"وعد عرقوب في عامه الثامن"... كأنها كانت البارحة، كنت أعد العدة للقاء العمل الأول الذي جمعني في منتصف ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016، بأنطونيو غوتيريش، الذي وصل إلى نيويورك، لإجراء المراسم المعتادة لتسلمه مهام عمله كتاسع رجل يقود الأمم المتحدة بعد الأمين العام الثامن الكوري بان كي مون.
التقيت غوتيريش في أكثر من مناسبة منذ انتخابه في الجمعية العامة في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، خلال عملية الترشح، وجلسات الحوار التي جرت في الجمعية العامة في ضوء القرار الذي اعتمدته الجمعية في 2015 بخصوص المادة 94 من الميثاق، مضيفة مبادئ الشفافية والشمول والانفتاح لعملية اختيار الأمين العام، وفي ضوئها كان غوتيريش وبقية المرشحين للانتخابات في الدورة الـ71 أول مجموعة تقدم رؤيتها، وتدخل في حوار مفتوح، لتأكيد استحقاقها لقيادة المنظمة الدولية.
كما التقيت الرجل في أروقة الأمم المتحدة قبل تاريخ الانتخاب، فلم يكن غريباً على المبنى، فقد كان يرتاده دائماً طيلة السنوات الـ15 التي سبقت الأمانة العامة، حينما شغل منصب المفوض السامي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كان اللقاء بالنسبة إليّ مقدمة مهمة لسبر غور من ستضطرني ظروف عملي على التواصل الدائم معه، نظراً إلى الأزمة التي تمر بها بلادي ودور المنظمة الدولية فيها، ومحاولة للاقتراب من طريقة تفكير هذه الشخصية السياسية البرتغالية البارزة، التي كان لها بصمات واضحة في اليسار الأوروبي ومنظومة الحكم في البرتغال وقيادة الاشتراكية الدولية، قبل أن يجد في الأمم المتحدة ملاذه للعمل في قضايا الدبلوماسية الدولية.
توقعت وأنا أنتظر دخول غوتيريش صالة اللقاء، أن يكون لقاءً سريعاً مراسيمياً، لا يتعدى المجاملات ونقل الرسالة التي طلبت اللقاء من أجلها، والذي تكرم بقبول استقبالي، وهو في المرحلة الانتقالية، في مكتب ضيق خارج مبنى الأمم المتحدة المعروف قبيل ولوج مكتبه الفسيح في الطابق الـ39 من المبنى الأزرق، لأفاجأ بكرم الرجل الذي منحني قرابة الساعة للحديث عن أزمة اليمن وحربه الطاحنة التي طالت، ورؤيته للمخارج، ووعد بأن يسعى بكل ما أوتي من قوة لوقف الحرب، والتوصل إلى سلام مستدام. وما زال هذا "وعد عرقوب" ينتظر وغوتيريش يدخل ولايته الثانية فيما الحرب في بلادي تدخل عامها الثامن!
حدثني بكثير من الحب والاحترام عن شعب اليمن المعطاء، الذي وعلى الرغم من ظروفه الصعبة كان ولا يزال يمد يد العون الإنساني للاجئين من القرن الأفريقي. وتذكر بمزيد من العرفان والتقدير دولة عبد الكريم الإرياني "حكيم اليمن"، وتناولنا تلك المبادرة التي كان قد أطلقها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قبيل خروج الرئيس أوباما من البيت الأبيض، التي ماتت بعد أسابيع من ولادتها.
وتوالت اللقاءات بيننا في مناسبات عديدة، وليس هنا المجال للحديث عنها، وربما أفردت مساحة أخرى للتعمق في شخص أنطونيو غوتيريش، النموذج الأوروبي اللاتيني، الذي يأسرك بجمال حديثه، وثقافته الموسوعية، وإعجابه بخصوصية العلاقة بين ضفتي المتوسط، والثقافة العربية الحاضرة في الثقافة البرتغالية.
كنت أرى فيه نفحات من شخصية سانتياغو في رواية "الخيميائي" للكاتب البرازيلي العظيم باولو كويلو، مع غياب الدأب في أنطونيو، أو ربما أنها فعلاً هي الأمم المتحدة المترهلة، التي لا يمكن لغوتيريش أو غيره أن يغير فيها، فلم تعد مناسبة للغرض الذي أنشئت من أجله.
