حذر خبراء من أن ملايين الناس باتوا يواجهون العوز والحرمان هذه السنة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، ما يعني أن مدفوعات الإعانة قد لا تكون كافية في تغطية الاحتياجات الأساسية.
وقد ذكر "صندوق جوزيف رونتري" الخيري، أن مستويات إعانات البطالة قد تنخفض قريباً إلى ما دون المستوى المطلوب لتجنب العوز والحرمان، ما يعني أن المستفيدين لن يكون لديهم المال الكافي لتغطية تكاليف الاحتياجات الضرورية كالتدفئة والملبس والتغذية الملائمة.
وأفادت مؤسسة "تروسل تراست"، وهي مزودة لأحد بنوك الطعام، عن ارتفاع مستويات الطلب على المواد الغذائية الطارئة هذا الشتاء، محذرةً من أنه "لا مفر" من وقوع مزيد من الناس في حالة عوز، إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة.
ويتوقع "معهد بحوث السياسات العامة"، وهو مركز فكري بارز، أن يعجز ملايين الناس عن توفير الاحتياجات الأساسية، و"يواجهوا خيارات مستحيلة بين التدفئة والغذاء"، إذا لم يرفع الوزراء مستوى المدفوعات المخصصة للأسر المعيشية ذات الدخل الأدنى.
وبعد سنوات من الاقتطاعات الفعلية، أصبحت البدلات المخصصة للباحثين عن العمل والمستوى الأساسي للائتمان الشامل، لا تتجاوز الآن 74.60 جنيه استرليني في الأسبوع لشخص يزيد عمره على 25 عاماً. وحينما يؤخذ التضخم في الاعتبار، يشكل المبلغ المدفوع أدنى مستوى له منذ ثلاثة عقود.
وأشارت الأبحاث التي أجراها "صندوق جوزيف رونتري" و"جامعة هيريوت وات" في 2018 إلى أن الشخص الذي يعيش بمفرده يحتاج إلى 70 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع لتغطية الاحتياجات الأساسية فائقة الضرورة.
وفي ظل ارتفاع التضخم حالياً بمعدل سنوي يبلغ 5.4 في المئة مع توقعات بأن يصل إلى 7 في المئة هذه السنة، فمن المؤكد أن الحد الأدنى للدخل اللازم لتجنب العوز والحرمان سيرتفع، والزيادات في المعونات لا تواكب ذلك الارتفاع.
وفي ذلك الصدد، ذكر نائب مدير البيانات والتأثيرات في "صندوق جوزيف رونتري"، بيتر ماتجتش، أنه "إذا ارتفع مستوى الدخل اللازم لتجنب العوز إلى أعلى من المعدل الأساسي لإعانات البطالة للشخص البالغ، يمكننا أن نتوقع رؤية ارتفاع كبير في مستوى العوز والحرمان، وذلك أمر مقلق بشدة".
وكذلك ذكر "صندوق جوزيف رونتري" أنه يمكن الوصول إلى هذا المستوى من الحرمان قريباً، في ظل وجود توقعات بارتفاع فواتير الطاقة بـ50 في المئة خلال أبريل (نيسان)، ثم مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول).
وأضاف السيد ماتجتش، "يجب أن يتحقق ذلك جنباً إلى جنب مع اتخاذ إجراءات لتعزيز منظومة الإعانات التي لم تكن كافية على الإطلاق حتى قبل أن تبدأ تكاليف المعيشة في الارتفاع".
ومن المتوقع أن يتضرر دخل الأسر الأكثر عوزاً في المملكة المتحدة تضرراً شديداً جرّاء انخفاض قيمة مدفوعات المعونات هذه السنة. ومن المقرر أن ترتفع معدلات الضمان الاجتماعي في أبريل الحالي بـ3.1 في المئة، أي أقل بكثير عن الزيادة في تكاليف المعيشة التي تواجهها الأسر ذات الدخل المنخفض.
وفي سياق متصل، أوضحت المديرة التنفيذية في "مجموعة العمل لمكافحة فقر الأطفال"، أليسون غارنهام، "إن ذلك ينذر بكارثة ستحل بالأسر التي تعاني، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات، لن يكون لدى مزيد من الأسر ما يكفي من المال لتغطية الاحتياجات الأساسية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مروعة بالنسبة للأطفال الذين يعيشون داخل تلك الأسر. ومن أجل مواجهة ارتفاع التكاليف، تحتاج الأسر إلى المساعدة. ويجب أن تكون الأولوية هي زيادة الضمان الاجتماعي بـ6 في المئة في أبريل".
