فيما تعيش الهند في خضم موجة متحورة "“أوميكرون”" العاتية، يرى الأطباء العاملون في أكبر مستشفيات دلهي أن السياسات الجديدة لتقييد إجراء اختبارات كورونا تُرغمهم على العمل في نوبات شاقة على الرغم من إصابتهم بالوباء.
وصحيح أن نظام الرعاية الصحية لم يعمل بأقصى طاقته وفوق طاقته كما خلال الموجة الثانية العام الماضي، لكن أرقام الإصابات بفيروس كورونا في الهند بلغت ذروتها الصيف المنصرم، وسجلت 286 ألف حالة يوم الخميس وحده.
وحتى بعد انخفاض هذه الأرقام بشكل طفيف عن أعلى مستوى لها منذ ثمانية أشهر عند أكثر من 300 ألف حالة الأسبوع الفائت، لا يزال الخبراء قلقون من عدم كفاية الاختبارات - فمعدل الحالات الموجبة الوطني لا يزال عند حوالي 20 في المئة، بما معناه أن شخصاً واحداً من أصل كل خمسة أشخاص يخضعون لاختبار كورونا مصاب به.
وعلى الرغم من ذلك، خففت دلهي اليوم بعضاً من قيودها ورفعت حظر التجول الذي كانت تفرضه في عطلات نهاية الأسبوع. ومن المزمع أن تسمح للأسواق بإعادة فتح أبوابها بالكامل ولدور السينما بعرض أفلامها بسعة 50 في المئة.
يظهر أن زعماء البلاد السياسيين، بمن فيهم رئيس وزراء دلهي، أرفيند كيجريوال، يستخفون بخطورة متحورة "أوميكرون" ويغفلون عنها بعكس أطباء أكبر مستشفيات المدينة الذين كشفوا لصحيفة "اندبندنت" أن حالات الإصابة الشديدة بـ"كوفيد" قد ازدادت بشكل ملحوظ منذ بداية العام الحالي، وأن أعداد المرضى الضعفاء الذين هم بحاجة إلى الأوكسجين ما زالت كبيرة.
تزامناً، أثبتت الاختبارات إصابة عدد لا يُستهان به من العاملين في مجال الرعاية الصحية، وثمة مخاوف هائلة من أن يؤول هذا الوضع إلى نقصٍ في الموظفين القادرين على مواجهة عبء العمل المتزايد. ففي الأسابيع الأولى من شهر يناير (كانون الثاني)، قيل إن عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية المصابين بــ"كوفيد" قد تجاوز 750 عاملاً في دلهي، لكن الحكومة لم تُصدر أي بيانات تؤكد أو تنفي صحة هذه الأقوال.
ووفق ما ذكره بعض الأطباء العاملين في مستشفيات دلهي الرئيسة لـ"اندبندنت"، فإن العشرات من زملائهم لا يزالون مرضى، لكنهم يواصلون العمل، والسبب: الضغوط التي تُلقي بثقلها على المستشفيات والتعليمات بعدم إجراء الاختبارات التشخيصية التي تكشف عن عدوى كورونا.
فمستويات الاختبار أخذت في الهبوط مذ أصدر "المجلس الهندي للبحوث الطبية" إرشادات جديدة يطلب بموجبها من الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض العدوى عدم الخضوع لاختبارات، ما لم يكونوا طبعاً من "ذوي المخاطر العالية" الذين قد يحتاجون دخول مستشفى.
والإرشادات كذلك تُلغي الاختبارات التي يخضع لها عادةً "المرضى غير المصابين بأعراض قبيل إجراء عمليات جراحية/ غير جراحية، على غرار الحوامل اللواتي يدخلن المستشفى للولادة وهن في مرحلة المخاض أو على مشارفها"، مع التشديد على تفادي الاختبارات "إلا في حال وجود أعراض أو مبررات".
وتعليقاً على ذلك، أفاد أحد أطباء "مستشفى سافدارجونغ"، أحد أكبر المرافق العامة في دلهي، أن أعداد الداخلين إلى المستشفى لتلقي العلاج ازدادت أضعافاً في غضون الأسبوعين الأولين من شهر يناير (كانون الثاني). وفي بعض الأيام، وصلت نسبة الأطباء الخاضعين للعزل إلى 30 وحتى 40 في المئة.
وأضاف الدكتور ناريش، أحد أطباء جناح "كوفيد" في المستشفى، أن "السرعة التي يُصيب بها “أوميكرون” المرضى أكبر بكثير من أي متحور آخر"، مشيراً إلى أنه عندما انضم إلى وحدة العناية المركزة في 10 يناير، لم يكن لديه سوى أربعة مرضى. لكن "في غضون ثلاثة أيام، امتلأت وحدة العناية المركزة بالكامل". وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، جاءت نتيجة اختباره إيجابية.
"ليس صحيحاً أن المتحور الجديد أكثر اعتدالاً من سابقيه. فالأشخاص المصابون أصلاً بأمراض لا يزالون يدخلون المستشفيات ولا يزالون يحتاجون إلى الأوكسجين [للبقاء على قيد الحياة]"، على حد تعبير الدكتور ناريش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب رواية عديد من الأطباء لـ"اندبندنت"، فقد اضطرت المستشفيات التي يعملون لديها تقليص إجراءاتها الاختيارية مع تحول الموارد إلى الأجنحة والغرف المتخصصة بـ"كوفيد".
