"السلطة... الخيانة... الجنس... الولاء... الفضيحة... الطموح... القتل". هذه هي المكونات الغنية والمشوقة التي يدور حولها فيلم "بيت غوتشي" House of Gucci، أحدث أفلام المخرج ريدلي سكوت. لو ألقيتم نظرة على ملصق الفيلم أو شاهدتم المقطع الترويجي ستفترضون بشكل تلقائي أن المخرج السينمائي البريطاني غزير الإنتاج قد صنع فيلم عصابات آخر عن عائلة مافيا إيطالية على غرار آل كورليونيه الشهيرة من ثلاثية "العراب". يعزز حضور آل باتشينو الذي يبدو شديد الخطورة بنظاراته الداكنة الشعور بأننا عدنا إلى عالم ماريو بوزو.
في حقيقة الأمر، لا تدور أحداث "بيت غوتشي" الذي يعرض في دور السينما في المملكة المتحدة، في عالم الجريمة عالية المستوى بل في عالم الأزياء الراقي. على كل حال، يزداد هذا العالمان قرباً من بعضهما البعض. في الفيلم الجديد، تلعب ليدي غاغا شخصية سيدة المجتمع "المفعمة بالحيوية" باتريتزيا ريجياني التي كان الجميع يعتقدون أنها تشبه إليزابيث تايلور. في أوائل السبعينيات، تزوجت من موريزيو غوتشي (يلعب دوره الممثل آدم درايفر). وبعد عشرين عاماً، بعد طلاقهما، أمرت قاتلاً محترفاً بقتله.
هناك ظهور في الفيلم أيضاً لـجيريمي آيرنز في دور والد موريتزيو، النجم السينمائي السابق الوسيم والعاشق للسينما رودولفو غوتشي. أما جاريد ليتو فيلعب دور ابن عمه، كبير المصممين باولو غوتشي، وتجسد سلمى حايك شخصية بينا أورييما صديقة باتريزيا ووسيطتها، التي اتهمت بالتلاعب بها وابتزازها. ويلعب آل باتشينو دور كبير العائلة، ألدو غوتشي.
حصل صانعو العمل على "وصول غير محدود إلى الأرشيفات العتيقة الخاصة بدار الأزياء". وهذا يعني أن الممثلين يرتدون أفخم الملابس التي يمكن تخيلها: معاطف الفرو، والبدلات جميلة التصميم، والأحذية الرائعة. كما أنهم يتزينون بكثير من المجوهرات، ويقودون السيارات الرياضية، ويرقصون على ألحان أغنيات فرقة بلوندي في المراقص الفخمة ويقضون كثيراً من الوقت على منحدرات التزلج. يقول آل باتشينو بنبرة تطغى عليها القداسة في أحد مقاطع الفيلم: "إذا كنت من عائلة غوتشي، فعليك أن ترتدي ملابس تليق بواحد منها".
عندما يتعلق الأمر بالقتل والفساد والتآمر والاستهلاك الواضح، كان اسم عائلة غوتشي حاضراً إلى جانب عائلة بورجيا خلال عصر النهضة. في الوقت الذي لا يكونون مشغولين فيه بصناعة المنتجات الرفاهية، كانوا يدبرون المؤامرات ضد بعضهم البعض. كانت هناك شجارات في غرف الاجتماعات، وتقارير عن قيام أفراد العائلة بإلقاء حقائب غوتشي على بعضهم البعض، وشائعات عن علاقات غرامية مثلية، ووجود مستشارين روحانيين كانوا يستعملون مركبات سحرية وتعويذات، والعديد من الصراعات القانونية بين أفراد الأسرة، وقتال الإخوة بين بعضهم، وانقلاب الأبناء على آبائهم، والتهرب الضريبي، وقضاء عقوبات في السجن، وفوق كل هذا وذاك، جرائم القتل المدبرة.
