لا تبشر ميزانية 2022 بقرب الانتعاش الاقتصادي في لبنان، فما زال سعر صرف الدولار يرمي بظلاله على اقتصاد البلاد المدولر، وتحاول الحكومة اللبنانية من خلال اقتراحها المستجد زيادة عائداتها بطريقة ما، في انتظار البدء بعملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فهي من ناحية تغرض حزمة كبيرة من الرسوم والضرائب، في مقابل مجموعة من الإعفاءات الممنوحة لأصحاب المداخيل المرتفعة.
الميزانية الجديدة
تضمنت الميزانية الجديدة إقراراً باستمرار العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، حيث أعطيت سلفة خزينة طويلة الأجل بحد أقصى 5250 مليار ليرة (3 مليار و465 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي) لتسديد عجز شراء المحروقات وتسديد فوائد وأقساط القروض لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. كما فتحت الباب أمام إمكانية تأمين المحروقات من الجيش لصالح المديرية العامة للدفاع المدني.
كما أجاز المشروع نقل اعتمادات لمساعدة الأسر الأكثر حاجة الملحوظة في باب احتياطي الموازنة، والمقدرة بقيمة 150 مليار ليرة لبنانية (100 مليون دولار)، وكذلك مبلغ 200 مليار ليرة لبنانية (132 مليون دولار) لمعالجة الأوضاع المستجدة بفعل فيروس كورونا، كما تضمنت نقل اعتمادات لتوزيع مساعدات ترميم الأبنية السكنية جراء انفجار مرفأ بيروت والمقدرة بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية (66 مليون دولار). وتشير هذه الأرقام إلى محدودية الأموال المنوي صرفها على منظومة الأمان الاجتماعية.
كما تضمن مشروع الموازنة تأجيلاً للبدء بتطبيق قوانين البرامج الممتدة على سنوات متعددة وفي مجالات مختلفة، ومن ضمنها قانون برنامج لإنشاء نظام اتصالات معلوماتية بين المدارس الرسمية والإدارة المركزية لوزارة التربية والتعليم العالي. وكذلك قانون لإنشاء وتجهيز أبنية مدرسية.
كما أقر المشروع اقتراحاً لتقسيط الضرائب والرسوم المتوجبة على المكلفين المتوجبة على عام 2020 التي تتولى مديرية المالية العامة جبايتها، وكذلك الضرائب المتوجبة على أشخاص القانون العام، واتحادات البلديات والمؤسسات العامة عن إشغالها لأملاك الدولة العامة.
كما منحت إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة التي تنشأ خلال السنوات الخمس المقبلة، بشرط أن يكون العاملون لديها 80 في المئة من اللبنانيين إلى جانب منح حوافز للشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية التي تمارس نشاطها الرئيس في مناطق ترغب الحكومة في تنميتها. وأعفى المشروع التعويضات التي تعطى للمستخدمين والعمال نتيجة صرفهم من الخدمة أو استقالتهم من الضريبة على الدخل، خلال الفترة الممتدة من 1 يوليو (تموز) 2019 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وكذلك إعفاء رواتب الموظفين والمستخدمين الذين أصيبوا بإعاقة دائمة نتيجة انفجار مرفأ بيروت من الضريبة على الرواتب والأجور. بالإضافة إلى إعفاءات على الأجهزة والمعدات التي تعمل على الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم الجمركية.
كما تضمن تعديلات بشأن شركات الـ"هولدنغ" والـ"أوف شور"، ولقانون رسم الطابع المالي الذي تمت مضاعفة قيمته. وإعفاء فوائد الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية لدى المصارف من الضريبة لمدة خمس سنوات.
رسوم بالدولار
أما أبرز ما تضمنته فهو فرض مجموعة من الرسوم بالدولار الأميركي الفريش، بينها رسم خروج على المسافرين بطريق الجو أو البحر ورسم دخول على غير اللبنانيين. ويفرض على المسافرين بطريق الجو أو البحر رسم خروج قدره 35 دولاراً على كل مسافر من الدرجة السياحية، و50 دولاراً على كل مسافر من درجة رجال الأعمال، و65 دولاراً على كل مسافر من الدرجة الأولى، و100 دولار على كل مسافر على متن طائرات أو يخوت خاصة.
