حين بدأت المروحيات الأميركية تُحلّق فوق مقر إقامة زعيم تنظيم "داعش" في بلدة أطمة، شمال غربي سوريا، ظن محمود شحادة أن عاصفة جوية قد بدأت، بعد أن كان الهواء قوياً عند المساء، لكن عند خروجه إلى باحة منزله القريب لتفقّد الوضع قرابة الساعة 12:30 بعد منتصف ليل الأربعاء/ الخميس، هاله ما شاهده أمامه: مروحيات تحوم فوق المنزل المجاور، ونداءات للاستسلام توجه تباعاً عبر مكبرات صوت.
ويقول محمود، وهو أحد سكان بلدة أطمة في محافظة إدلب، قرب الحدود مع تركيا، لوكالة الصحافة الفرنسية، بعد وقت قصير من انتهاء عملية الإنزال، "كان الطيران يحوم فوقنا، وبعد عشر دقائق سمعنا نداءً (سلمي نفسك، البيت محاصر)".
ويضيف، "أحدهم كان يتحدث بالإنجليزية، والثاني يترجم له ويصرخ للمرأة بلهجة عراقية بدوية: (سلمي نفسك، ودعي الأطفال يأتون إلينا)"، من دون أن يتمكن من معرفة ما إذا سلمت نفسها أم لا.
إثر ذلك، سمع أهالي المنطقة إطلاق رصاص ودوي قذائف، في وضع استمر لنحو ساعتين، قبل أن تقتحم القوات المهاجمة المنزل وتسيطر على الوضع تباعاً.
نداءات طمأنة للسكان
وقتل في العملية التي نفذتها القوات الخاصة الأميركية 13 شخصاً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينهم أربعة أطفال وثلاث نساء.
وبحسب ما قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، فقد أقدم زعيم التنظيم عند بدء العملية على تفجير "قنبلة قتلته وأفراد عائلته وبينهم نساء وأطفال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعند بدء الإنزال، ظن أهالي المنطقة أن القوات الأميركية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، تنفذ عملية تطال أحد القياديين المرتبطين بتنظيم "القاعدة".
ويروي أبو علي، وهو نازح يقيم في مكان ليس ببعيد عن المنزل المستهدف، أنهم سمعوا نداءات طمأنة أثناء تنفيذ العملية. ويستعيد جملة جاء فيها "لا تخافوا. جئنا من أجل هذا المنزل فقط... لنخلصكم من الإرهابيين".
ولم يخطر بذهن أي من الجيران أن في المنزل المتواضع المؤلف من طبقتين وتحيط به أشجار الزيتون، يقطن زعيم تنظيم "داعش" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي مع أسرته وشقيقته، في منطقة تخضع أساساً لسيطرة "هيئة تحرير الشام" المعارضة (النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً، حتى إن محمد الشيخ، وهو مالك المنزل، صعقه الخبر، بعد أن ظن أن من استأجر منزله الذي يعتاش منه سائق سيارة أجرة. وفي الصباح المبكر، حضر مسرعاً إلى المكان ليتفقد المبنى والأضرار التي لحقت به.
كان رجلاً "سهلاً وبشوشاً"
وتظهر صور التقطها مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، غرفاً تبعثرت محتوياتها البسيطة من فرش وأغطية وملابس ملونة وألعاب أطفال. وبينما يكسو الدخان الأسود سقف الطبقة الثانية من المبنى، والذي انهار جزء منه، تغطي بُقعة دماء كبيرة أرضية إحدى الغرف وجداراً محاذياً.
ويوضح مالك المنزل أن القرشي، واسمه الحقيقي أمير محمد عبدالرحمن المولى الصلبي، كان قد استأجر الطابقين منه قبل نحو عام مقابل 100 دولار.
وأقام الرجل مع زوجته وأولادهما الثلاثة في الطابق الأول، بينما قطنت شقيقته مع ابنتها في الطابق الثاني.
ويقول الشيخ، "سكن هذا الرجل (المنزل) منذ 11 شهراً. لم نلاحظ أي أمر غريب عليه... كان يأتي مطلع كل شهر ليسدد الإيجار".
ويستعيد الشيخ أحد لقاءاتهما الأخيرة، حين كان يقطف أشجار الزيتون المحيطة بالمنزل. ويروي، "أحضر لي فنجان قهوة، وحين سألته ماذا تفعل؟ أجابني: (أعتاش من السيارة)".
وخلال المرات التي التقيا فيها، بدا القرشي شخصاً "سهلاً وليناً وبشوشاً"، وفق الشيخ، "يهتم بشؤونه الخاصة، ويحافظ على طريقة اللباس ذاتها: بنطال وقميص مع سُترة من دون أكمام، ويضع غطاءً على رأسه دائماً".
ولم تُثر شخصيته وطباعه الهادئة شكوك من عرفوه أو التقوه صدفة، لكن ذلك لا يهدئ من غضب الشيخ الذي تضرر منزله. ويقول، "لو كنت أعلم شيئاً عنه لما تركته يسكن في منزلي".