أتذكر الآن الحماسة التي شهدتها عملية انتخاب الأمين العام في أكتوبر 2016، فقد بلغ عدد المتنافسين 13 مرشحاً، منهم 7 من النساء، أبرزهن هلين كلارك، رئيسة وزراء سابقة في نيوزيلاند والمديرة التنفيذية السابقة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإيرينا بوكوفا، الدبلوماسية البلغارية السابقة والمديرة التنفيذية الأسبق لمنظمة اليونسكو، بينما بلغ عدد الرجال المرشحين ستة، أبرزهم أنطونيو غوتيريش، والبروفيسور دانيلو تورك رئيس سلوفينيا الأسبق، وايغور لوكشيك رئيس الوزراء الأسبق لمونتينيغرو.
وقد تميزت النقاشات بثراء الموضوعات، وسخاء الوعود بين رغبات الدول الأعضاء الكبيرة، والصغيرة، والغنية، والفقيرة. وكانت القناعات لدى الكثيرين تزكي ما قاله لاحقاً الأمين العام السابق، بان كي مون، في مراسم التنصيب، بأن "خبرة غوتيريش كرئيس لوزراء البرتغال، ومعرفته العميقة بالشؤون الدولية من خلال عمله في مفوضية شؤون اللاجئين وذكاءه اللامع ستمكنه من قيادة الأمم المتحدة في هذه اللحظات الحاسمة".
كانت حينها قناعات كثير من المندوبين الدائمين في نيويورك تركز على ثقافة الرجل، وحسه الإنساني العميق، وأنه أفضل مرشح للمنصب حتى مع وجود النيوزيلاندية هيلين كلارك، القيادية الكاريزمية، التي قادت البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
رئيس وزراء البرتغال حينها، وصديق غوتيريش الذي حضر أيضاً مراسم التنصيب في الولاية الثانية، مارسيلو ريبلوا دي سوزا قال عنه "إنه الأفضل منا جميعاً"، وهو يقصد من بين البرتغاليين، لاحتلال هذا الموقع الهام جداً.
لكن، الصحافة البرتغالية أضافت إلى بيانات الإطراء والإشادة بالرجل قبساً من تاريخه السياسي، حينما هزم الحزب الاشتراكي هزيمة كبيرة تحت قيادته في انتخابات 2001، وعاب عليه رفاقه حينها "تخليه عن السفينة الغارقة"، في إشارة إلى أنه تسبب في إخراج اليسار من السلطة، ووصول حكومة اليميني باروسو إلى سدة الحكم، حينما قال "إنني أتقدم بالاستقالة، حتى لا تقع البلاد في مستنقع سياسي". تلك التفاصيل لم ترها الدول الأعضاء في خريف عام 2016، حين فاضلت بين المرشحين.
واليوم، بعد انتهاء الولاية الأولى وتزكية بقاء غوتيريش لولاية ثانية، ظهرت بعض الأصوات التي أشارت إلى غياب تلك الوعود التي قطعها الرجل على نفسه أمام الآخرين، وأن أداءه كان متواضعاً، حتى إن بعض المشاركين في الحوار التفاعلي سألوا الأمين العام هل ينوي تغيير أسلوب عمله خلال الولاية الثانية؟ فكان رده بأنه سيواصل العمل الذي بدأه في الولاية الأولى.
إلا أنه في خطاب التنصيب، قال إنه تعلم من الولاية الأولى الحاجة إلى بناء الثقة، وإنه يقر بحاجته إلى التركيز على بناء الثقة بين الحكومات وبين الشعوب والمؤسسات، وبناء الثقة داخل الأمم المتحدة. وهو إقرار بأن الأمور ليست على ما يرام في مجتمع الأمم النيويوركي! فالثقة مفقودة بفعل غياب القائد الفاعل، الذي سماه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بـ"الوسيط الدولي".
بداية جديدة في سياق قديم
وفي واقع الحال، فإن غوتيريش الذي بدأ ولايته الأولى تحت عنوان منع (prevention) الوقوع بين فكي كماشة الانقسامات الدولية وحالات الاستقطاب في المشهد السياسي الدولي، انتهى به الحال على رأس منظمة تعمل في ظروف دولية أسوأ من تلك التي باشر ولايته الأولى فيها.
