ملخص
"موقف ترمب جونيور وطريقة تواصله لا يجعلانه يبدو وكأنه شخصية سياسية عادية، وهذا جزء من الجاذبية، فهو مثل والده لا يشارك في الهراء السياسي العادي الذي دُرب السياسيون قبل ترمب على القيام به".
على رغم أن نجل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب جونيور (الابن) لن يكون جزءاً من الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، فإنه يمثل قوة سياسية هائلة كأحد اللاعبين المؤثرين في فريق ترمب الأب الانتقالي، الذين يقررون من سيشغل المناصب العليا في البيت الأبيض القادم، وهو يطمح على ما يبدو لدور سياسي أكثر أهمية في المستقبل، وهو الحفاظ على "الترمبية" متوهجة عبر تنمية الجيل القادم من حركة "ماغا" التي دشنها والده، وتعزيز نفوذ الجمهوريين ذوي التفكير المماثل الذين يتمتعون بمهارات التواصل مع الجماهير. فكيف استطاع النجل الأكبر لترمب الوصول إلى هذا التأثير؟ وما الذي يعنيه ذلك لمستقبل الحزب الجمهوري و"الترمبية" في المستقبل؟
قوة سياسية
من بين جميع أبناء ترمب الخمسة لم يلتزم أحد البقاء والمساندة اللصيقة إلى جانبه أكثر من الابن الأكبر للرئيس المنتخب دونالد ترمب جونيور الذي يعرف باسم (دون الابن)، فقد تركت ابنته المحبوبة إلى قلبه إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر البيت الأبيض وراءهما من أجل حياة أخرى في ميامي، ويدير إريك الابن الثاني أعمال العائلة، في وقت تزوجت تيفاني من نجل رجل الأعمال اللبناني الأصل مسعد بولس، أما أصغر أبنائه بارون فما زال طالباً في جامعة "نيويورك".
لكن دون الابن البالغ من العمر 46 سنة، لم يكتسب مكانته المؤثرة في قرارات أبيه من فراغ، إذ برع في تعزيز قوته السياسية وثروته الشخصية من تأجيج شعلة حركة "ماغا" أو "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" التي بدأها والده.
كما يشبه ترمب جونيور والده في كثير من النواحي، إذ تبنى أسلوب ترمب السياسي القائم على الشعور بالمظلومية وبالاضطهاد الذي تمارسه المؤسسة السياسية في واشنطن، وهو موجود في كل مكان في تجمعات ترمب السياسية، ويستمتع مثله بالاشتباك مع الخصوم على وسائل التواصل الاجتماعي (لديه 13 مليون متابع على منصة "إكس")، وهو أيضاً مناضل في ما يسمى الحركة المناهضة لسياسات "الاستيقاظ"، ويبدو أنه يتلذذ بالقتال اللفظي ضد الأميركيين الليبراليين الذين يتهمونه بمعتقدات ضارة ومثيرة للانقسام، وينشر سيلاً من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، مستهدفاً مجموعة من الموضوعات والأشخاص الذين يمثلون أهمية كبيرة لقاعدة "ماغا".
وإضافة إلى دعم والده، أصبح دون الابن الذي قدرت مجلة "فوربس" ثروته أخيراً بنحو 50 مليون دولار، بارعاً في التعامل مع السياسة الداخلية للحزب الجمهوري عبر مجموعة من الأعمال التي تركز على المحافظين، من خلال شركة النشر الخاصة به "وينينغ تيم" التي نشرت 15 مؤلفاً منها ثلاثة كتب للرئيس المنتخب، وبودكاست يقدمه دون الابن بنفسه على منصة "رامبل" المحافظة، ويتقاضى عنه راتباً مكون من سبعة أرقام لأنه يجتذب كثيراً من الشباب.
