مرة أخرى تتمكن القوات الخاصة الأميركية من قتل رأس تنظيم "داعش" في خطوة وصفها الرئيس جو بايدن بأنها ضربة قاصمة للتنظيم الإرهابي بعدما أثبت عملياً قبل أيام استمرار خطره، حينما استولى على سجن في شمال سوريا، لمدة أسبوع، في هجوم نادر أسفر عن مقتل المئات، لكن هل يعرقل مقتل زعيم "داعش" عمليات التنظيم المستقبلية، وما الذي تعنيه العملية العسكرية الأميركية بالنسبة للرئيس بايدن والولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تدعمها واشنطن؟
جاءت عملية مقتل أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم تنظيم "داعش" في غارة محفوفة بالمخاطر شنتها القوات الخاصة الأميركية قبل فجر الخميس، الثالث من فبراير (شباط)، في شمال غربي سوريا، لتكون هي الحلقة الأحدث في سلسلة من الغارات والضربات البارزة التي استهدفت قادة "داعش" و"القاعدة" على مر السنين، لكن، على الرغم من نجاح تلك العمليات، فإنها كانت دائماً تثير تساؤلات حول تأثيرها الفعلي على هذه التنظيمات المتشددة وعملياتها المستقبلية، وهو ما تجدد مع مقتل أبو إبراهيم القرشي.
تأثير محدود
تتفاوت تقديرات المسؤولين وخبراء مكافحة الإرهاب حول مدى تأثر "داعش" بمقتل زعيمها الذي أكمل عامين فقط في منصبه منذ مقتل أبو بكر البغدادي عام 2019 في محافظة إدلب السورية التي جرت فيها العملية الأميركية الأخيرة، فقد وصف الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، موت القرشي بأنه يُصَعّب على "داعش" اتباع نهج عالمي متكامل، فعلى الرغم من صعوبة تتبع الوحدات اللامركزية لتنظيم "داعش"، فإنه عندما لا توجد نواة مركزية يمكنها صرف الأموال، فإن ذلك يجعل من الصعب على عناصر التنظيم الحصول على الموارد.
غير أن دانييل ميلتون، مدير الأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب في "ويست بوينت" اعتبر أنه لا ينبغي لأي شخص توهم أن مقتل القرشي هو ضربة قاضية لتنظيم "داعش"، مستبعداً أن يقضي ذلك على تهديد التنظيم في المستقبل، لأن زعيمه كان يشرف على صنع القرار، لكن عدم مركزية التنظيم الإرهابي بعد هزيمته في العراق وسوريا قبل ثلاث سنوات يجعل تأثير وفاته محدوداً، وفي حين أن ميلتون لا يتوقع أي تداعيات واسعة النطاق في مختلف أنحاء شبكة "داعش"، فإن ذلك يعتمد على من سيصبح القائد التالي للتنظيم.
دعاية لـ"داعش"
أما الكولونيل مايلز كاغينز، المحلل العسكري في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك والمتحدث السابق باسم التحالف الدولي ضد "داعش"، فقد اعتبر أن أحد أكبر التهديدات التي تشكلها الجماعة تنبع من أيديولوجيتها الراسخة بعمق، وأن التخلص من زعيم التنظيم الإرهابي لا يوقف الأيديولوجيا التي لا تزال هي الدافع وراء تجنيد عناصر "داعش"، بعدما أصبح للتنظيم اسم انتشر في مختلف أنحاء العالم بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع من أي جماعة متطرفة عنيفة أخرى.