كما أن مجلس الأمن لم يعد قادراً على أداء وظائفه، نظراً إلى الشرخ الكبير بين مكوناته، تحديداً الدول الخمس الدائمة العضوية، وغياب قدرة الأمين العام على القيام بمبادرات داخل المجلس والجمعية العامة لرأب الصدع والانفتاح على التيارات التي تؤجج الانقسام، وتحول دون التوافق في المنظمة الدولية.
وكانت عملية الترشيح والتصويت للولاية الثانية سهلة. وعلى الرغم من وجود مرشحين ستة فإنهم لم يحظوا بتوصية من بلدانهم، وأبرزهم الرئيسة السابقة للإكوادور السيدة روساليا أرتياغا، والناشطة الحقوقية الكندية والمفتشة في الأمم المتحدة أورورا أكانكشا، التي قالت عقب فوز غوتيريش "إن العالم يحتاج ويستحق أمماً متحدة جديدة، ولا تتوقعوا من نفس القيادات القديمة أن تقوم بالتغيير".
في خطاب التنصيب دعا غوتيريش، الدول الأعضاء، "لفعل كل ما بوسعهم للتغلب على الانقسامات الجيو استراتيجية الحالية وعلاقات القوة المختلة"، مضيفاً "هناك الكثير من التناقضات غير المتكافئة والمفارقات في العلاقات الدولية التي حث على معالجتها فوراً لتفعيل العمل التعددي الدولي".
خلال الأسبوع الماضي، استعرض غوتيريش أولويات الأمم المتحدة لعام 2022، وهو أول خطاب له في ولايته الثانية على رأس المنظمة الدولية. وأكدت رؤية الأمين العام توصيفه للوضع الدولي بأن "اليقين الوحيد هو مزيد من عدم اليقين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للتعبئة الكاملة للاتحاد، لمواجهة ما سماه نيراناً عالمية على جبهات خمس، وقد كانت التقييمات الإعلامية لخطاب الرؤية متداخلة حول ما يمكن تحقيقه، وما هو مجرد عرض فضفاض لرغبات لن تتحقق، وهي سمة معروفة في كل طروحات الأمم المتحدة، فقد شغلت الأمم المتحدة العالم خلال العقدين الماضيين بأهداف الإنمائية الألفية، وخصصت لها المليارات، ولم تحقق منها الشيء القليل.
وفي عام 2015، أطلقت الجمعية العامة أهداف التنمية المستدامة الـ17، للعمل على تحقيقها حتى العام 2030، وهي متعثرة على الرغم الميزانيات الكبيرة التي تخصص سنوياً للأمم المتحدة، التي تذهب جلها في نفقات تشغيلية في نيويورك ومكاتبها في جنيف ولاهاي ونيروبي وفيينا ولجانها الاقتصادية الإقليمية المنتشرة في أديس أبابا وبانكوك وبيروت وجنيف وسنتياغوا دي تشيلي وبعثاتها المئة المنتشرة حول العالم.
وشكلت مواجهة جائحة كورونا أولى الأولويات في رؤية غوتيريش لعام 2022، حيث حث البلدان والشركات المصنعة لدعم مبادرة "كوفاكس" لمواجهة عدم المساواة في توزيع اللقاح، مع تأكيده عدم استخدام الفيروس لتقويض حقوق الإنسان وتقليص الحريات. وفي هذا المحور أوصلت الأمم المتحدة، بقيادة غوتيريش، عبر مبادرة كوفاكس، التي على الرغم من جوانب قصورها، اللقاحات إلى الدول الفقيرة، في عالم يضعف فيه الإحساس بالتضامن الإنساني.
وفي المحور الثاني يركز غوتيريش على إصلاح الخلل في النظام المالي العالمي، مؤكداً أن "النظام المالي العالمي مفلس أخلاقياً، لأنه يحابي الأغنياء ويعاقب الفقراء"، "وأصبح الاختلاف بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية نظامياً، وهو وصفة لعدم الاستقرار والأزمات والهجرة القسرية".
