أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء 26 يناير (كانون الثاني)، أن السفير الأميركي في موسكو جون سالفيان سلّمها ردّ بلاده على لائحة المطالب الأمنية التي تقدّمت بها لحل الأزمة الأوكرانية، وكشفت مصادر لـ"اندبندنت عربية"، أن واشنطن رفضت في ردها مطلب موسكو وقف توسع حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، ما يهدّد بانزلاق التوتر السائد بين روسيا والغرب إلى مواجهات عسكرية في أوكرانيا.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو في بيان، إن السفير ساليفان "سلّم الردّ الخطّي للإدارة الأميركية على مشروع معاهدة ثنائية حول الضمانات الأمنية والذي سبق للطرف الروسي أن قدمها".
ووصل السفير الأميركي إلى مقر وزارة الخارجية الروسية مساء الأربعاء، وأظهر مقطع فيديو نشرته وكالة الإعلام الروسية سالفيان وهو يغادر المبنى في وقت لاحق، وذكرت أنه ظل بالداخل لمدة 30 دقيقة.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد من جهته أن واشنطن حدّدت "مساراً دبلوماسياً جاداً" لحلّ النزاع بشأن أوكرانيا في رسالتها للحكومة الروسية. وقال بعدما تم تسليم الرسالة إلى موسكو، "نوضح أن هناك مبادئ جوهرية نحن ملتزمون بالمحافظة عليها والدفاع عنها، تشمل سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها وحقّ الدول في اختيار الترتيبات الأمنية والتحالفات الخاصة بها".
حلف شمال الأطلسي أعلن بدوره، الأربعاء، أنه سلّم روسيا "مقترحات" خطية على مطالبها الأمنية. وكان دبلوماسيون أبلغوا وكالة الصحافة الفرنسية أن الوثيقة ستسلم للسفير الروسي في بلجيكا حيث مقر الحلف.
بالتزامن، اجتمعت وفود روسية وأوكرانية في باريس الأربعاء، في محاولة لخفض التصعيد بين البلدين بوساطة فرنسية، في حين نددت موسكو بالتهديدات الصادرة عن واشنطن بفرض عقوبات مباشرة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرةً إلى أن خطوات من هذا النوع ستكون غير فعالة، وستضر بجهود خفض التوتر المرتبط بأوكرانيا.
ويجتمع مسؤولون من فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا في باريس بصيغة رباعية تكررت مرّات عديدة منذ ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014. ويشارك في المحادثات نائب كبير موظفي الكرملين ديمتري كوزاك، والأوكراني مستشار الرئيس أندريه يرماك، ومستشارون دبلوماسيون للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشار ألمانيا أولاف شولتس.
وتأتي المحادثات فيما كثّفت القوى الغربية تهديداتها بعقوبات اقتصادية قاسية في حال هاجمت روسيا جارتها الموالية للغرب، وذهبت واشنطن أبعد من ذلك لتعلن الثلاثاء استعدادها لفرض عقوبات تستهدف بوتين شخصياً، لتنضم إليها لندن في هذا الطرح على لسان وزيرة خارجيتها ليز تراس، التي قالت الأربعاء إن لندن لا تستبعد فرض عقوبات تستهدف بوتين شخصياً.
باريس تعلن عن "إشارة جيدة"
وفي ختام جلسة المحادثات الماراثونية في باريس، والتي استمرت ثماني ساعات بين روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسية - ألمانية، أعلن الإليزيه، مساء الأربعاء، أن الوسيطين تلقيا من الجانب الروسي "إشارة جيدة" حتى وإن كان الاجتماع "صعباً".
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية، إنه "في السياق الحالي للأمور، فقد تلقينا اليوم إشارة جيدة في ظل ظروف صعبة".
وأضاف "لقد تلقينا إشارة العودة للالتزام التي كنا نسعى إليها".
وأوضح أن جلسة المحادثات شكلت "امتحاناً لرغبة روسيا في التفاوض".
وأكد المسؤول الفرنسي أن محادثات باريس كان هدفها البحث في سبل تعزيز الهدنة بين القوات الحكومية الأوكرانية والمتمردين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا الانفصالي وليس بحث الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية والتي تقول كييف وحلفاؤها الغربيون إن هدفها هو غزو روسي وشيك لأوكرانيا، وهو اتهام تنفيه موسكو.
