اعترضت السلطات المغربية مرة جديدة على مضمون التقرير السنوي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، متهمة إياها بمواصلة اعتماد توجه ممنهج من أجل الإضرار بسمعة المغرب.
وفي ردها عن الجزء الخاص بالمغرب ضمن التقرير السنوي لـ "هيومن رايتس ووتش" لعام 2021، اتهمت المندوبية الوزارية المغربية لحقوق الإنسان (حكومية) المنظمة بمواصلة "انخراطها المستمر في حملة سياسية ممنهجة مضادة للمملكة، وذلك من خلال تقديم معطيات تفتقد إلى سند واقعي وقانوني، مناقضة في ذلك منهجها الذي لطالما ذكرت به والقاضي بالتحقيق بدقة في الانتهاكات وكشف الحقائق على نطاق واسع".
أسباب تأزم العلاقة
ويشير حقوقيون مغاربة إلى أن العلاقة بين الرباط و"هيومن رايتس ووتش" متأزمة منذ سنوات بسبب نشرها انتقادات بخصوص حقوق الإنسان في المغرب. وأوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري أن "العلاقة المتوترة بين المغرب وهيومن رايتس ووتش ليست وليدة التقرير الأخير للمنظمة، باعتبار أنه منذ سنوات وتقاريرها تحمل انتقادات بعضها حاد جداً لواقع حقوق الإنسان بالمملكة، وتصدر ردوداً مستنكرة لتلك المضامين من لدن المندوبية الوزارية أو من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان سابقاً، وحتى الحكومة أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان".
وذكر الخضري أن "المنظمة توثق انتهاكات حقوق الإنسان عبر موفدين ومراسلين تابعين لها في أكثر من 70 دولة، وعلى الرغم من أن تقاريرها تخضع لمعايير الدقة العلمية والموضوعية بحسب ما تشير إليه في أدبياتها، إلا أنه من المحتمل جداً أن تصاغ تلك التقارير وفق وجهة نظر الأشخاص الذين يمثلون المنظمة، سواء في المغرب أم في غيره من البلدان، والذين قد يحملون موقفاً سياسياً مسبقاً من الدولة المغربية". مضيفاً، "إذا تحدثنا عن معيار الدقة والصدقية تبقى الأمور نسبية، لكن لا أرى أنها تجرد المنظمة من صدقيتها، ومن جهة أخرى فلا أرى جديداً في ما تقوله المنظمة قياساً بما تقوله المنظمات الحقوقية الوطنية".
وتسائل الحقوقي المغربي، "ما الذي قالته هيومن رايتس ووتش ولم تقله المنظمات الوطنية؟ لا شيء جديداً، فالمشكلة تكمن في أن صوت المنظمة مسموع دولياً، ومضمون تقاريرها موضوع مناقشة داخل أروقة مجلس حقوق الإنسان، وتشكل صوتاً مزعجاً ومشوشاً على الدول التي لها سجل حقوقي مليء بالانتهاكات، لأنها تفضحهم وتندد بالانتخابات التي تظفر بموجبها هذه الدول بمقاعد داخل مجلس حقوق الإنسان"، ولذلك يتوقع الخضري أن المغرب "سيستمر في التنديد بمضمون التقارير التي تعري واقعها الحقوقي المتردي بشهادة الجميع، وستبقى منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها مثل "أمنيستي إنترناشونال" (منظمة العفو الدولية) مثلاً، تصدر تقاريرها التي تسرد انتهاكات حقوق الإنسان وفق قراءتها ومنظورها طبعاً، بخاصة تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وواقع الحريات العامة في المغرب بوجه خاص".
جدل بخصوص خروقات في المحاكمات
وبخصوص الخروقات التي تخللت المحاكمات القضائية بحق بعض الصحافيين المنتقدين للسياسيات العامة للبلاد، والتي تضمنها تقرير "هيومن رايتس"، تقول مندوبية حقوق الإنسان إن "منظمة هيومن رايتس تتعسف بصورة مسبقة وممنهجة في ما يخص دور القضاة وسير أعمال المحاكمات من خلال الادعاء بشرعنة تلك الجهات، وادعاءات الإكراه والخداع المتعلقة بتوقيع المحاضر من دون تقديم معطيات مستقاة من ملاحظتها لسير المحاكمات أو من قراءة رصينة للأحكام والقرارات القضائية أو من ملاحظة مهنية صادرة عن جهات غيرها".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" أشارت في تقريرها إلى إجبار أفراد الشرطة بعض المتهمين على توقيع محاضر تدينهم، ويتم اعتمادها من قبل قضاة ولو في حال إنكارهم تلك الاعترافات.