لكن، الأمم المتحدة ليس بمقدورها إصلاح المنظومة المالية الدولية التي تتحكم فيها منظومة "بريتون وودز" المالية الدولية المتمثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وليس للأمم المتحدة أي نفوذ قيادي عليهما، على الرغم من أن ميثاقها يشير إلى أنهما جزء لا يتجزأ من الأمم المتحدة.
مواصلة الالتزام بمواجهة أزمة التغير المناخ، ودعم التحول الأخضر، وهو أحد المحاور التي لعبت الأمم المتحدة فيها أدواراً مشهودة، تعود إلى زمن الأمين العام السابق. المحور الرابع تمثل في رغبة الأمم المتحدة في معالجة غياب القانون في الفضاء السيبراني، حيث دعا غوتيريش إلى إنشاء ميثاق رقمي عالمي، يجمع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ووضع مدونة سلوك عالمية لمواجهة المعلومات المضللة والحرب على العلم.
ولم تنجح الأمم المتحدة في مساعيها خلال السنوات الخمس الماضية في هذا الجهد، ومجرد التقدم في هذا المسار يحتاج إلى توافق قوي بين الدول الكبرى المطورة للتكنولوجيا والمؤثرة في الفضاء السيبراني.
أما المحور الخامس ضمن أولويات غوتيريش، فقد تمثل في مواجهة تراجع السلام والأمن في العالم، والاعتداء على حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتصاعد الشعبوية والعنصرية والتطرف وتصاعد الأزمات الإنسانية. وهذا المحور على الرغم من أنه من صميم الوظيفة التي قامت من أجلها الأمم المتحدة، شهد تراجعاً مخيفاً خلال السنوات الماضية، وفشلاً ذريعاً من مجلس الأمن والأمين العام لصون الأمن والسلم الدوليين.
الأمين العام خلال خطاب الأولويات أكد الحاجة إلى مجلس أمن موحد للأمم المتحدة، لمواجهة التحديات وإدارة الانقسامات الجيوسياسية، والحاجة إلى أمم متحدة قوية وفعالة. وأقر بإخفاقات الحوكمة العالمية، وفشل الأطر المتعددة الأطراف، التي لم تعد اليوم ببساطة مناسبة للغرض الذي جرى إنشاؤها من أجله. وهو هنا يقصد أن المنظمة الدولية التي يقودها لم تعد ذات جدوى، لكن اللغة التي فضل اعتمادها كانت شمولية الاتهام والضبابية في تحديد بواطن الخلل.
وهذه سمة في الخطاب المنمق بالدبلوماسية، الذي تميزت به سنوات غوتيريش في نيويورك، فهو لم يكن في يوم من الأيام رجل المواجهة، فهو كما يصفه الدبلوماسيون في نيويورك بأنه رجل ذكي للغاية، لكنه سياسي حذر بالفطرة، ويغالي كثيراً في حذره، بحيث يفقد زمام المبادرة. فحينما واجه تحدي العلاقة المتوترة مع إدارة الرئيس ترمب فضل عدم إثارة اللغط حيال تعطيله أداء المنظمة الدولية، باعتبار أن أميركا هي المساهم الأكبر في ميزانية الأمم المتحدة. كما أن شعار "أميركا أولاً" كان متناقضاً مع توحيد جهود الدبلوماسية المتعددة في الأمم المتحدة والمحافل الدولية. وبلغت استكانة الرجل مداها حينما انتظر مرور أشهر منذ وصوله إلى نيويورك ينتظر اللقاء الأول مع ممثلي الإدارة السابقة.
كما عمل غوتيريش على استيعاب التأثير المتزايد للصين في منظومة الأمم المتحدة، ويقول الإعلاميون في أروقة الأمم المتحدة، إن الرجل لم يطلق أي تصريحات ضد السياسات القمعية للصين ضد أقلية الإيغور المسلمة، ولم ينتقد سياسات روسيا في مجالات حقوق الإنسان، وقمع المعارضين السياسيين، ولا سياساتها تجاه الدول المجاورة. فعلى الرغم من خلفيته السياسية فإنه أشار في أكثر من مناسبة إلى عدم جدوى التناول العلني لقضايا حقوق الإنسان، لأن ذلك لا يؤتي ثماراً، لكن واقع الحال يشير إلى أن غوتيريش كان يفكر دائماً في كسب هذه الدول حينما يأتي استحقاق الولاية الثانية. وهذا الذي صار.
