Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوبيما الرسام الهولندي الذي أسس المدرسة الطبيعية الإنجليزية

صاحب الاسم الأشد غرابة في تاريخ الفن الغربي يتحفه بأجمل المناظر الطبيعية

"طريق ميدلهارنيس" لهوبيما (1689) (موسوعة الفن الكلاسيكي)

ملخص

الرسام الهولندي مايندرت هوبيما اخترع لنفسه اسماً تفرد به، تماماً، كما ابتكر لفنه بضعة أساليب متقاربة تدور من حول خصوصية في اللون كما في المنظور لا تكاد تشبه خصوصية أي فن آخر عرفته هولندا

لعل السمة الأشد غموضاً في تاريخ ومسار الفنان الهولندي مايندرت هوبيما (1638- 1709) هي تلك التي تتعلق باسمه، إذ إن المؤرخين ونقاد الفن الذين أولعوا بلوحاته التي يصور معظمها مناظر طبيعية ريفية هو الذي نادراً ما أقدم على تصوير بورتريهات ذاتية له أو لغيره، كما أنه نادراً ما بارح في فنه المناطق الريفية التي كان يعرفها جيداً وفي أنحاء عديدة من تلك البلاد الواطئة التي ستعرف لاحقاً باسم هولندا، أولئك الباحثون احتاجوا إلى ما لا يقل عن قرنين من الزمن قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى وضع فرضية نهائية فحواها أن اسم هوبيما الحقيقي لم يكن أبداً ذلك الذي اشتهر به وحملته لوحاته توقيعاً لها، بل كان في الحقيقة مايندرت مايندرتز، أي إن هذا الأخير كان هو الاسم الذي عمد به في عام 1638، وذلك في كنيسة مسقط رأسه بأمستردام، لكنه سيتخذ لنفسه لاحقاً اسماً هو ذلك الاسم المستعار هوبيما المستقى من كلمة بات واضحاً أنها ليست هولندية بأية حال من الأحوال ولا يعرف أحد ما الذي قد تعنيه في اللغة الأصلية التي تنتمي إليها، هذا إذا كانت تنتمي أصلاً إلى أية لغة. المهم ان هذا الرسام قد اخترع لنفسه اسماً تفرد به، تماماً، كما ابتكر لفنه بضعة أساليب متقاربة تدور من حول خصوصية في اللون كما في المنظور لا تكاد تشبه خصوصية أي فن آخر عرفته هولندا في ذلك الزمن.

حياة قصيرة لفن كبير

لكن الرجل كان هولنديا خالصاً وهو على الأرجح لم يبارح ذلك البلد كثيراً حتى وإن كان ثمة ما يؤكد أنه قام بسفرات خاطفة ولكن غير بعيد من هولندا، وهو أمر يبدو على أية حال مؤكداً أكثر من التأكيد الذي زعمته فرضيات تقول إنه ربما كان ينتمي في أصوله، كما في اسمه إلى مناطق في جنوبي شرقي آسيا كانت هولندا تحتلها في تلك الأزمنة... غير أن شتى البحوث والتحريات التاريخية التي أجريت بصدده، أكدت أنه لم يكن كذلك على الإطلاق، وأنه بالكاد قد قام بأي سفر ولو إلى البلدان المجاورة باستثناء إنجلترا القريبة التي يضم بعض متاحفها عدداً من أعماله التي كانت قليلة رغم أنه عاش أكثر من 70 سنة. وهنا، قبل أن نتحدث عن عملين رئيسين لهوبيما، قد يكون من المفيد أن نستعرض بعض ملامح حياته التي، في عاديتها قد تضيف غرابة إلى غرابة فنه وبساطة مسيرته. فاسم مايندرت يرتبط بصورة أساسية بواحد من كبار فناني هولندا في ذلك الحين، فون رويسدايل، الذي احتضنه في محترفه وأسهم في تعريف الحياة الفنية في أمستردام به، وصولاً إلى أنه كان شاهد زواجه كما جاء في الوثائق الرسمية الكنسية التي تعود إلى عام 1668. وهو على أية حال العام نفسه الذي حصل فيه هوبيما على وظيفة رسمية في الدولة تقوم على خبرته في تذوق النبيذ وتحديد تراتبيته في اقتصادات البلد. وهي على أية حال وظيفة مجزية من الواضح أنها قد أغنته عن الاتكال على فنه كمصدر للرزق. وربما تكمن ها هنا خلفية قلة عدد رسومه وتضافرها مع محدودية مواضيعه، الريفية في معظمها كما أشرنا.