وأسس دون الابن مجلة صيد تسمى "فيلد إيثوس" كعلامة تجارية لأسلوب حياة يروق لمحبي اقتناء الأسلحة، كما ينشئ منصة إعلامية محافظة تسمى "أم أكس أم"، وأعلن أنه سينضم إلى شركة رأس مال استثماري تسمى "1789 كابيتال" التي يديرها أوميد مالك، وهو ممول كبير كثيراً ما روج لفكرة "الاقتصاد الموازي" الذي يغذيه المستهلكون المحافظون الأميركيون.
بصمة واضحة
وتتجلى بصمة دونالد ترمب الابن في كثير من العلامات، فقد دفع والده، خصوصاً، لاختيار النائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابرد لتكون مديرة الاستخبارات الوطنية، كما كان هو صاحب فكرة ضم روبرت كينيدي جونيور إلى فريق ترمب منذ البداية، إذ من المقرر أن يقود وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
وقبل ذلك بأشهر قليلة ضغط بقوة من أجل إقناع الرئيس السابق لاختيار صديقه الحميم، السيناتور جي دي فانس، ليكون نائبه، وهو ما اعترف به دون الابن في مقابلة مع مذيع "فوكس نيوز" السابق تاكر كارلسون حين قال إنه بذل كل رأس ماله السياسي كي يحقق هذا الهدف.
ولعل الصورة الأكثر انتشاراً على الإنترنت، أخيراً، التي ضمت دون الابن جالساً وسط رباعية قوية تشمل الأب دونالد ترمب ورئيس مجلس النواب مايك جونسون وإيلون ماسك وروبرت كينيدي الابن على متن طائرة الرئيس المنتخب مع بعض البرغر والبطاطا المقلية من "ماكدونالدز"، هي خير دليل على المكانة والحضور الذي يتمتع بهما دون الابن حالياً.
استعادة القيمة
وعلى رغم أن دون الابن لم يتحدث إلى والده لمدة عام بعد أن طلق والدته إيفانا، أثناء علاقة غرامية مع مارلا ميبلز، التي أصبحت زوجة ترمب الثانية في ما بعد، وعلى رغم أن دون الابن اكتسب غضب الأب عام 2017 لأنه كان شخصية محورية في تحقيق المدعي الخاص روبرت مولر في علاقات حملة ترمب بروسيا مما أكسبه سمعة لدى البيت الأبيض في ولايته الأولى بأنه متهور، ونال لقب "فريدو" بين بعض مساعدي ترمب، وهو اسم الابن التعيس لعائلة كورليوني في فيلم "الأب الروحي"، فإنه استطاع استعادة محبة ودعم الأب ترمب بسرعة بسبب مساندته غير المشروطة بعطاء.
فقد أثبت نفسه وقيمته لوالده ترمب منذ ذلك الحين، وحول جهوده إلى رعاية جيل جديد من الساسة الموالين لـ"ماغا"، بما في ذلك جي دي فانس وعديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الجدد في الكونغرس، مثل بيرني مورينو من أوهايو، وتيم شيهي من مونتانا، وجيم بانكس من إنديانا، ويبرر ترمب الابن دعمه لهؤلاء بأنه ينجذب إلى المرشحين الذين يتمتعون بحضور جيد على المسرح والذين يحبون القتال.
زعيم قادم
لكن الاستراتيجي الجمهوري أليكس بروزويتز يرى أن هناك تأييدين يريدهما كل مرشح، الأول هو أنهم يريدون الرئيس ترمب، والثاني هو أنهم يريدون دونالد ترمب جونيور الذي ينظر إليه بتأكيد أنه زعيم في الحزب الجمهوري لأنه يبني الجيل القادم.
ليس هذا فحسب، فقد أصبح دون جونيور صانع ملوك في عالم ترمب، من خلال استخدام شبكته على وسائل التواصل الاجتماعي لرفع مكانة بعض الشخصيات في الإدارة وحولها، ومن بين هذه الشخصيات تشارلي كيرك، الذي أصبح مساعداً لدون الابن بعد لقائه في مؤتمر عام 2016 وهو الرئيس المشارك لواحدة من كبرى المنظمات المحافظة التي تحشد الشباب في الولايات المتحدة.