ويوافق أدريان شاكوفيتشي، مدير المعهد الأميركي لمكافحة الإرهاب، في أن وقائع عملية القوات الخاصة الأميركية في شمال شرقي سوريا، تعطي نوعاً من الدعاية لـ"داعش" قد تحفزها على مزيد من التجنيد ونشر الدعاية بشكل أكبر، لأن قتل زعيمه نفسه، بدلاً من الاستسلام، سيُنظر إليه بالتأكيد على أنه علامة على الشجاعة من قبل أتباع التنظيم الإرهابي الذين شنوا هجوماً قبل أيام على مجمع سجون في محافظة الحسكة شارك فيه 14 انتحارياً وحوالى 200 من مقاتلي "داعش"، واستغرقت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد والمدعومة من الجيش الأميركي أكثر من أسبوع لاستعادة السيطرة على السجن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير متخصصون في مكافحة الإرهاب إلى أن معركة السجن التي قتلت مئات الأشخاص، قدمت تذكيراً صارخاً بأنه حتى بعد انهيار "داعش"، لا تزال قدرة التنظيم على زرع العنف الفوضوي مستمرة، وهو ما يمتد إلى العراق أيضاً، حيث قتل عناصره، أخيراً، 10 جنود وضابطاً في موقع للجيش وقطعوا رأس ضابط شرطة أمام الكاميرا، وفي سوريا، اغتال التنظيم عشرات القادة المحليين، وابتز الشركات لتمويل عملياته، وفي أفغانستان، ترك انسحاب القوات الأميركية في أغسطس (آب) الماضي محاربة "داعش خراسان" إلى حركة "طالبان" ليظل الناس محاصرين بين تنظيمين متشددين.
لم يمت بعد
وتحذر جمانة قدور التي شاركت في تأسيس منظمة إغاثة سوريا، من أن محاربة "داعش" تتطلب حسماً جاداً، بخاصة وأن العمليات المالية واللوجيستية للجماعة تتزايد قوتها وسط الصحراء السورية بعدما تحولت إلى التهريب لجمع الأموال بعد فقدان السيطرة على حقول النفط، كما أنها لا تزال تتمتع بجاذبية شعبية بسبب الكارثة المستمرة في سوريا حيث ترتفع مستويات الجوع والفقر بشكل حاد، وتستمر تعاليم وأيديولوجيا الجماعة قائمة لدى بعض السكان.
ويرى توماس واريك مستشار مبادرة "سكوكروفت" للأمن في الشرق الأوسط، أن استيلاء "داعش" على سجن سوري في محاولة لتحرير المئات من مقاتليه، يعني بوضوح أن التهديد الإرهابي للتنظيم لم يمت، حتى لو كان القرشي هو آخر زعيم له، ولهذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إبقاء "داعش" تحت ضغط مستمر.
استمرار دعم "قسد"
ولكي يستمر الضغط الأميركي على "داعش"، فإن نجاح غارة الخميس سيجعل بايدن أكثر استعداداً للموافقة على العمليات الأكثر خطورة التي ستأتي بعد ذلك إذا كان يريد تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب ضمن أسلوب "عبر الأفق" أي باستخدام طائرات "الدرون" أو مقاتلات سلاح الجو، وفقاً لما يقوله وليام شيسلر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لعمليات القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب.
لكن توماس واريك يشير إلى أن عملية الخميس ضد زعيم "داعش" لا تشبه نهج "عبر الأفق" حيث توجد للقوات الأميركية حال القيام بعمليات في سوريا، منشآت قريبة في تركيا والخليج، كما أن الغارة تُظهر أهمية الحفاظ على وجود الولايات المتحدة في هذه المناطق وضرورة الإبقاء على العلاقات مع القوات العسكرية للدول المضيفة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد في شمال شرقي سوريا.
ومن الواضح أن هذه القوات، ستواجه صعوبة في احتواء "داعش" من دون الولايات المتحدة التي يوجد لها نحو 900 جندي في شمال شرقي سوريا، لذلك لا يزال من غير الحكمة الضغط من أجل خروج الولايات المتحدة من المنطقة، بالنظر إلى حرص التنظيم الإرهابي على إعادة بناء قدراته، ولا يزال يمثل تهديداً كبيراً للقوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، وكذلك المدنيون.