كما يفرض المشروع ولمدة 7 سنوات، رسماً جمركياً بقيمة 10 في المئة على السلع والبضائع التي يتم استيرادها إذا كان يصنع مثيل لها في لبنان. كذلك نص المشروع بالقول، "خلافاً لأي نص آخر تحدد، تستوفى الرسوم في دائرة المفوضيات السياسية والقنصليات بالدولار الأميركي حصراً وفقاً لسعر الصرف المعتمد من قبل مصرف لبنان، كما يمكن استيفاؤها بعملة البلد الذي توجد فيه البعثة".
أما اللافت فهو تحميل أصحاب العلاقة مصاريف أعمال التحديد والتحرير للأراضي، بالتالي إعفاء الدولة منها. وكذلك تعديل مدة صلاحية جواز السفر اللبناني ومضاعفة الرسوم المتوجبة عليه ليصبح الجواز لمدة خمس سنوات برسم 600 ألف ليرة (400 دولار)، ومليون ليرة (600 دولار) لمدة عشر سنوات.
إلى ذلك، تضمن المشروع الإجازة للحكومة تحديد سعر تحويل للعملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية لاستيفاء الضرائب والرسوم، كذلك "إعطاء مساعدة اجتماعية لموظفي الإدارة العامة مهما كانت مسمياتهم الوظيفية"، بما يساوي أساس الراتب الشهري لموظفي الإدارات العامة و50 في المئة من المعاش التقاعدي للمتقاعدين دون أي زيادة مهما كان نوعها أو تسميتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أقر "إمكانية إعطاء الموظف الخاضع لشرعة التقاعد في السلك الإداري طلب إنهاء خدماته والاستفادة من تعويض صرف إذا كانت خدماته الفعلية لا تقل عن 15 سنة". كما حظر تمويل أي مشروع في القطاع العام عن طريق الموازنة العامة إلا بعد دراسة جدوى اقتصادية مفصلة.
موازنة الممكن
أثار مشروع الموازنة عاصفة من النقاشات، فهي لم ترتقِ إلى مصاف الإصلاح أو إطلاق مسيرة التنمية. يلفت النائب علي درويش، إلى "أن النظرة الإجمالية للموازنة ليست الأفضل، ولكنها من وجهة نظر اجتماعية تعتبر ميزانية الممكن خلال المرحلة الراهنة بفعل غياب أسعار الصرف الموحدة، وغياب الاستقرار السياسي، وتأخير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإعادة ضخ سيولة وخلق إنتاجية في القطاعات الاقتصادية المنتجة"، لذلك "نحن أمام موازنة الأزمة ريثما نصل إلى مرحلة استقرار سياسي، وصولاً إلى تحقيق النمو".
يضيف، "نحن أمام موازنة بعجز بلغ 20 في المئة، حيث حاولت الحكومة تأمين النفقات دون لمس بلقمة الفقير، و"ألا تكون زيادة المداخيل على حساب الحاجات الأساسية التي يعتاش عليها المواطن اللبناني". وعن شح الإنفاق الاجتماعي في الموازنة، يشير إلى "أن هناك مجموعة من المبادرات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتأمين إنفاق أكبر".
يقر درويش بضبابية المرحلة المستقبلية، الأمر الذي انعكس على الموازنة "فعلياً ليس لديك قدرة على تحديد دقيق لكلفة البرامج وسعر الصر، واعتمد التقدير بهامش معين، الأمر الذي دفع الحكومة لمنح وزير المال صلاحية تحديد أسعار الصرف بناءً على المعطيات اليومية بسبب ارتفاع وهبوط سعر الصرف. وعن مخالفة الدستور في منح وزير المالية صلاحية تشريعية، يجيب درويش، "هذه النقطة ستتم مناقشتها في مجلس النواب، وما زلنا أمام مشروع موازنة وتحتاج إلى مناقشة إقرار لتصبح نافذة أمام مجلس الوزراء والنواب"، متوقعاً إدخال تعديلات.
