ساكن قرطاج كثيراً، ولن تحفظ هيبة الدولة، ولن تغيّر على الأرجح مواقف القضاة، ولن تقلب المعادلات في علاقة باستقلالية مرفق القضاء".
ويواصل في السياق ذاته "لقد لعب رئيس الجمهورية ورقة الإحراج الأخلاقي من خلال التركيز على الحوافز المادية، والحال أن جميع الوظائف السامية والمسؤوليات الرفيعة في الدولة لها ما يعادلها من الامتيازات التي ترتبط في بعض جوانبها بهيبة الدولة، وفي جوانب أخرى أكثر أهمية بتحصين المتحصّلين عليها وحمايتهم ضد الإغراءات بكل أنواعها، وهذه ليست بدعة بما أنها رائجة في كل دول العالم وفي بلادنا بطبيعة الحال في كل مفاصل الدولة".
ويضيف معلقاً على قرار الرئيس "هذه الخطوة ستحرج أيضاً الرئيس المطالب اليوم بتكريس مبدأ العدالة واعتماد القياس بسحب الإجراء على الجميع، فكثيرون يتقاضون منحاً وامتيازات على الرغم من المآخذ الكثيرة على أدوارهم وشرعيتهم ومشروعيتهم ومردوديتهم في كثير من المؤسسات والمنشآت والهيئات".
مبدئياً، بحسب ما يراه علالة، "لن يسقط القضاة في فخّ الاستقالة ورفض العمل من دون هذه المنح والامتيازات، لأن ذلك سيثبت عليهم ما يمكن توصيفه بتهمة عدم الاستقلالية واللهث وراء المصالح، واستناداً إلى ردود أفعالهم الأولية فإن الأرجح أن يواصلوا العمل ولن يكون لهم من خيار سوى الانخراط في مسار إصلاح القضاء وفق مقارباتهم ومن خلال التشارك بين جميع أجنحة العدالة من قضاة ومحامين وعدول تنفيذ وإشهاد وغيرهم".
وكثيراً ما نادى البعض بمحاسبة القضاة الفاسدين وبحل المجلس الأعلى للقضاء الذي لا يحرك ساكناً تجاه هذا الوضع.
في هذا السياق، يقول الصحافي مختار كمون "آلاف القضايا والملفات التي قُبرت خلال السنوات العشر الأخيرة وماطل القضاء في فتحها والبت فيها وآخرها قضية تسليم شهادات جنسية وجوازات سفر تونسية"، مفسراً "وزارة الداخلية تحيل ملف القضية المتضمن أسماء وصفات من وقعوا ووافقوا ومنحوا هذه الوثائق على غير الصيغ القانونية، والنيابة العمومية تفتح قضية ضد كل من سيكشف عنه البحث، يعني قضية ضد مجهول".
مواصلاً "باختصار القضاء مسؤول عن الوضع المتعفن الذي آلت إليه البلاد، وكرس بطريقة غير مسبوقة الإفلات من العقاب، ويحول بتوازناته الحالية دون أي محاسبة".
والمطلوب وفي أقرب وقت، بحسب اعتقاد كمون، "حل المجلس الأعلى للقضاء، وتكليف لجنة مؤقتة يوكل إليها القيام بحركة قضائية جزئية تشمل كبرى المحاكم والدوائر القضائية في البلاد".