مخاطرة بايدن
تُظهر هذه العملية أن بايدن الذي نصح الرئيس السابق باراك أوباما حينما كان نائباً له، بعدم شن غارة 2011 ضد أسامة بن لادن، أصبح الآن أكثر استعداداً لاتخاذ خطوة مماثلة مع كل المخاطر المصاحبة لها، إذ كان بإمكان بايدن اختيار تنفيذ غارة جوية أو استخدام طائرة "درون" مُسيرة لقتل القرشي، لكنه بدلاً من ذلك سمح بشن غارة عبر قوات خاصة، والتي يقول ويليام شيسلر إنها تعني أنه كان ينوي إلقاء القبض على زعيم "داعش" وهو على قيد الحياة.
ويبدو أن بايدن كان مستعداً للمغامرة والمخاطرة، ففي حين أن العملية كانت مصممة للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، إلا أنها في الوقت نفسه تخاطر بحياة المقاتلين الأميركيين الذين نفذوا العملية، لأنها إذا فشلت، فإن أضراراً سياسية بالغة كانت ستلحق بالرئيس في وقت يشهد فيه أدنى مستوى من التأييد الشعبي بسبب التضخم.
مكاسب مؤقتة
ولا شك أن نجاح مقتل زعيم "داعش" في عملية للقوات الأميركية يمثل أخباراً سارة للرئيس بايدن الذي بدا محتفياً بهذه العملية التي تابع تنفيذها وخرج ليعلنها بنفسه على الشعب الأميركي، وحصل بسبب ذلك على تأييد سياسي كان في حاجة إليه، غير أن الجمهوريين الذين أشادوا بالعملية العسكرية وشجاعة المقاتلين، كانوا حذرين تجاه نهج بايدن في مكافحة الإرهاب، فقد أوضح السيناتور جيمس إنهوف، وهو جمهوري بارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن هذه العملية الفردية ليست بديلاً عن خطة فعالة وشاملة لمكافحة الإرهاب أو لمحاسبة تنظيم "داعش" في خراسان على الهجوم المميت ضد القوات الأميركية في أفغانستان، كما حذرت جوني إرنست عضو مجلس الشيوخ الأميركي من أن المعركة مع "داعش" لم تنته بعد، وقالت إنه يجب على الإدارة أن تقدم استراتيجية واضحة وكاملة لمواجهة المنظمات المتطرفة العنيفة في مختلف أنحاء العالم من أجل الاستمرار في الحفاظ على سلامة الأميركيين.
وبينما يراهن بايدن على استفادته شخصياً من هذه العملية، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الغارة الناجحة ستعزز معدلات شعبيته الباهتة، بخاصة وأن التجارب السابقة تشير إلى أن تأثير هذه الغارات على الرغم من أهميتها، فإنها لا تستمر طويلاً، فعلى الرغم من أن 49 في المئة من الأميركيين يرون أن "داعش" يمثل تهديداً خطيراً للبلاد، وفقاً لاستطلاع أجرته مجلة "إيكونوميست" مع مركز "يوغوف" في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأن غالبية الأميركيين ينسبون الفضل إلى رؤساء الولايات المتحدة في قتلهم قادة إرهابيين، إلا أن ذلك لم يؤثر على شعبيتهم بشكل عام، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وجد استطلاع للرأي أجرته شبكة تلفزيون "أي بي سي" أن 54 في المئة من الأميركيين ينسبون الفضل إلى الرئيس دونالد ترمب في قتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" السابق، لكن هذا الاستطلاع لم يحقق أي زيادة في التصنيف العام لترمب.
وفي مايو (أيار) 2011، وجد استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث مع صحيفة "واشنطن بوست" أن 76 في المئة من الأميركيين نسبوا الفضل إلى الرئيس باراك أوباما في الغارة التي قتلت زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وقفزت نسبة التأييد لأوباما تسع نقاط مباشرة بعد مقتل بن لادن، لكنها عادت إلى المستوى نفسه بعد شهر واحد، ولهذا، ليس من المتوقع أن تنعكس نتيجة هذه العملية بالإيجاب على شعبية بايدن لفترة طويلة.