وعن تحديد حزمة من الرسوم بالدولار كنتيجة طبيعية لدولرة الاقتصاد، يعترف درويش بأننا "أمام اقتصاد مدولر في بلد مستهلك، فعلى الرغم من انخفاض الواردات من 20 مليار دولار إلى 8 و10 مليارات دولار، فإن الجزء الأكبر من الاستهلاك الداخلي مستورد"، لافتاً إلى "تسعير السلع في السوق المحلية بالدولار الأميركي، ولذلك فإن فرض الرسم بالدولار لا يثير أي إشكالية، من وجهة نظره، لأنها وضعت على سلع لا تطاول مباشرة ذوي الدخل المحدود واستهلاكهم".
وفيما يتعلق بالخوف من أن زيادة الضرائب تفتح الباب أمام مزيد من التهرب الضريبي في ظل غياب تراجع سلطة الدولة، يعتقد درويش أنه "لا يمكن القيام بجميع الإصلاحات دفعة واحدة والجبايات، وهناك خطوات اتخذت لإعفاءات ضريبية للشركات الناشئة، ريثما الوصول إلى مرحلة الاستقرار والنمو وانطلاق دورة الإنتاج والتوظيف، وإقرار خطة التعافي وتطبيقها".
الموازنة مخالفة للدستور
توجه الأكاديمية "سابين الكك" انتقادات قانونية ودستورية لمشروع الموازنة، التي تصفها بـ"خطة اللاخطة"، فهي لا تتوافق مع الصفات والمعايير أو الخصائص التي يتوجب أن تتضمنها الموازنة بالعادة. وتشير الكك إلى أن "تأجيل أي بند يتعلق باحتساب النفقات والواردات وعملية خلق التوازن فيما بينها كرؤية مالية، يعني أن الموازنة تتضمن خللاً كبيراً من الناحية الدستورية والنقدية. وهذا الخلل ينصب على احتساب النفقات والواردات لأنها تركت لوزير المالية والحكومة صلاحية تحديد سعر الصرف في الموضوع الجمركي والقيمة المضافة، ومنح وزير المال والوزراء المتخصصين صلاحية إعادة النظر بالرسوم والنفقات على ضوء التضخم والأوضاع المالية".
تعتقد الكك "أن الحكومة تهدف إلى إمكانية تعديل الموازنة أو إدخال إضافات عليها لاحقاً في معرض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من خلال ترك الموازنة مفتوحة لتحقيق مآرب شخصية، بخاصة مع المنظومة المصرفية". أما فيما يتعلق باستيفاء الرسوم بالدولار فهو يشكل مخالفة قانونية برأيها، والهدف منها البحث عن الدولار في الجيب الصغير للمواطنين الذين يتقاضون الأجور بالعملة اللبنانية، وهي تخلق حالة من اللا مساواة".
تستغرب الكك من "منح وزير لصلاحية تشريعية استثنائية لم تمنح للحكومة، الأمر الذي يدفع إلى الاستنساب في فرض الرسوم بصورة عادلة"، متسائلة، "على ماذا ستصوت لجنة المال والموازنة في البرلمان في غياب عدم الثبات في تقدير الواردات في غياب تحديد واضح لسعر الصرف. كما يتناقض هذا الأمر مع ما يطلبه صندوق النقد الدولي من اعتماد سعر موحد للصرف في ظل أسعار سعر صرف متعددة".
تطالب الكك الحكومة بوضع خطة إنقاذ مع تحديد هامش زمني للإصلاحات، ولكن "للأسف تقوم الحكومة بالعمل المقلوب". وتتخوف من أن "التدخل المباشر لمصرف لبنان في سوق الصرف، وضخ الدولار لإحداث صدمة في السوق، إنما يكون مرحلياً وهي ذات مفعول محدود واستثنائي بتكاليف قاسية، ويرتبط بقدرة المصرف المركزي على التدخل مجدداً"، وتضيف أن "السؤال مشروع عن سبب تدخل مصرف لبنان الآن في ظل الفجوة في العملات الأجنبية لديه؟"، و"هناك شيء مريب، ربما يكون سبب الضخ إراحة السوق لأسباب سياسية، أو أن تكاليف هذه الخطة هو أقل من طباعة كتلة نقدية وطنية جديدة، أو بسبب حاجته إلى الكتلة النقدية التي يسحبها من السوق".