ومن جانب آخر فضل السكوت تجاه سياسات ترمب، واكتفى بالقول في إحدى المناسبات وعلى استحياء، إنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة من عديد من القضايا التي تواجه المجتمع الدولي فسيتم استبدالها".
ريتشارد غوان، مدير مكتب مجموعة الأزمات الدولية في نيويورك، أنهى تقييمه لولاية غوتيريش الأولى بنقل ما يدور في الأروقة الدبلوماسية في الأمم المتحدة إلى أن مصير غوتيريش قد يكون مرتبطاً باحتمالية عودة ترمب إلى البيت الأبيض في عام 2025، الذي سيعاود الوقوف بحزم أكبر ضد الدبلوماسية المتعددة في الأمم المتحدة.
وعود جوفاء في جوف منظمة مترهلة
ويبدو أن قدر غوتيريش مرتبط بتلك اللحظة في لشبونة في عام 2001 خلال خطاب الاستقالة و"التخلي عن السفينة الغارقة"، وترك الأمور قبل أن تقع في "مستنقع سياسي"، فهو يقف على رأس منظمة مترهلة على الرغم من مشاريع الإصلاحات اللا متناهية، فقد استحالت مثل الوجه العجوز التي لم تعد تصلح معه المساحيق، ولا عمليات التجميل، وجاءت كل جهود الإصلاح المتتالية لتُراكَم بيروقراطياً فوق أخرى وهياكل فوق هياكل، فالأمم المتحدة ارتفعت نفقاتها أكثر من 50 مرة منذ عام 1950 مع المئات من الوكالات والهيئات والصناديق والسكرتارية، وأكثر من 40 ألف موظف، بميزانية سنوية تفوق 5.4 مليار، عوضاً عن ميزانية حفظ السلام التي تتجاوز 9 مليارات دولار، والمساهمات الطوعية في الجانب الإنساني، ولصالح الصناديق والجوانب الأخرى.
وتقول جميع تقارير المراجعة، إن الأمم المتحدة فشلت في مد يد العون لأولئك الذين تدّعي مساعدتهم، فيما فشلت جهودها التنموية التي وصفت بغير الكفؤة وغير الفعالة، وتتصارع 17 وكالة متخصصة على الصلاحيات والتفويض، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من 30 جهازاً بين وكالة وبرنامج وصندوق لديهم التفويض للعمل في مجال الإدارة البيئية المربح.
وفي بلادي اليمن، توجد العشرات من وكالات الأمم المتحدة العاملة تحت سقف الممثل المقيم للأمم المتحدة، ومكتب المبعوث الخاص للسيد الأمين العام حول اليمن في عمان، وبعثة تنفيذ اتفاق الحديدة، ومع هذا يصر الأمين العام على القول إن الأمم المتحدة تؤدي دورها كوحدة واحدة.
يبدو أن غوتيريش في بداية ولايته الثانية تناسى وعوداً كثيرة قطعها على نفسه، منها أنه سيعمل كل ما بوسعه لإنهاء الحرب في اليمن، والتوصل إلى حل مستدام. ومع الأسف فضل الأمين العام خلال السنوات الماضية مهاجمة التحالف بشدة، وتناسى تقارير مبعوثيه وإفاداتهم في مجلس الأمن كالسيد ولد شيخ أحمد، ومارتن غريفثس، التي دانت الانقلابيين الحوثيين، وحملتهم سبب فشل كل جهود الأمم المتحدة.
كما أنه أهمل كل التقارير الصادرة عن مجلس الأمن منذ عام 2015 حول تزويد إيران أتباعها الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة وكل أدوات الموت لمواصلة الاعتداء على الشعب اليمني والأعيان المدنية في السعودية والإمارات، وعلى الممرات الملاحية الدولية جنوب البحر الأحمر، ولم ينتقد مطلقاً السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وعدوانها السافر من خلال أذرعها الإرهابية في اليمن ولبنان والعراق.