سيرة مختصرة

تقول لنا سيرة هذا الفنان بالتالي إنه بعد مرحلة أولى من التدرب وهو بالكاد تجاوز الـ20 من عمره، باع في عام 1658 أول لوحة لا تزال معروفة حتى اليوم من لوحاته، وهي كانت تلك التي ختم بها تدربه في محترف فان رويسدايل، أستاذه وراعيه، ولقد فتحت له تلك اللوحة الأبواب الفنية، تماماً كما فتحت له علاقاته العائلية وزواجه، أبواب العمل الحكومي في تذوق النبيذ، لنراه يمضي بقية حياته متأرجحاً بين النشاطين. ويبدو أن هذا كل ما يمكن أن نعرفه عن سيرة "هوبيما"، أو نحتاج إلى أن نعرفه. أما ما يتعلق بفنه فيبدو لنا أكثر وضوحاً وأهمية ومن علاماته أنه إنما سار بصورة أساسية في أداءاته الفنية على خطى معلمه الكبير، حتى وإن كان في مقدورنا أن نكتشف أنه، وفي المجالين الأساسيين اللذين نوهنا بهما أول هذا الكلام، قد افترق عنه بسرعة، إذ إن رويسدايل كان فنان مدينة يتبع تلك التيارات التي جعلت من الفن الهولندي فناً قائماً بذاته بين الفنون الأوروبية قاطبة، ولا سيما كما تجلى خلال تلك الحقبة التي انتقل فيها المجتمع الهولندي إلى مجتمع مركانتيلي بورجوازي، يلعب الفن المنزلي وفن المدن دوراً كبيراً في الخروج به من داخل البيت الهولندي إلى الشارع بعد مرحلة أولى خرج ذلك الفن فيها من الكنائس إلى القصور، ثم إلى البيوت الموسرة. والحقيقة أن في وسعنا هنا أن نقول إن هوبيما، ولسبب ما يصعب علينا تفسيره، سيكون هو سيد المرحلة الانتقالية التي أعادت ذلك الفن نفسه إلى الريف وفي الأقل عبر لوحتيه الأشهر، واللتين دائماً ما يكتفي المؤرخون بالحديث عنهما لاستعادة ذكراه، أولاهما لوحته المبكرة "طاحون الماء" التي كانت أول لوحة له تحمل توقيعه البديل، هوبيما، ويبدو أن إنجازها قد استغرقه أربع سنوات، بين 1664 1668، وثانيتهما "طريق ميدلهارنيس" التي تبقى على أية حال، أشهر لوحاته هي المعروفة بأن عنوانها يكاد يبدو إنجليزياً، إذ كان كثر يعتقدون أن هوبيما رسمها خلال رحلة قام بها إلى إنجلترا المجاورة، كما أشرنا، لكن ذلك ليس صحيحاً، والصحيح أن عنوانها يخلط بين الهولندية والإنجليزية، وهو اسم لمنطقة في هولندا. ومهما يكن من أمر لأسباب أخرى نجد هذه اللوحة ومنذ زمن طويل معلقة في "ناشيونال غاليري" اللندني لتعد من أجمل تحفه، كما تعد واحدة من أجمل لوحات هوبيما على الإطلاق. وحكايتها أن ثريا سكوتلنديا يتنقل بين البلدين اشتراها في مزاد في روتردام ونقلها من هناك إلى إدينبورغ دون أن يعرف أحد أول الأمر من هو رسامها الحقيقي لتستمر بعد ذلك معلقة في المتحف اللندني الشهير وتنال حظها من الشهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لوحتان لخلود مدهش

بل إنها أضفت شهرة ومكانة كبيرتين على هوبيما الذي انطلقت مكانته العالمية بفضلها كما بدأت حياة اللغز المتعلق باسمه وجذوره، لكن اليوم كل شيء في ذلك المجال يبدو واضحاً وبات هوبيما بكل ما يتعلق به من غرابة ولو محدودة، جزءاً معترفاً به من تاريخ الفن. وهو جزء بات يتركز على إبداعه الفني الذي ينظر إليه الباحثون بكونه، ومن دون أن يتأثر كما حال كثر من رسامي المناظر الطبيعية بالفنون النهضوية الإيطالية في هذا المجال، بل عرف كيف يخلق مناخاته محلياً، أي شمالياً أوروبياً خالصاً، ولو عبر عدد محدود من ألوان ليس فيها من الدفء الجنوبي شيء، بل ترتكز على برودة يتيحها اقتصار الرسام على تنويعات الأخضر والرمادي معتمداً لبث نوع من الإشراق في عمله على فسحات بيضاء غالباً ما تأتي من الغيوم ومن اتساع المنظور المدهش الذي يدمجه كجزء أساس من المشهد شاغلاً به حيزاً واسعاً من أعلى اللوحة وكأن وظيفته ضوئية أكثر من أي شيء آخر، ومن المؤكد أن هذا الاستخدام الفسيح - والذي يعبر هنا بقوة أخاذة عن اختيار جمالي لا لبس فيه، جمالي بالتأكيد، لكنه وظائفي أيضاً وشمالي دون لف أو دوران - وهو استخدام لن يفوتنا أن نلتقي به بعد قرن أو قرنين في عدد كبير من المناظر الطبيعية التي رسمها كبار مبدعي هذا النوع في الرسم الإنجليزي الخالص، وعلى رأسهم غينسبورو، قبل أن يصوره تورنر في اتجاهات أخرى. ومن هنا إلى القول إن في الإمكان استناداً إلى هذا الواقع القول إن هوبيما لا يمكن إلا أن يكون واحداً من الآباء الشرعيين للمشاهد الطبيعية الإنجليزية خطوة لا شك أن كثراً من المؤرخين قد قطعوها، ولكن في تحليلهم للوحة أخرى لهوبيما هي ثانية أشهر لوحاته والمعروفة بـ"طاحونة الماء" وتوجد اليوم معلقة في متحف اللوفر الفرنسي، حيث يخيل للناظر إليها دون معرفة مسبقة بها وبرسامها، أنها لوحة إنجليزية تنتمي إلى المدرسة الإنجليزية كما برزت بين القرنين الـ17 والـ18، ويمكن للفضولي أن يقترب منها باحثاً عن توقيع غينسبورو عليها، على سبيل المثال.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة