في وقت يستعد البنك المركزي الأميركي إلى إجراءات استثنائية لمواجهة التضخم المرتفع، سجل الدين القومي للولايات المتحدة رقماً قياسياً وتاريخياً عند مستوى 30 تريليون دولار، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية.
وتسارع الاقتراض الحكومي خلال جائحة كورونا، إذ أنفقت واشنطن بقوة لتخفيف الضربة الاقتصادية للأزمة. وارتفع الدين القومي بنحو 7 تريليونات دولار منذ نهاية عام 2019، أي بزيادة نسبتها 30.4 في المئة خلال ثلاث سنوات.
في الوقت نفسه، من المصعب معرفة مقدار الدين بأكثر من اللازم، ولا يزال الاقتصاديون منقسمين حول حجم هذه المشكلة بالفعل. لكن أحدث بيانات للديون تأتي في وقت دقيق، إذ من المتوقع أن ترتفع تكاليف الاقتراض مع اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة خلال العام الحالي.
تكلفة باهظة لفائدة الديون
وبعد سنوات عديدة من أسعار الفائدة المتدنية للغاية، يتحول الاحتياطي الفيدرالي إلى وضع إجراءات استثنائية لمكافحة التضخم، إذ يخطط لإطلاق أول سلسلة من زيادة أسعار الفائدة منذ عام 2015. وستؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى زيادة صعوبة تمويل هذا الجبل من الديون.
ويقول ديفيد كيلي، كبير الاستراتيجيين العالميين في "جي بي مورغان" لإدارة الأصول، إن "هذا لا يعني أزمة قصيرة الأمد، لكنه يعني أننا سنكون أفقر على المدى الطويل"، إذ من المتوقع أن تتجاوز تكاليف الفائدة وحدها خمسة تريليونات دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، وستصل إلى ما يقرب من نصف إجمالي الإيرادات الفيدرالية بحلول عام 2051، وفقاً لمؤسسة "بيتر جي بيترسون"، وهي منظمة تركز على زيادة الوعي بالتحدي المالي.
وأشار كيلي إلى أن ارتفاع تكاليف الاقتراض سيحد من حجم الأموال التي يمكن أن تنفقها واشنطن على أولويات أخرى مثل تغير المناخ.
كومة الديون تتصاعد بشكل مرعب
البيانات تشير إلى أن الحكومة الفيدرالية تدين الآن بحوالى ثمانية تريليونات دولار للمستثمرين الأجانب والدوليين، بقيادة اليابان والصين. وفي النهاية، يجب سداد كل هذه الديون بالفائدة الخاصة بها. ويقول كيلي، إن "هذا يعني أن دافعي الضرائب الأميركيين سيدفعون مقابل تقاعد الناس في الصين واليابان، وهم دائنون لنا".
وكشفت شبكة "سي أن أن"، أن رقم الدين القومي البالغ 30 تريليون دولار مبالغ فيه إلى حد ما بسبب حقيقة أن جزءاً من الأموال تدين به الحكومة لنفسها. هذا هو الدين المحتجز في الضمان الاجتماعي والصناديق الاستئمانية الحكومية الأخرى. ويزيد إجمالي الموجودات المزعومة داخل الحكومة على ستة تريليونات دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، فقد ارتفع الدين القومي بشكل كبير في العقود الأخيرة، مدفوعاً جزئياً بالأزمة المالية لعام 2008، ثم جائحة كورونا وما أوجدته من تداعيات خطيرة على الإنفاق العام، وخصوصاً على القطاع الصحي. وقد بلغ إجمالي الديون المستحقة 9.2 تريليون دولار في ديسمبر (كانون الأول) 2007 في الوقت الذي بدأ فيه الركود العظيم، وفقاً لبيانات الخزانة. وبحلول الوقت الذي تولى فيه الرئيس السابق دونالد ترمب منصبه، بلغ الدين القومي حوالى 20 تريليون دولار.
وقال مايكل بيترسون، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بيترسون"، "فاقم فيروس كوفيد المشكلة... كان لدينا حالة طارئة تطلبت تريليونات الدولارات من الإنفاق... لكن المشاكل الهيكلية التي نواجهها كانت موجودة قبل فترة طويلة من انتشار الوباء".
وأضاف، "حتى قبل كوفيد، ترأس ترمب زيادة حادة في الدين الوطني، سلطت الضوء عليها التخفيضات الضريبية الهائلة التي تم سنها في أواخر عام 2017 - في وقت كان الاقتصاد الأميركي مزدهراً ولم يكن بحاجة إلى تحفيز مالي... سيضيف قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017 ما بين 1 تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار من الديون الفيدرالية بين عامي 2018 و2025، وفقاً لمركز السياسة الضريبية". وتابع بيترسون، "يلاحظ المركز أن التأثير سيكون أكبر إذا تم تمديد بعض التخفيضات الضريبية المؤقتة".
حالة من الاستقطاب السياسي
ويرى بيترسون أن الدوافع الرئيسة لـ"الوضع المالي الخطير" تظل شيخوخة السكان وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. وألقى باللوم على الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء في تراكم الديون الوطنية. وتابع، "وضعنا المالي الحالي هو نتيجة سنوات عديدة من عدم المسؤولية المالية من كلا الطرفين... المطلوب لإخراجنا من هذا الوضع هو الصدق والقيادة من المسؤولين المنتخبين لدينا".
ومع ذلك، لم يكن هناك أي تقدم فعلي في واشنطن في معالجة الديون الوطنية، ولا يزال الطرفان منقسمين بشدة حول العديد من القضايا. وأشار بيترسون إلى أن "استقطاب حكومتنا، وإلى حد ما، سكاننا، يجعل تنفيذ الحلول أكثر صعوبة... إذا لم نرتب بيتنا المالي، فستصبح كل هذه المخاوف الأخرى مثل المناخ وعدم المساواة والأمن القومي أكثر صعوبة".
وفي استطلاع حديث، قال نحو 67 في المئة من الأميركيين، إن الإنفاق الحكومي يمثل مشكلة كبيرة لاقتصاد البلاد، وقال 80 في المئة، إن هذه مشكلة كبيرة، وعلى قدم المساواة تقريباً مع الوباء (قال 65 في المئة إن كوفيد-19 مشكلة كبيرة).
لكن هناك فجوة حزبية واسعة في هذه القضية، إذ وصف 90 في المئة من الجمهوريين الإنفاق الحكومي بأنه مشكلة كبيرة، مقارنة بـ70 في المئة من المستقلين و44 في المئة من الديمقراطيين.
وفي عام 2020، تجاوز إجمالي الدين العام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية نحو 100 في المئة، قبل سنوات من الموعد المحدد. للسياق، فإن نسبة دين اليابان إلى الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز 200 في المئة.
كيف سيتعامل الاحتياطي الفيدرالي؟
وقبل أيام، أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، بأن الوضع المالي لا يمكن أن يستمر في المسار الحالي. وقال للمشرعين الشهر الماضي، "نحن على طريق غير مستدام... الدين ليس عند مستوى غير مستدام، ولكن المسار غير مستدام، وهذا يعني أنه ينمو أسرع من الاقتصاد، وأسرع بشكل ملموس من الاقتصاد... علينا معالجة ذلك بمرور الوقت، وسنتعامل معه بمرور الوقت... والطريقة الأفضل لذلك أن نفعل ذلك قريباً".
لكن هذا لن يكون سهلاً، أو شائعاً سياسياً. وسيكون الأمر معقداً بسبب الزيادات التي يخطط لها بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. وعلى الرغم من أن الدين الوطني لا يزال يصل إلى مراحل جديدة، فإن مدفوعات الفائدة للحكومة الفيدرالية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي أقل اليوم مما كانت عليه في الماضي. وهذا يعطي الثقة للعديد من الاقتصاديين بأن هذه ليست أزمة فورية.
وفي عام 2021، بلغت الفائدة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي 1.5 في المئة، مقارنة بنحو 3 في المئة في أوائل ومنتصف التسعينيات، وفقاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس.
وقال كيلي، "لا أرى انهياراً قصير المدى هنا"، لكنه أضاف أنه لا يزال من المنطقي تخفيض الدين الوطني تدريجاً. وأوضح، "لا تريد أن تفعل ذلك بسرعة كبيرة... هذا اقتصاد مدمن على الديون الحكومية... لكن الخطر هو أنه يستمر في النمو حتى يتسبب في النهاية في مشكلة كبيرة".