حرية التعبير
وأشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه في 30 يوليو (تموز) 2021، أفادت وسائل إعلام عالمية بأن برنامج "بيغاسوس" الذي طورته "مجموعة إن إس أو" الإسرائيلية قد يكون استخدم لاختراق الهواتف الذكية للعديد من الأفراد في المغرب، معتبراً أن البرنامج التي تدعي "إن إس أو" أنه يباع حصرياً للحكومات، قد تم استخدامه لاستهداف حقوقيين وصحافيين مغاربة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح التقرير أنه "في حين لا ينص قانون الصحافة والنشر المغربي على عقوبة السجن، تمت مقاضاة الصحافيين والأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي بموجب القانون الجنائي لخطابهم النقدي اللاعنفي"، إضافة إلى وجود انتهاكات خلال محاكمات بعض الصحافيين.
من جانبها، أوضحت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أن تقرير المنظمة تطرق لمجال حرية التعبير "من زاويتين، الأولى تتعلق بما راج وسمي باختراق هواتف بعض الأشخاص والتجسس عليهم، والثانية تخص العودة لملفات بت القضاء في بعضها وأخرى ما تزال جارية أمامه. وتكرر منظمة "هيومن رايتس" بخصوص الموضوع الأول ومن دون إيلاء أي اعتبار لمنهجية كشف الحقائق التي تدعيها، ما يتعلق بموضوع قدمت فيه بلادنا ما يكفي من التوضيحات، كما اتجهت فيه إلى القضاء.
لقد صرح رئيس الحكومة في مرحلة أولى أن منظمة العفو الدولية مطالبة بتقديم الأدلة المادية والخبرة العلمية المدعاة، وفي مرحلة ثانية راسل الأمينة العامة بالنيابة طالباً منها الإدلاء بما يثبت صحة المزاعم والافتراءات الواردة في تقريرها حول الموضوع، ولم تقدم ما يدعم ما ادعته من افتراءات".
وتضيف الإدارة المكلفة بحقوق الإنسان أنه "في ما يتعلق بالملفات المعروضة على القضاء والتي تمس صحافيين في نطاق جرائم الحق العام، ترفض المندوبية الوزارية بصفة قطعية الرد على هذا الجانب، لأن الفصل في النزاعات والبت فيها يجري داخل المحاكم بين أطراف الخصومة، في نطاق ضمانات المحاكمة العادلة"، معبرة عن أسفها لاستمرار المنظمة باعتماد "منهجية ومقاربة بعيدة كل البعد عن هذه التقاليد والأعراف المستقرة في الأدبيات الحقوقية الدولية، وبالنتيجة ستظل ادعاءاتها في هذا الباب ورقة من أوراق المزايدة السياسية لا غير".
تقرير مسيّس
من جانبه، اتهم الناشط الحقوقي المغربي خالد الشرقاوي السموني منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالوقوع في "أخطاء جمع المعلومات ورصد الانتهاكات في غياب التحقيق الميداني والدقة اللازمة في إعداد التقارير وتعدد مصادر المعلومة"، واصفاً التقرير بالمسيس وبأنه خال من الصبغة الحقوقية المجردة والموضوعية، معتبراً أنه "إذا حدثت بعض الخروق في مجال من مجالات حقوق الإنسان بالمغرب، والتي تبقى في عموميتها معزولة، لا يمكن اعتبارها دليلاً على أن المغرب ينتهك الحقوق ويخرق الحريات بشكل ممنهج، لأن هناك إرادة سياسية للدولة في تعزيز حقوق الإنسان وتوسيع فضاء الحريات من خلال مجموعة من المؤسسات التي استحدثت في هذا الشأن، والتشريعات التي صدرت والتدابير التي اتخذت منذ التسعينيات"، مشيراً إلى أن تلك التوجهات تهدف إلى تكريس مبادئ حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن استقلال القضاء والنهوض بأوضاع المرأة، وذلك باعتراف أغلب المنظمات الحقوقية المغربية والمنظمات الدولية والإقليمية"، على حد تعبيره.