وفي حين أكد بعض الخبراء أن الهدف من وراء هذه الخطوة تخفيف "الذعر" بشأن حالات كورونا المتزايدة، وتقليل الضغط على المرافق الطبية والاختبارية، وتعاطفوا مع الخيارات الصعبة التي تعين على الحكومة اتخاذها، اعتبر الأطباء العاملون في أجنحة "كوفيد" أن الإرشادات الجديدة "مثيرة للجدل"، متوجسين خيفةً من أن يكون خفض عدد الاختبارات اليومية مرادفاً لاستهانة المسؤولين بخطورة موجة كورونا الراهنة ومعدلات الاستشفاء الناجمة عنها.
"ثمة نقص في الإبلاغ عن الأرقام الحالية بما أن أكثرية المرضى يتعافون في منازلهم. وقد يكون هذا أمراً جيداً، لكنه يعني كذلك أنه، من أجل تفادي وقوع مزيد من الإصابات، سيكون على كل شخص أن يعزل نفسه بمجرد ظهور الأعراض عليه، وسيكون من الضروري تشجيع الناس على الاختبارات وليس العكس"، على حد قول أحد كبار الأطباء في أحد المستشفيات الحكومية في دلهي لـ"اندبندنت"، طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً من أي عواقب يُمكن أن تلحقه.
وقد تردد هذا الرأي على لسان عديد من الأطباء المهمين في أنحاء المدينة، حيث قالوا إن تخفيف القواعد الخاصة بالاختبارات اليومية هو السبب في زيادة الضغط على العاملين الصحيين الذين يجدون أنفسهم مرغمين على مواصلة العمل على الرغم من خطر العدوى الشديد المُحدق بهم.
"لقد حذرنا سابقاً من وضعٍ مماثل"، أوضح الدكتور أنوج كومار، طبيب الطوارئ في "مستشفى سافدارجونغ". ومع ذلك، "مئات الأطباء اليوم مصابون في كل مستشفى. أنا أعمل في قسم الطوارئ والكل في هذا القسم معرض للعدوى من دون وقاية". وبرأيي، الاختبارات وإجراءات العزل الصحي أساسية، لا بل حيوية، لحماية المرضى والعاملين الصحيين على السواء.
وانطلاقاً من واقع الحال هذه، ارتأت مستشفيات عدة مواصلة إجراء الاختبارات الروتينية للمرضى عند دخولهم إليها للقيام بعمليات طبية، كما كانت القاعدة في المراحل الأولى من الوباء، متحديةً بذلك إرشادات المجلس.
بعض الأطباء أعرب عن رأي أكثر فعالية، قائلين إن نظام الرعاية الصحية سينهار إذا ما ظل الأطباء يخضعون لاختبارات منتظمة، ويأتون بنتائج غالبيتها إيجابية، وإن السماح لهم بالعمل على الرغم من ارتفاع مخاطر الإصابة بالعدوى كان ولا يزال الخيار العملي الوحيد لعديد من الإداريين.
"فبالنظر إلى سرعة انتقال [متحورة “أوميكرون”] وارتفاع قابليتها للعدوى، أخشى أن يُفضي إخضاع الأطباء غير المصابين بأعراض لاختبارات يومية تكون نتيجة معظمها إيجابية، إلى تداعيات كارثية على [نظام] الرعاية الصحية"، لفت الدكتور سروفانكار دوتا، طبيب مقيم مبتدئ لدى "معهد عموم الهند للعلوم الطبية" في دلهي.
وتابع قائلاً: "في الوقت الحاضر، لا تستند القرارات كلياً على العلم، بل على محدودية الموارد".
ومن جهته، ذكر الدكتور مانيش كومار، المتحدث باسم "جمعية الأطباء المقيمين" التي تمثل الموظفين في عديد من مستشفيات دلهي، أن "مطالبة العاملين في مجال الرعاية الصحية عدم الخضوع لاختبارات والاستمرار في العمل لا تؤثر في شيء إلا برعاية المرضى وصحة الأطباء، وقد تضر في نهاية المطاف بنظام الرعاية الصحية للأمة ككل".
وأضاف أن انتشار العدوى داخل أروقة المستشفيات هو مصدر قلق كبير، إذ لو انتقلت شرارتها من العاملين الصحيين إلى المرضى الذين يُعانون أصلاً من أمراض، فستكون نتائجها وخيمة عليهم وقد تؤدي ربما إلى وفاتهم.
وفي هذا الخصوص وإقراراً منها بقرار خفض الاختبارات، وجهت مسؤولة وزارة الصحة أرتي أهوجا رسالة إلى حكومات الولايات أشارت فيها إلى أنه لا بد من قراءة الإرشادات الجديدة جنباً إلى جنب مع الإرشادات السابقة التي أوصت "باختبارات استراتيجية ومركزة"، مع التأكيد على ضرورة خضوع قرارات إجراء الاختبارات لتقدير الأطباء.
© The Independent