ويصف كيرك دور وأهمية دون الابن قائلاً "عندما يعيد دون جونيور نشر تغريداتك، فإن أكبر شيء تحصل عليه هو اهتمام كثير من الصحافيين الذين يتابعونه، لذا فإن أي شيء يعيد نشره يكون لديه فرصة أفضل لإعادة كتابته في وسائل إعلام أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من يأتي بعد ترمب؟
وحتى قبل ثمانية أعوام عندما أجرى المدعي العام السابق جيف سيشنز مناقشات حول كيفية إنشاء جهاز لمواصلة المثل العليا لحركة ترمب الشعبوية والقومية ومعاداة الهجرة والحمائية الجمركية، أثيرت تساؤلات حول من يأتي بعد ترمب؟
كانت الإجابة لدي كثير من الاستراتيجيين الجمهوريين أن دون الابن هو الخيار المناسب لأنه مؤمن حقيقي بما يقوله ويفعله، وقد ساعدت هذه الأصالة في تغذية صعوده كشخصية سياسية في حد ذاته.
ويرى البعض أن مستقبل دون جونيور المشرق يعتمد على انضباط معين بينما يستمر في التوفيق بين مسؤوليات العمل والحملات الانتخابية ومهاجمة الخصوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والظهور المتعدد على التلفزيون والإذاعة أسبوعياً، فهو أكثر وضوحاً من إيفانكا، التي تراجعت مكانتها واختفت من الساحة الآن تقريباً بينما نمت مكانته بصورة ملحوظة.
وفي حين أن التكهنات العابرة بأن دون جونيور قد يترشح ذات يوم لمنصب الرئيس لم تهدأ تماماً، لكن أياً كان هدفه، فإنه يدرك أن والده كان لا بد من أن يصبح شخصية ثقافية قبل أن يصبح شخصية سياسية، وهذا هو ما يركز عليه هذه الأيام.
بين الماضي والمستقبل
في الماضي كان الظهور العام لدونالد ترمب الابن متواضعاً وجامداً وغير مبهر وقليل الابتسام لكنه تدرب كثيراً وبصورة يومية حتى أجاد الخطاب والحديث، ومع استمراره في إلقاء الخطب، اكتسب إيقاعه الخاص، وسرعان ما بدأ الجمهور يتفاعل معه وينادي اسمه بعد كل جملة من جمله الإيقاعية، وأذهل هذا العالم السياسي بمن فيهم الخصوم، إذ اعترفت، ذات مرة، الاستراتيجية الديمقراطية ماريا كاردونا بأنه كان سياسياً أفضل كثيراً من والده، ومن اللافت للنظر أنه كان أكثر دراية بالأرثوذكسية المحافظة من والده أيضاً، لدرجة أن النخبة السياسية الأكثر خبرة عدت أن دونالد الابن هو الشخص الذي يجب الانتباه إليه في المستقبل.
وعلى رغم خطة والده لإبقائه وراء الكواليس مع شقيقه إريك لإدارة الأعمال العائلية، وجد دون الابن دوراً مركزياً في عالم ترمب، ولكن ليس كرجل أعمال أو سياسي هادئ ولكن كأكثر المدافعين عن والده شراسة وموثوقية، فهو من الشخصيات التي تظهر بانتظام على قناة "فوكس نيوز"، وصانع ماهر لـ"ميمات" (أي مقاطع وصور وكلمات تنتشر بسرعة عبر الإنترنت) ويستمتع بمضايقة الليبراليين، وربما يكون دون جونيور هو مستقبل "الترمبية" بعد كل شيء، إذ تبين أن "الترمبية" ليست فلسفة سياسية، بل حاضنة للحرب الثقافية الذكية في التعامل مع وسائل الإعلام.
ويشير الاستراتيجي السياسي الجمهوري سكوت جينينغز إلى أن "موقف ترمب جونيور وطريقة تواصله لا تجعله يبدو وكأنه شخصية سياسية عادية، وهذا جزء من الجاذبية، فهو مثل والده لا يشاركون في الهراء السياسي العادي الذي دُرب السياسيون قبل ترمب على القيام به".