ومن أبرز الثمار الإيجابية لمحادثات باريس هو أنه وللمرة الأولى منذ 2019 اتفقت أوكرانيا وروسيا على توقيع بيان مشترك مع فرنسا وألمانيا بشأن النزاع في شرق أوكرانيا، وفقاً للمصدر نفسه.
وتسعى الدول الأربع إلى التوصل لاتفاق سلام في شرق أوكرانيا.
وقال المسؤول الفرنسي، إنه "على الرغم من صعوبة المناقشات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019، تمكنت صيغة النورماندي من الاتفاق على نقاط رئيسة عدة".
وأوضح أن الجانبين الروسي والأوكراني التزما في البيان المشترك "باحترام غير مشروط لوقف إطلاق النار"، وتعهدا الاجتماع مجدداً في غضون أسبوعين، ولكن هذه المرة في برلين.
تجاوز الخط الأحمر
وقلل المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف من قيمة التهديدات، مشيراً إلى أنه يمنع أساساً على كبار المسؤولين الروس امتلاك أصول في الخارج، لكنه شدد مع ذلك على أن خطوة من هذا القبيل ستضر بدرجة كبيرة بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى نزع فتيل التوتر حيال أوكرانيا. وقال بيسكوف للصحافيين "سياسياً هذا الأمر ليس مؤلماً بل إنه مدمر".
وسبق للكرملين الإشارة إلى أن أي عقوبات أميركية تستهدف بوتين شخصياً ستمثل تجاوزاً للخط الأحمر، محذراً من أن الخطوة ستؤدي إلى قطع العلاقات الثنائية.
وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، أن أي هجوم عسكري روسي على أوكرانيا ستكون له "عواقب هائلة، حتى إنه قد يغير العالم".
وتحدث مسؤول أميركي رفيع، الثلاثاء، عن عقوبات اقتصادية محتملة على روسيا "تحمل عواقب هائلة"، تتجاوز تلك التي فرضت عام 2014 بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
وقال المسؤول، إن التدابير الجديدة ستشمل قيوداً على صادرات معدات التكنولوجيا الأميركية المتقدمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتكنولوجيا صناعة الطيران، وهو ما "سيضرب بشدة طموحات بوتين الاستراتيجية لتحويل اقتصاده نحو التصنيع".
وأفاد رئيس مجلس النواب الروسي فياتشيسلاف فولودين، الأربعاء، بأن تهديد واشنطن تجاه بوتين يظهر بأن الولايات المتحدة "ترغب في رئيس روسي موال يمكنها السيطرة عليه".
وكتب فولودين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "الولايات المتحدة غير راضية بأن الاتحاد الروسي بات قوياً ومستقلاً في عهد الرئيس فلاديمير بوتين".
وعلى مدى أسابيع من المحادثات بين دبلوماسيين روس وأميركيين وأوروبيين، حذر القادة الغربيون مراراً من إجراءات اقتصادية واسعة النطاق ضد موسكو في حال وقوع اعتداء.
المساعي الفرنسية
وفي ظل القلق حيال خطاب كل من واشنطن ولندن وقرارهما سحب بعض موظفي سفارتيهما وأفراد عائلاتهم من كييف، حذّر مساعد لماكرون الاثنين من "خلق أي ضبابية أو التسبب بأي عدم استقرار إضافي". وتابع، "على العقوبات ألا تؤدي إلى أعمال انتقامية ترتد علينا ويكون لها ثمن... العقوبات ليست كل شيء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تضع الولايات المتحدة خططاً لدعم إمدادات الغاز إلى أوروبا في حال قطعتها روسيا عبر خطوط أنابيبها رداً على العقوبات الغربية.
وتقوم الخطة الفرنسية، بناءً على التفاصيل التي قدّمها مساعد لماكرون الاثنين، على قيام الطرفين بخطوات لبناء الثقة. وقامت الحكومة الأوكرانية بالخطوة الأولى وفق التصور الفرنسي عبر سحب مشروع قانون طرح في البرلمان لإدارة وضع المناطق الخاضعة لسلطة الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق البلاد، والتي ترى فيها موسكو انتهاكات لالتزامات سابقة.
