اعتمد مجلس الوزراء السعودي أخيراً نظاماً لكبار السن ورعايتهم، وأمر بإنفاذه عقب 90 يوماً من تاريخ صدوره.
وحذر القرار من التهاون في التعامل مع حقوقهم وأموالهم، ملوحاً بحزمة من العقوبات تتضمن سجناً وغرامات مالية وملاحقة قضائية رادعة ضد من لا يمتثلون.
القرار المكون من 23 مادة، وجد فور صدوره اهتماماً واسعاً، وفقاً لما تكشفه مؤشرات "غوغل"، التي أوضحت تصاعد البحث عن "قانون كبار السن" في العاصمة الرياض، ليحتل المركز الأول في عمليات البحث حتى بعد أسبوعين من صدور القانون.
نسبة المسنين من إجمالي السكان
وتقدر نسبة المسنين الذين يتجاوزون 65 سنة فأكثر بنحو 4.2 في المئة من إجمالي السكان في السعودية، يشكل الذكور والإناث منهم نسباً متقاربة.
وحسب التوزيع الجغرافي للمناطق الإدارية في البلاد حسب أرقام 2019، فإن منطقة مكة المكرمة تقع فيها النسبة الكبرى بواقع 24.4 في المئة من المسنين، تليها الرياض بنسبة 19.5 في المئة، فيما تقل تدريجياً نسبة كثافتهم في الجهات الشمالية بنسبة 1.3 في المئة من النسبة الإجمالية لمجموع السكان.
وتنص المادة الثالثة في القرار الذي يصبح واجب النفاذ بدخول السادس من أبريل (نيسان) المقبل، على وجوب "تمكين كبير السن من العيش في بيئة تحفظ حقوقه وتعزيز اندماجه في المجتمع، وحقه في العيش مع أسرته وعليها"، وفقاً للتسلسل المنصوص عليه في المادة السادسة التي تنص على أن تكون إعالة كبير السن المحتاج على الزوج أو الزوجة إن رغبت، فإن تعذر ذلك فعلى أبيه إذا كان قادراً ثم أحد أولاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد أحفاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد إخوته الذكور. ويجوز انتقال واجب الإعالة إلى من اختاره كبير السن منهم مع وجود من هو أولى منه، وفي حال عدم الاتفاق أو عدم قيام أيٍّ من أفراد الأسرة بالإعالة، فتتولى المحكمة المختصة تحديد العائل من أفراد أسرته، على أن يراعى في ذلك مصلحة كبير السن.
وحظرت المادة الخامسة عشرة المنصوص بها في القرار التصرف في مال كبير السن من دون موافقة منه، أو الإخلال عمداً بحماية حقوقه ورعايتها، أو إساءة التصرف في ماله لمن أوكلت إليه سلطة التصرف.
من التعليم إلى الرعاية
إلى ذلك، استثنى القرار إلزامية موافقة كبير السن على إيوائه في دار الرعاية الاجتماعية، حال صدور حكم قضائي بذلك، أو في الحالات التي تشكل خطورة على حياة كبير السن أو سلامته وفق ضوابط تحددها اللائحة. وتناولت المادة الرابعة عشرة في القرار حق الوزارة في الولاية على النفس لفاقد الأهلية أو ناقصها من كبار السن ممن ثبت قضاءً أنه ليس له ولي، أو أن له ولي تخلى أو تقاعس عن المطالبة بحقوقه، وتحدد اللائحة الأحكام الخاصة بذلك.
في السياق ذاته، قال سعد الحماد، المتحدث باسم وزارة الموارد والتنمية الاجتماعية، إن التشريع يمنح كبار السن امتيازات خاصة، ويحفظ حقوقهم الاجتماعية والمالية والقانونية. وتابع، "ينص القرار على عقوبات صارمة لمن يسيء لكبار السن سواء كان من الأفراد أو المؤسسات التي تقدم الخدمة لكبار السن من المراكز الأهلية أو الحكومية، وتطبيق العقوبات البديلة والغرامات المالية والسجن على من يرتكبها".
وأضاف، "من حق كبير السن العيش مع أسرته، لذلك حرص النظام على تحقيق ذلك، وفرض العقوبات على من يتجاوز ذلك، كما أن الإيواء في دور الرعاية مرتبط بما تقتضيه المصلحة".
وأشار في حديثه إلى المراكز الأهلية بقوله، "هي ضمن أعمال التحول في خدمات كبار السن، والهدف منها تحقيق الرفاه والاندماج الاجتماعي وتعزيز مكانتهم ودعم الأسر في خدمات الرعاية لمن يحتاجها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت هدى النعيم، رئيسة لجنة كبار السن بمجلس شؤون الأسرة، في حديث لها حول الموضوع إن "صدور النظام وأهميته يواكب رؤية 2030، وإن النظام يتفق مع سياسة الدولة مع كبار السن المستمدة من القرآن وتطوير الأنظمة، وإن السياسة العامة للسعودية تحث على التوسع في برامج تعليم الكبار ومحو الأمية وتحث القطاع لتقديم برامج عالية الجودة، وصدور النظام يؤكد ذلك وينظم العلاقة بين كل القطاعات وتحدد من خلالها الأدوار".