أعرب بعض أفراد عائلة غوتشي عن مخاوف شديدة من الفيلم. واتهموا سكوت "بسرقة هوية عائلة من أجل التربح".
أخيراً، قالت باتريتزيا غوتشي محتجة لمجلة "فيرايتي": "كان جدي رجلاً وسيماً جداً، مثل جميع أفراد عائلة غوتشي، كان طويلاً وأنيقاً للغاية ويمتلك عينين زرقاوين... يجسد دوره آل باتشينو، وهو ليس طويل القامة بالفعل، وهذ التجسيد يظهر جدي على أنه سمين وقصير وله سالفان وقبيح حقاً".
ومع ذلك، لا بد أن يكون الفيلم الجديد مفيداً لإمبراطورية الموضة. يمكننا توقع ارتفاع كبير في مبيعات أحذية غوتشي المسطحة وحقائب اليد، عندما يقرر الجمهور أنه يريد تذوق أسلوب الحياة المبهرج المذهل الذي يصوره فيلم سكوت.
لكن الأمر لا يقتصر فقط على تصميم الأزياء الراقية. "بيت غوتشي" هو واحد فقط من بين عدد من الأفلام الحديثة القائمة على الموضة، سواء كانت درامية أو وثائقية، والتي تتميز بشخصيات وحبكات تشبه تلك الموجودة في أفلام العصابات. غالباً ما يمتلك رجال العصابات ومصممو الأزياء جذوراً متشابهة. إنهم شخصيات مدفوعة وطموحة ومتألقة وتنحدر على الأغلب من أصول شديدة التواضع. إنهم حالمون ومتمردون.
شاهدوا المشاهد الأولى من فيلم "سلفاتوريه: صانع أحذية الأحلام" Salvatore: Shoemaker of Dreams، الفيلم الرائع والمثير للإعجاب الذي صنعه المخرج لوكا غوادانينو عام 2020 عن المصمم الأسطوري سالفاتوريه فيراغامو، ومن الصعب أن تتجاهلوا أوجه التشابه مع فيلم "العراب" The Godfather. تماماً مثل فيتو كورليونيه في ملحمة الجريمة التي أخرجها فرانسيس فورد كوبولا، كان فيراغامو مهاجراً من جنوب إيطاليا، والذي تحول لاحقاً بطريقة ما إلى اسم كبير بالفعل. وصل إلى بوسطن ثم إلى هوليوود حيث أصبح صانع أحذية للنجوم. لقد كان الخيار الأضعف لشخصية البطل.
يقول غوادانينو معترفاً بأوجه التشابه بين الحكايتين: "عندما كنت أنا والمونتير والتر فاسانو نعمل على تركيب الفيلم، أذهلتنا أوجه التشابه الغريزية، إذا صح القول، بين تصويرنا والجزء الثاني من فيلم العراب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالحديث عن قصص أكثر محلية، ركز فيلم "ماكوين" McQueen الوثائقي الذي قدمه المخرج إيان بونوتيه عام 2018، على مصمم الأزياء المبدع ألكسندر ماكوين، المنحدر من خلفية مماثلة لخلفية العديد من رجال العصابات البريطانيين. ماكوين المولود في عائلة من الطبقة العاملة، كان طفلاً فقيراً نشأ في شرق لندن وكان مصمماً على جعل نفسه شخصاً ناجحاً. كتبت المؤلفة المختصة بالأزياء دانا توماس عن مزاعمه بأن أحد أقاربه كان يعمل مع أفراد العصابات في إيست إند، وهما التوأم كراي. في عمله الوثائقي، الذي كان مصاغاً بشكل مروع وعنيف، استمد المخرج إلهامه من كل من أفلام هيتشكوك وقصة القاتل المتسلسل، جاك السفاح.