وأوضح غاري ليمون، مدير السياسات والبحوث في مؤسسة "تروسل تراست" الخيرية، أن تأثير الارتفاع الكبير في فواتير الوقود على الأسر ذات الدخل المنخفض، سيأتي بشكل "يبعث على الخوف".
وأضاف، "في كثير من الأحيان، يكون الأشخاص المُحالين إلى بنوك الغذاء قد شهدوا حوادث صعبةً في حياتهم كفقدان وظيفة أو تفكك أسري، ولكن المحرك الأول هو عدم كفاية منظومة المعونات التي شهدت عقداً من التخفيضات والتجميد وفرض الحدود القصوى عليها. وها هي تفشل الآن في انتشال الناس من العوز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتذكيراً، ففي أكتوبر 2022، ألغت الحكومة مساعدات بقيمة 20 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع للائتمان الشامل الذي يعتبر شريان الحياة لعدد من الأسر.
وأشار السيد ليمون إلى أن مديري بنوك الطعام يعاينون تأثير هذه السياسة "في الوقت الحالي".
وأضاف، "تشعر هذه العائلات بضغوط ساحقة تأتي من اتجاهات متعددة، إذ جرى إسقاط الزيادة في قيمة الائتمان الشامل، ولم تشهد المعونات أي زيادة سريعة تتناسب مع سرعة ارتفاع معدل التضخم. وفي المقابل، تتزايد باستمرار تكلفة الاحتياجات الأساسية جداً كالتدفئة والغذاء. وسيعاني الناس المحاصرون وسط هذه الأزمة، أكثر من غيرهم".
وحتى قبل ظهور الجائحة، لم يكن لدى أكثر من مليون شخص دخل كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية، مع ارتفاع عديد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع ارتفاعاً حاداً بين عامي 2017 و2019 وفقاً لبحوث أجرتها "صندوق جوزيف رونتري".
ومن المرجح أن يزداد هذا الرقم ما لم تتخذ الحكومة إجراءات بحسب هنري باركس، كبير خبراء الاقتصاد في "معهد بحوث السياسات العامة".
ووفق السيد باركس، "في أبريل، ستتأثر ملايين الأسر ذات الدخل المنخفض تأثراً شديداً يتأتى بشكل خاص من ارتفاع فواتير الطاقة، إذ تنفق الأسر الأكثر فقراً أكثر من 10 بنسات من كل جنيه لديها، على تدفئة منزلها. وفي الوقت نفسه، سيشهد المستفيدون من الائتمان الشامل زيادة في المعونات بما لا يقل عن جنيهين استرلينين في الأسبوع، ما يساوي جزءاً بسيطاً بالمقارنة مع التكاليف المتزايدة التي يواجهونها".
ولاحظ باركس أنه "في ظل غياب أي إجراءات، نتوقع أن نرى ملايين الناس يواجهون العوز، بمعنى أنهم مجبرون على التخلي عن الاحتياجات اليومية الأساسية ومواجهة خيارات مستحيلة بين التدفئة والغذاء".
وفي سياق متصل، أشار جوناثان آشوورث، وزير العمل ومعاشات التقاعد في حكومة الظل العمالية، إلى أن الزيادة في عدد الأطفال الذين ينشأون في فقر وعوز في ظل حكم حزب المحافظين، تمثل "وسام عار" على الوزراء.
وبحسب رأيه، "فإن الأسر التي تكافح من المقرر أن تتعرض لضربة أشد بسبب أزمة المعيشة التي تسبب بها حزب المحافظين، وارتفاع فواتير التدفئة، وارتفاع تكلفة التبضع الأسبوعي، والانخفاض في الائتمان الشامل".
ويدعو حزب العمال إلى تمديد فترة برنامج التخفيض المتصل بتدفئة المنازل، وإلغاء ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة مؤقتاً.
واستطراداً، يتعرض ريشي سوناك لضغوط متزايدة للإعلان عن تدابير للمساعدة في تخفيف وطأة أزمة تكلفة المعيشة. وقد دعا برلمانيون عاديون من حزب المحافظين [لا يشغلون مناصب حكومية ولا يشاركون في المناقشات البرلمانية المباشرة]، إلى رفع المستوى المخطط له في التأمين الوطني، فيما طالب موردو الطاقة ومؤيدو القضاء على الفقر، الحكومة بالتدخل لخفض فواتير الغاز والكهرباء.
وأخيراً، جرى التواصل مع وزارة العمل والمعاشات للحصول على تعليق منهم عن المعطيات الواردة آنفاً.
© The Independent