تبرز بين الفينة والأخرى أخبار غريبة لدرجة تجعلك تتردد في الكتابة عنها خوفاً من أن تكون خدعة. تقرأ الخبر وتقول لنفسك، لا يمكن أن يكون هذا الخبر حقيقياً. كم أتمنى لو كان هذا الوضع ينطبق على خبر إقدام مجلس تعليمي في ولاية تينيسي الأميركية على حذف رواية آرت شبيغلمان المصورة، "ماوس: قصة نجاة" من منهجه الدراسي بسبب "اللغة المرفوضة" والعري.
سأكون في غاية السعادة إن اكتشفت أنني خدعت. ولكن كل التفاصيل موجودة في بيان اجتماع مجلس التعليم التابع لمقاطعة ماك مين، والذي عقد في وقت سابق من الشهر الحالي، وقراءته تبعث على الإحباط.
صوت أعضاء المجلس العشرة لصالح حذف إزالة القصة المصورة الحائزة على جائزة بوليتزر-التي تستخدم رسوم القطط والفئران لتصوير أحداث محرقة اليهود أو الهولوكوست- من المنهج الدراسي للصف الثامن، مشيرين إلى محتواها "الفظ وغير المناسب".
وقال أحد أعضاء المجلس "لسنا بحاجة لتعزيز هذا المحتوى أو الترويج له نوعاً ما (...) هو يصور أشخاصاً يتدلون من حبل المشنقة ويصورنهم وهم يقتلون الأطفال، لماذا ينشر النظام التعليمي هذا النوع من الأمور؟ هذا التصرف ليس حكيماً ولا صحياً".
وأضاف آخر "نحن نتكلم عن تلقين أطفالنا مبادئ الأخلاق، والكتاب يبدأ بحديث بين الأب والابن عن الوقت الذي فقد فيه الأب عذريته. لم يكتب ذلك بصريح العبارة ولكنه موجود (...) لسنا بحاجة لهذا المحتوى من أجل تعليم الأطفال التاريخ. يمكننا تعليمهم التاريخ كما يمكننا تعليمهم التاريخ المصور. يمكننا اطلاعهم على الأحداث التاريخية بالتفصيل، ولكننا لا نحتاج إلى كل هذا العري وما شابه".
ليس من الضروري أن يشرح المرء طبعاً، أن تصوير فظاعة الهولوكوست غير ممكن عبر تعقيمه. وهذا هو لب الموضوع. إن أزلتم التفاصيل المصورة، فأنتم لا تعلمون "التاريخ المصور"، إن استعرنا تعبير عضو المجلس، بل تحرفون التاريخ وهذا عمل خطير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس من المفترض أن يكون التعلم عن الهولوكوست تجربة مريحة. ويعود نجاح "ماوس" الكبير إلى أن الكتاب سهل الفهم من دون أن ينكر الحقيقة. من خلال تصويره الشخصيات الرئيسة على شكل فئران، يشجع شبيغلمان الأطفال على التعاطف مع الآخرين، ويعطي نفسه في الوقت ذاته الفرصة لقص هذه الرواية المأساوية والمرعبة بأشجع الطرق. وكل هذا يجعل من الاعتراض على العري أمراً منافياً للمنطق كلياً. يا ليتني لم أكن مضطراً لشرح هذه النقطة، ولكننا نتكلم عن الفئران؛ ولهذا لا يتوقع المرء أن تثار نقطة العري في هذا الإطار.
ليس التاريخ مجرد سلسلة من الوقائع؛ فمن أجل فهم التاريخ، نحتاج للقصص والمشاعر. لا يمكن للمرء أن يستوعب الشر الكامن في الهولوكوست عن طريق تعلمه أن ستة ملايين يهودي قتلوا فقط، ولكن عن طريق التفكير في حياة أولئك الأشخاص وتفاصيلهم المعقدة. أفضل سبيل لنقل حجم الفظاعة هو التفاصيل وهذا يعني إفساح المجال أمام الضحايا لكي يقصوا حكاياتهم.
وهذا ما يجعل من اعتراضات هذا العضو في المجلس هذا سخيفة للغاية. فهو يقول: "جزء كبير من الشتائم قالها الابن عندما كان يشتم أباه، ولهذا لا أعرف فعلياً كيف يمكن أن يعلم هذا المحتوى أطفالنا أي نوع من المبادئ الأخلاقية. بل على العكس، بدل التعامل مع أبيه باحترام، عامله كما لو كان هو الضحية".
تشير كلمة الشتيمة في هذه الحال إلى "تباً" وليس أكثر؛ وسوف أخاطر بالقول، إن هذه الكلمة بالكاد تعتبر مشينة بالنسبة لقراء هذا العصر. ومن المهم جداً أن نفهم أن ضحايا الهولوكوست كانوا بشراً مكتملين ولديهم عيوب وليسوا أرقاماً فحسب. إن التركيز على آداب التصرف والتهذيب بدل الحقيقة البسيطة والمرعبة في أن "ماوس" قصة عائلة تعيش تجربة لن يخوضها معظمنا لحسن الحظ، يتعمد إغفال قصد القصة الأساسي إلى درجة غير معقولة.
لا يتعلق الموضوع بماوس فقط طبعاً. بل يرتبط بفرض رقابة على المعلومات وهو ما لا يمكن السماح به أبداً. لأن ما يبدأ بالرقابة المغلفة بغطاء الأدب والاحتشام قد يتحول إلى أمر مختلف كلياً، حيث يملك بضعة أشخاص- في هذه الحال، مجلس تعليمي- السلطة لاتخاذ قرار حول المقبول وغير المقبول. لا يجب أن تحد نزوات الآخرين وحساسياتهم المواضيع التي يمكننا أن نتعلمها.
ربما من الأفضل أن نختم باقتباس كلام آرت شبيغلمان نفسه الذي رد على طلب موقع "ذا دايلي بيست" للتعليق على الموضوع بإرساله صورة مرشم كتب صممه بنفسه وكتب عليه "احشر أنفك داخل الكتب، وامنع الآخرين من حشر أنوفهم في العناوين التي تختار مطالعتها!"
© The Independent