وتأمل باريس في أن توافق موسكو على بعض "الإجراءات الإنسانية" مثل تبادل السجناء في شرق أوكرانيا وفتح نقط التفتيش التي يديرها الانفصاليون. وقال المساعد إن فرنسا ستضغط أيضاً لاستصدار "بيان عام من الروس بشأن نواياهم يكون مطمئناً للجميع".
ولعل نقطة الخلاف الأساسية ستكون دعم فرنسا لعقد محادثات بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في الشرق، وهو أمر رفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أميركا ترجح موعد "الهجوم"
وأكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، الأربعاء، أن الولايات المتحدة تعتقد أن الرئيس الروسي مستعد لاستخدام القوة ضد أوكرانيا بحلول منتصف فبراير (شباط) على الرغم من الضغوط الرامية لمنع ذلك.
وقالت شيرمان خلال منتدى، "لا فكرة لدي بشأن إن كان اتخذ القرار النهائي، لكننا بالتأكيد نرى أن كل مؤشر يدل على أنه سيستخدم القوة العسكرية في وقت ما، ربما (بين) الآن ومنتصف فبراير".
وفي كييف، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الأربعاء، أن عدد القوات الروسية المحتشدة على الحدود الأوكرانية لا يزال "غير كافٍ" لشنّ هجوم واسع النطاق على بلاده.
وقال كوليبا في مؤتمر صحافي إن هذا العدد "كبير، يمثل تهديداً لأوكرانيا" لكنه حتى الساعة "غير كافٍ" لشنّ هجوم واسع النطاق على أوكرانيا على طول الحدود". وأضاف، "هذا يعني أنهم لن يتمكنوا من زيادته إلى مستوى كافٍ خلال فترة زمنية معيّنة".
وأكد الوزير أن بالنسبة لكييف، موسكو تنفذ سيناريو "زعزعة الاستقرار" عبر "زرع الرعب وممارسة الضغط على النظام المالي الأوكراني وعبر شنّ هجمات إلكترونية على أوكرانيا".
واعتبر أن "بوتين سيكون سعيداً، إذا نجحت هذه الخطة ولن يكون مضطراً للجوء إلى القوة العسكرية".
"الأطلسي" ملتزم تجاه أوكرانيا
وأكد وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني في بيان أن بلاده ستحافظ على التزاماتها حيال حلف الأطلسي في ظل أزمة أوكرانيا، فيما شدد على ضرورة التوصل إلى حل سلمي.
وقال، "تحرك الحلف لتعزيز إجراءات الردع في خاصرته الشرقية، وهو أمر تشارك فيه إيطاليا في إطار العمليات والمهمات التي وافق عليها البرلمان".
وأضاف، "إذا جرى اتخاذ قرارات إضافية ضمن إطار استراتيجية الناتو للردع، فستسهم إيطاليا إلى أقصى حد وستقوم بدورها".
وأعلن حلف الأطلسي، الإثنين، أنه سيرسل طائرات وسفناً لتعزيز منطقة شرق أوروبا.
كما قال متحدث باسم الحكومة اليابانية الأربعاء، إن طوكيو وواشنطن ستتعاونان معاً إذا ما غزت روسيا أوكرانيا.
وتتوقع روسيا هذا الأسبوع تلقي إجابات أميركية مكتوبة على المطالب الأمنية الواسعة التي رفعتها موسكو العام الماضي والرامية إلى الحد بشكل كبير من إمكانات وهيمنة حلف شمال الأطلسي على شرق أوروبا والدول التي كانت منضوية تحت الاتحاد السوفياتي.
مطالب روسية
وحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في خطاب أمام النواب الأربعاء من أن موسكو ستتخذ "كل الإجراءات اللازمة"، ما لم تحصل على ردود بناءة، وإذا واصل الغرب "سياسته العدوانية". وأضاف أن موسكو لا تريد إطالة أمد المحادثات بشأن أوكرانيا.