في بعض الأحيان، كما هو الحال مع سلسلة "اغتيال فيرزاتشي: قصة جريمة أميركية" The Assassination of Versace: American Crime Story من عام 2018، نرى مواجهة بين الموضة والجريمة. يروي المسلسل كيف انتهى الأمر بالقاتل المسرف أندرو كونانان منهياً حياة مصمم الأزياء جياني فيرساتشي خارج قصره في فلوريدا.
في الوقت نفسه، يتطفل بعض مصممي الأزياء على السينما. قام توم فورد، المدير الإبداعي السابق لبيت غوتشي، والذي لعب دوره ريف كارني في فيلم سكوت، بوضع توقيعه كمخرج على فيلمين، بما في ذلك فيلم الإثارة السوداوي للغاية، "حيوانات ليلية" Nocturnal Animals الصادر عام 2016.
كما أن عائلات المافيا ودور الأزياء تشترك أيضاً ببعض العناصر. إنها تميل إلى أن تكون شديدة الشوفينية. بحسب ما تشير إليه سارة غاي فوردن في كتابها "بيت غوتشي: قصة حقيقية عن القتل والجنون والتألق والطمع" الذي استند إليه سكوت في فيلمه، كانت النساء يتلقين معاملة سيئة من قبل أفراد عائلة غوتشي. قام مؤسس السلالة "غوتشي غوتشي" الذي عاش في الفترة ما بين عامي 1881-1953 "بحرمان ابنته البكر والوحيدة، غريمالدا، من أي ميراث في الشركة لمجرد أنها كانت امرأة".
ورد لاحقاً في شهادة لروبرتو غوتشي: "أخبرني والدي أنه لا يسمح لأي امرأة بأن تكون شريكة في غوتشي".
وبالمثل، يكون التحيز بحسب الجنس حاضراً دائماً وداخلاً في نسيج اللغة المستخدمة في أفلام العصابات. غالباً ما تكون هذه الأعمال الدرامية حول العرابين الكبار و"الرجال الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم"، بينما تسند الأدوار الثانوية والسلبية إلى النساء.
يمكننا توقع أن تغير ليدي غاغا ملابسها كثيراً في "بيت غوتشي"، لكنها حالة استثنائية. في معظم أفلام العصابات، يكون التركيز على ما يرتديه الرجال أكثر من ملابس الشخصيات النسائية. قد يكون أعضاء عائلة كورليونيه وراء أعمال إجرامية لا توصف في أفلام "العراب" لكن الأزياء التي كانوا يرتدونها لا تشوبها شائبة. كان ذلك جزءاً من سحر وجاذبية العالم الذي ابتكره كوبولا. كانت العائلة تتمتع بأناقة رسمية عتيقة، والتي موهت العمل القذر الذي كان أفرادها يديرونه.
في دراما الجريمة "الخدن الأميركي" American Gigolo الذي أخرجه بول شريدر عام 1980 وتدور أحداثه في لوس أنجليس، جذبت أزياء أرماني التي ارتداها الممثل ريتشارد جير نفس القدر من الاهتمام الذي حظي به أداؤه اللامع في دور البطل المخالف للأعراف التقليدية للبطولة بسبب عمله في دعارة الذكور.
من رجل العصابات هنري هيل الذي جسده الممثل راي ليوتا في فيلم "صحبة جيدة" Goodfellas في عام 1990، إلى المحتال والممول عديم الضمير دوردان بيلفورت الذي لعبه ليوناردو دي كابريو في فيلم "ذئب وول ستريت" The Wolf of Wall Street عام 2013، كان الأبطال في العديد من أفلام مارتن سكورسيزي يرتدون أيضاً بدلات من علامة أرماني.
بالطبع، هناك فارق كبير بين جو بيشي الذي كان يرتدي ملابس فاخرة أثناء طعنه أحد الأشخاص بجنون في "صحبة جيدة" ومحررة الأزياء عدمية الإحساس التي تعمل في نيويورك ميراندا بريستلي (لعبت دورها ميريل ستريب) التي تصرف إحدى زميلاتها بازدراء قائلة لها ("هذا كل شيء") في فيلم "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada سنة 2006.
ومع ذلك، فإن ميراندا التي جسدتها ستريب تتمتع بنفس السلطة غير المعلنة التي يمتلكها من دون فيتو كورليونيه الذي لعب دوره مارلون براندو في فيلم "العراب". إنها ليست بحاجة إلى رفع صوتها للتعبير عن سخطها وخيبة أملها. كل ما يتطلبه الأمر هو نظرة أو دمدمة بتذمر.
تميل الأفلام التي تدور أحداثها في صناعة الأزياء إلى التأكيد على نرجسية شخصياتها ومشاكلها النفسية. وبدلاً من انتهائها بمشهد إطلاق نار سينمائي، قد تختتم بالكشف عن تشكيلة أزياء جديدة أو نشر "عدد سبتمبر" من إحدى المجلات المهمة. ومع ذلك، هناك تداخلات واضحة بين المفاهيم الثانوية لعالمي العصابات والأزياء.
تميل أفلام المافيا، بين مشاهد اندلاع العنف فيها، إلى تقديم الشخصيات وهي جالسة حول طاولات وتتجاذب أطراف الحديث. يجتمع رؤساء عائلات العصابات المتنافسة لمناقشة مواضيع مثل التهريب أو رشوة رجال الشرطة. هناك مشاهد مماثلة في العديد من أفلام الأزياء، التي يتم فيها اتخاذ قرارات رئيسة بشأن الاستراتيجية المستقبلية.
كما أن الطريقة التي تتطور بها أفلام العصابات والأزياء متشابهة أيضاً. في البدايات، يتم إنجاز العمل دائماً بطريقة حرفية. تكون بداية الأشخاص الذين سيصبحون زعماء عصابات في المستقبل، كبلطجية في الشوارع، يرعبون أصحاب المتاجر أو يرتكبون جرائم القتل الأولى في سجلهم. في هذه الأثناء، يكون مصممو الأزياء المستقبليون في فترة تدريب مهني، يتعلمون كيفية الخياطة والحياكة، ويرتقون السلم المهني ببطء. كلما اقتربوا أكثر من النجاح ابتعدوا أكثر عن جذورهم. وغالباً ما تكون هناك لحظة معينة تقوم فيها شركة أضخم، كل همها زيادة أرباح المساهمين، بابتلاع شركة الأزياء الصغيرة تلك التي تمتلكها عائلة فخورة بأزيائها المخاطة يدوياً.
وبالمثل، فإن رجل العصابات الصغير الذي يعتلي عرش الحي المحلي، سيصبح في نهاية المطاف جزءاً من ترسانة إجرامية على مستوى البلاد يكون فيها مجرد درع صغيرة للغاية.
بالطبع، ليست التجاوزات المبالغ بها التي وقعت في غوتشي نموذجية في كل دور الأزياء. كان هناك العديد من الأفلام الوثائقية الحديثة عن الأزياء التي أنتجها مصممون محترمون من كريستيان ديور إلى دريس فان نوتن، والتي لم تأت على ذكر روح العصابات حتى بشكل عابر. مع ذلك، بالنسبة للمراقبين الخارجيين، فإن عالم الأزياء الراقية وعروض الأزياء والاستهلاك الواضح يبدو غريباً وفريداً تماماً مثل العائلات المفككة التي تروى قصصها في أفلام المافيا. من خلال فيلم "بيت غوتشي"، يعتمد سكوت ببساطة على الرابط بين الموضة الراقية والجريمة رفيعة المستوى، والذي كان موجوداً دائماً، على الأقل على حد علم الجمهور.
بدأ عرض "ذي هاوس أوف غوتشي" في الصالات في 26 نوفمبر 2021
*نشرت اندبندنت هذه المقالة في أوكتوبر (تشرين الأول) 2021
© The Independent