يعانون اضطرابات نفسية وعصبية
ويربط المختص النفسي العيادي والجنائي، عبد الله الوايلي، موضوع كبار السن بالنواحي النفسية للمجتمع، موضحاً أن "القانون يتزامن مع الدراسات النفسية المتعددة التي تشدد على أهمية رعاية كبار السن والاهتمام بهم نفسياً وجسدياً".
ولفت إلى أن "15 في المئة من البالغين 65 سنة فما فوق قد يعانون اضطرابات نفسية أو عصبية، على الرغم من أنهم يقدمون إسهامات مجتمعية إيجابية ومهمة، ويرجع ذلك لأسباب التقدم في العمر والإهمال".
وفي الجانب العلمي كشف عن أن الدراسات أثبتت نمو الشيخوخة بشكل متسارع، إذ إن "نسبة كبار السن على مستوى العالم ستتضاعف تقريباً إلى 22 في المئة من عدد السكان الإجمالي، وأنهم سيتعرضون حتماً إلى عقبات وصعوبات وتحديات مختلفة سواء كانت جسمية أو نفسية".
ولكن ما أسباب معاناة كبار السن؟ يختصرها الوائلي بـ"كونهم عرضة للخرف والاكتئاب، وهي قضايا صحية عامة في ظل محدودية حركتهم، ويتعرض المسنون عادة لعدة عوامل اجتماعية ونفسية وعضوية متنوعة ومختلفة ومتداخلة فيما بينها، هذه العوامل ذات تأثير مباشر وغير مباشر على صحتهم النفسية، نظراً إلى عدم قدرتهم على الاستقلالية، لأنهم أكثر عرضة للمعاناة في ظل محدودية حركتهم، كما يوجد لدى بعض المتخصصين إشكالية كبرى في تشخيص الاكتئاب ومعالجته لدى المسنين في مراكز الرعاية الصحية، نظراً إلى تداخل الأعراض والعلامات مع المشاكل الأخرى".
فجوة الأجيال
ووصف الوائلي كبار السن بـ"ضحايا الفجوة الجيلية"، فقد يكون ذلك لإهمال مقصود أو غير مقصود، وعلى ذلك فإنهم يتعرضون للإيذاء بكل صوره وأشكاله "سواءً كان جسدياً أو نفسياً أو عاطفياً أو حتى جنسياً في بعض الحالات، لذلك يحتاجون إلى الرعاية بشكل مباشر وفعال"، مستدركاً بأن "النظام الجديد الذي أقره مجلس الوزراء السعودي أنصفهم بما تضمنه من عقوبات كبيرة كالسجن والغرامة المالية، وكفل لهم في العديد من المواد الأولوية في الخدمات الأساسية التي تقدمها الجهات الحكومية".
وفي الزاوية نفسها، يشير المختص إلى أهمية حصول التوافق بين القانون والرعاية النفسية في تعزيز صحة كبار السن والعمل على وقايتهم من الأمراض ومعالجتهم، والتركيز على الرعاية الطويلة المدى.
وأضاف "نحتاج إلى ثورة اجتماعية سواءً على مستوى الأفراد أو المؤسسات الحكومية والأهلية للمحافظة على الصحة النفسية لكبار السن في العالم العربي، من خلال بقائهم على التواصل مع الآخرين والاتصال بالمجتمع، وهذا الأمر يُعد أحد أكبر تحديات مرحلة الشيخوخة".
في السياق نفسه، قال الطبيب النفسي محمد إسحاق، إن "كبار السن الذين يمثلون خمسة في المئة من سكان السعودية، يمثلون الماضي والحاضر"، مؤملاً أن يحد القانون الجديد من الممارسات غير الإنسانية، حين قنن التعامل مع المشكلات العلائقية للأفراد والأسرة، وعمل على الحد من التجاوزات الأخلاقية والقانونية على كبار السن، لا سيما التي كانت تظهر في بعض القضايا بين كبار السن وغيرهم من أفراد الأسرة، والتي تتعلق بمجموعة من الممارسات والتجاوزات مثل الإهمال والعنف بمختلف الأشكال.
وثمن رئيس هيئة حقوق الإنسان، عواد بن صالح العواد، موافقة مجلس الوزراء اليوم على نظام حقوق كبير السن ورعايته، وأكد أن الموافقة تمثل دعماً لحقوق الإنسان والعناية، معتبراً أن النظام سيعزز من حقوق الشريحة "ويحفظ كرامتهم وخصوصيتهم واستقلاليتهم، ويوفر لهم الرعاية والخدمات، وسيكون إطاراً قانونياً لتمكينهم من التمتع بكامل الحقوق المكفولة لهم نظاماً من خلال رعايتهم والاهتمام بهم".