وأفاد دبلوماسيون من دول حلف الأطلسي، الأربعاء، أن الـ "ناتو" يقترب من استكمال كتابة مقترحاته لموسكو في هذا الصدد، ومن المقرر أن يسلمها الأسبوع الحالي.
وقال دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية، "العديد من المطالب الروسية غير مقبولة ولا واقعية، لكن الرد يحدد عدداً من القضايا التي يمكن التعامل فيها مع مخاوفهم. السؤال هو إن كان هذا ما يريده الروس".
في الأثناء، أعلنت موسكو عن سلسلة تدريبات عسكرية تشمل بيلاروس، وقالت الثلاثاء إنها ستجري مناورات جديدة يشارك فيها 6000 جندي قرب أوكرانيا وفي منطقة القرم.
وأكد بيان لـ "الأسطول الشمالي" أن سفناً حربية روسية دخلت بحر بارينتس الأربعاء كجزء من تدريبات بحرية منفصلة.
واتهم الغرب روسيا بحشد نحو 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية.
البابا فرنسيس يدعو إلى السلام
وأفاد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الأربعاء، بأن عدد الجنود الروس "غير كاف لهجوم واسع النطاق"، لكنه يمثل "تهديداً مباشراً" لأوكرانيا.
وتنبع المخاوف من غزو روسيا من ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014 وسيطرة انفصاليين موالين للكرملين على منطقتين وإعلانهما تأسيس جمهوريتين من طرف واحد شرق أوكرانيا.
وقتل أكثر من 13 ألف شخص في المعارك بين القوات الحكومية الأوكرانية والمتمردين الموالين لموسكو.
ودعا البابا فرنسيس، الأربعاء، إلى السلام في أوكرانيا، مناشداً تجنب إشعال حرب في أوروبا، وقال "أرجوكم لا حرب بعد الآن"، داعياً المؤمنين إلى "الصلاة من أجل السلام في أوكرانيا".
أردوغان: غزو روسيا لأوكرانيا سيكون حماقة
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، إنه من الحماقة مهاجمة روسيا أوكرانيا، مشيراً إلى أن بلاده في تلك الحالة ستقوم بما يلزم باعتبارها عضواً في حلف شمال الأطلسي.
وأضاف في مقابلة مع محطة "أن. تي. في" التلفزيونية أنه دعا الرئيس الروسي بوتين إلى تركيا في إطار اقتراح لاستضافة الجانبين لاعتماد طريق الدبلوماسية والسلام، مشيراً إلى أنه يتوقع رداً من موسكو.
واعتبر أردوغان أن هناك حاجة إلى حوار شامل يعالج بعض مخاوف روسيا الأمنية بينما يوضح لموسكو أن بعض مطالبها غير مقبولة.
وأمل "ألا تهاجم روسيا أوكرانيا عسكرياً أو تحتلها. فخطوة من هذا القبيل ستكون عملاً أحمق بالنسبة إلى روسيا والمنطقة على حد سواء.. ثمة حاجة إلى حوار يرعي السمع لروسيا ويزيل مخاوفها الأمنية المنطقية".
وتتمتع أنقرة بعلاقات جيدة مع كل من كييف وموسكو، لكنها تعارض السياسات الروسية في سوريا وليبيا، فضلاً عن ضمها شبه جزيرة القرم في 2014. وباعت تركيا طائرات مسيرة متطورة لأوكرانيا، مما أثار غضب موسكو.
وقال "أكرر أننا مستعدون لعمل كل ما هو ضروري، وقد نقلت هذه الرسائل إلى الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي... أعتقد أن كلا البلدين يدركان صدق تركيا وحسن نيتها"
وأضاف أن الازمة يجب أن تحل "مع تجنب استخدام القوة... نأمل أن تنجح مبادرة حلف شمال الأطلسي في هذا الصدد".
وعرضت تركيا الوساطة في الأزمة للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت مصادر دبلوماسية، الأسبوع الماضي، إن كلاً من روسيا وأوكرانيا منفتحتان على أن تلعب تركيا دوراً في حل الأزمة.
وقال أردوغان، إنه سيزور زيلينسكي في أوكرانيا في أوائل فبراير لمناقشة الأزمة وسيجتمع أو يتصل ببوتين قريباً.