بعد عام من الحوادث سيئة الصيت التي وقعت في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، ما الذي تغيّر بالنسبة إلى أميركا؟ القليل، وفق ما يبدو، بشكل يدعو إلى الكآبة. وبالفعل، بالنسبة إلى البعض، خصوصاً الرئيس السابق دونالد ترمب، لم تُطوَ بعد صفحة انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 "المسروقة"، بل إنها أقل قبولاً حتى الآن.
ولقد أصرّ متحدث صحافي باسم ترمب، وهو الأخير في سلسلة طويلة من الأشخاص الذين كُلّفوا الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، على أن "العصيان الحقيقي" ظهر حين وصل جو بايدن إلى البيت الأبيض بفضل مؤامرة واسعة النطاق شارك فيها الديمقراطيون، وعملياً كل هيئة قضائية ومعنية بإنفاذ القانون فيدرالياً وعلى مستوى كل ولاية. وجرى تصوير بايدن عملياً كما لو أنه عميل خارجي للصين أو (وتلك من المفارقات) لروسيا، وكرجل مصمم على إقامة جمهورية شعبية وإلغاء النظام السياسي الأميركي.
بعبارات أخرى، لم ينتهِ الجنون بعد، وليس هناك ما يوحي بأنه سيفعل ذلك. وعلى الرغم من بعض التعقل الذي ظهر في أوساط قيادة الحزب الجمهوري، فإن قبضة ترمب على الحزب لا تزال محكمة، ولا يزال المرشحون لاحتلال مناصب عامة يحجّون إلى "مارالاغو" [الفيلا التي يقطنها ترمب في ولاية فلوريدا] من أجل إلقاء قسم الولاء له.
وكذلك ثمة عدد مدهش من أنصار الحزب الجمهوري يعتبرون انتخابات 2020 غير شرعية، ويظنون بشكل ضمني أن أعمال الشغب التي اندلعت في 6 يناير، إما مبررة، أو مبالغاً فيها، أو مجرد عملية سرية جرت بهدف توفير ذريعة لتحقيق أغراض معينة. إن الحزب الجمهوري حالياً عبارة عن مجموعة من أصحاب نظريات المؤامرة والأحكام المسبقة التي تصدر عن سكارى، بدلاً من أن يكون حركة للأفكار والمُثل العليا.
هناك أمل بالنسبة إلى بعض الناس، وخوف عميق لدى بعضهم الآخر، من أن يكون عصيان 6 يناير أشبه بالبروفة لانتخابات 2024، ومصدر إلهام بالنسبة إلى من قرروا سلفاً أن دونالد ترمب لن يكتفي بالترشح في 2024 بل سيفوز بها، وإذا دلّت أوراق الاقتراع ونتائج حساباتها على أنه لم يفُز، فسيكون هناك استعراض للقوة يؤدي إلى نقضها [النتائج]. إن عدداً من أتباعه يميلون إلى الاعتقاد بأنه لم يكُن يتحدث بلغة مجازية، بل أطلق دعوته إلى حمل السلاح عشية المعركة، على غرار ما يفعل جنرال باتون في الأفلام.
في المقابل، إن الرئيس بايدن محق تماماً في الاعتقاد بأن سلفه يتحمل "مسؤولية فردية" عن "الفوضى والمذبحة"، وكذلك أصابت نائبة الرئيس هاريس حين اعتقدت بأن خطر العنف السياسي يصبح مزمناً. في المقابل، ربما ليس من الحكمة أن يقولا ذلك. الديمقراطية الأميركية هشّة، إلا أنها نجت. ولا يزال هذا الوقت مكرساً لتعافيها.
استطراداً، إن أميركا مستقطبة كذلك بأكثر من أي وقت منذ الصدمات التي شهدتها ستينيات القرن العشرين [حركة الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين والانقسام حول حرب فيتنام]. ويتمثّل أحد الأسباب الذي حمل كثيرين من أبناء البلاد على اللجوء إلى بايدن، في أنهم أُنهِكوا بسبب التناقضات التي لا تنتهي في البيانات الصادرة خلال ولاية ترمب، وباتوا يتوقون إلى بعض السلام والهدوء. ولذا، بدا "الناعس" بايدن [لقب أطلقه ترمب على منافسه آنذاك] كأنه يوفر مسكّن الألم الذي يحتاجون إليه بشدة.
في المقابل، بالكاد يحتاج بايدن إلى تذكير الناس بذنب ترمب في حوادث 6 يناير. وعلى أيه حال، ثمة تحقيقات يجريها الكونغرس والشرطة و"مكتب التحقيقات الفيدرالي"، تعتزم إظهار ذلك. وبالنسبة إلى أنصار ترمب، فإن ما يقوله بايدن لا أهمية له في أحسن الأحوال، أو إنه يشكّل نوعاً من الاستفزاز، في أسوأها. ويردّون عليه بشتائم وعبارات كـ"إلى الجحيم يا بايدن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثمة قليل من الشك في أن انتخابات 2016 وما تلاها، لم تخدم سوى تعزيز الاستقطاب في ثقافة سياسية تعاني فعلاً انقسامات مريرة، غير أن السياسة الأميركية كانت في وضع غير صحي إلى حد لا بأس به، حتى قبل الاضطراب الكبير الذي أحدثه ترمب. كانت العنصرية والهجرة وعدم التكافؤ الاقتصادي و"الحروب الثقافية" والنخبة المنفصلة والمتكبرة، كانت كلها مواضيع جرى استغلالها من قبل حملة ترمب ثم إدارة ترمب، بيد أن دونالد ترمب لم يخترعها.
لم يعُد الشكل السياسي لأميركا على هيئة جرس مستوي السطح وله قمة واحدة [إشارة إلى شكل البيان الإحصائي أثناء التفاوت التقليدي للآراء، فيكون المتطرفون قلة على جانبي النزاع، فيما تتجمع الأكثرية من الطرفين في الوسط]، بل صار فيه مزيد من القمم المزدوجة. بالأحرى، باتت أميركا منقسمة بشكل تام تقريباً إلى نصفين راسخين يتجه كل منهما نحو التطرف، مع وجود فرقة صغيرة نسبياً في الوسط من الناخبين الذين تقطعت بهم السبل. إن النظام الذي وضعه الآباء المؤسسون مرن وصلب بما يكفي كي ينجو من الهجوم الذي تعرّض له في أعوام ترمب، إلا أنه لا يزال غير مناسب في توفير الفرصة أمام وجود حكومة مستقرة تأتمر بأمر الغالبية وتحظى باحترام كل قطاعات الناخبين.
في سياق مماثل، إن الأحزاب في الكونغرس، على غرار الشعب كله، منقسمة على نفسها، باعتبار أن المؤسسات والسلطة التشريعية والتنفيذية، كانت في حال حرب باردة على مدار عقود عدة، ما جعلها عاجزة بشكل دوري حتى عن الاتفاق حول موازنة ودفع رواتب موظفين فيدراليين.
وكخلاصة، تعرف البلاد والعالم حق المعرفة ما هي الأخطاء التي وقعت في أعوام ترمب. إن أميركا في حاجة إلى رئيس يساعدها على الشفاء. في المقابل، لا يبدو أن كثيرين، من بينهم بايدن، يريدون وضع 2020 و2021 وراء ظهورهم.
© The Independent