ما بين البحث عن حياة أفضل، والاستثمار، والحصول على جنسية ثانية، تتعدد أسباب إقبال الأردنيين على الهجرة إلى تركيا، والانتقال للعيش فيها، في مغامرة يعدها البعض غير محسوبة، ومحفوفة بالمخاطر، ومدفوعة بـ"البروباغندا" التي خلقتها المسلسلات والأفلام للترويج لـ"الحلم التركي".
لكن ثمة آخرين ممن وجدوا في تركيا مقصداً سياحياً وتعليمياً، وفرصة للاستمتاع بتقاعدهم، بينما فضلت فئة أخرى اللجوء هناك لأسباب سياسية.
وبينما نجحت قلة من الأردنيين في العيش هناك، عاد كثيرون بخُفي حنين، بخاصة بعد الأوضاع الاقتصادية الأخيرة في تركيا، التي شهدت انخفاضاً غير مسبوق لسعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي.
غير أن الفئة الأكثر حضوراً في تركيا من الأردنيين اليوم هم المتعثرون مالياً، الذين اختار معظمهم الفرار إلى تركيا والإقامة فيها.
الاستقرار عبر العقار
في العام الماضي وحده، توجه نحو 300 ألف أردني لزيارة تركيا، في ارتفاع ملحوظ ومقلق للجهات المعنية التي بدأت ترصد هجرة أردنية نحو الأراضي التركية بشكل مبالغ فيه.
القلق الرسمي مرده تزايد حصول الأردنيين على إقامات في تركيا، فضلاً عن نقل أعمالهم ورؤوس أموالهم، عبر افتتاح مشاريع أو شراء شقق وعقارات، إذ حل الأردنيون في قائمة أعلى 20 جنسية حول العالم شراءً للعقارات السكنية في تركيا.
ولا توجد إحصائية رسمية ترصد عدد الحاصلين على الجنسية التركية من الأردنيين، لكن ثمة تقديرات تفيد بأن الأردنيين في المرتبة السابعة في قائمة الحاصلين على الجنسية التركية من طريق الاستثمار، بقيمة بلغت نحو 15 مليون دولار.
ويفسر مراقبون إقبال الأردنيين على الانتقال للعيش في تركيا، بالقانون المعدل الذي أصدرته الحكومة التركية، الذي خفض بموجبه قيمة العقار الذي يسمح لصاحبه بالحصول على الجنسية، إلى 250 ألف دولار، مع شرط عدم بيع العقار ثلاث سنوات.
ويدور الحديث عن نقل مستثمرين أردنيين لمشاريع بأكملها إلى تركيا، من بينها مصانع وشركات، ووفقاً لهيئة الإحصاء التركية، فإن عدد الأردنيين المقيمين في تركيا عام 2020 بلغ 20 ألفاً.
اللجوء السياسي
لا يشكل اللجوء السياسي إلى تركيا من قبل أردنيين ظاهرة عامة بحد ذاتها، لكن السنوات الأخيرة، تحديداً ما بعد فترة الربيع العربي، شهدت لجوء 4 أشخاص على الأقل إلى تركيا بهدف اللجوء السياسي، من بينهم صحافية أردنية وناشط سياسي ومعارضان، بخاصة مع عدم وجود تأشيرة دخول "فيزا" مسبقة بين البلدين.
وترتبط الأردن مع تركيا بعلاقات جيدة، لكنها لا تصل إلى حد الدفء، بخاصة مع تحول أنقرة وإسطنبول وغيرهما من المدن إلى مستقر لكثير من الإسلاميين الأردنيين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، بعضهم بهدف الهروب من الضغوط والملاحقات الأمنية التي يتعرضون لها، وآخرون بهدف الاستثمار.
وفي الآونة الأخيرة، انتقلت مشاريع إعلامية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين إلى إسطنبول، وباشرت عملها من هناك، بعد أن شكت من مضايقات أمنية وبيروقراطية في عمّان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التعليم والإقامة
وازدهرت سمعة التعليم الجامعي التركي بين الأردنيين، وتزايدت المنح المخصصة للطلبة الأردنيين في الجامعات التركية، بموازاة إقبال منقطع النظير على تعلم اللغة التركية وفقاً لمدير المركز الثقافي التركي جنكيز أيرو أوغلو.
وثمة مدارس أردنية أُسست في إسطنبول ومدن تركية لخدمة أبناء الأسر الأردنية والعربية. وقفز عدد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي التركية من 128 في عام 2014 إلى 3716 في الوقت الحالي.
ويراهن أردنيون على فرق العملة بفعل انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي، إذ سجل الدينار الأردني أكبر قيمة له مقابل الليرة قبل أسابيع، ووصلت إلى 25 ليرة مقابل الدينار، وهو ما يشجع كثيراً من المتقاعدين لاختيار تركيا وجهة لهم، للاستمتاع بتقاعدهم على الرغم من صعوبات اللغة والاندماج.
ووفقاً لأحد المستثمرين الأردنيين في تركيا، فإن أكثر المدن التي يقصدها الأردنيون وأكثر المحافظات التي يتوجه إليها الأردنيون هي أزمير وبورصة وإسطنبول، حيث يمكن شراء شقة بمبلغ لا يتجاوز 60 ألف دولار، وهو رقم متواضع بالنسبة إلى أسعار الشقق في الأردن.
كما يتحدث معهد الإحصاءات التركية، عن ارتفاع عدد المواليد الأردنيين على الأرض التركية، فقد زاد عددهم من 373 لعام 2014 إلى 2345 في 2018.
صورة قاتمة
لكن تجارب بعض الأردنيين في تركيا تنقل صورة قاتمة لما حدث معهم، بخاصة بعد تعديلات أصدرتها السلطات التركية على شروط تجديد الإقامات، بحيث أصبحت محددة بإذن عمل أو لم شمل عائلي، بينما اعتمد كثير من الأردنيين المقيمين هناك على الإقامة السياحية التي تنتهي بعد ثلاثة أشهر، وتجدد لعام.
وتعرض بعض الأردنيين في إسطنبول تحديداً للاحتيال والنصب من قبل شركات وهمية، بينما وجد آخرون أنفسهم بلا عمل أو مصدر للدخل، بعد أن تحولت الصورة الوردية التي حلموا بها إلى أخرى قاتمة.
وألغيت إقامات المئات من الأردنيين من قبل السلطات التركية، بحسب الكاتب ماهر أبو طير، وأغلبهم من ذوي الإقامات السياحية. ويتحدث أبو طير عن هروب عائلي من الأردن إلى تركيا بفعل صورة نمطية تشكلت لديهم جعلت من الإقامة في إسطنبول وغيرها من المدن التركية بمثابة حلم، سرعان ما اتضح أنه مجرد كابوس بالنسبة إلى كثيرين، بحسب الكاتب.