لم يمثل عام 2021 فشلاً كاملاً في التعامل مع تغير المناخ. ففي الواقع، توج سكان مدينة نيويورك عاماً من الاستجابة المناخية الدولية الباهتة بانتصار تاريخي. في ديسمبر (كانون الأول)، أصبحت مدينة نيويورك أكبر مدينة في الولايات المتحدة تحظر استخدام الغاز والوقود الأحفوري في المباني الجديدة.
الخطوة ضخمة من دون شك. فمدينة نيويورك هي المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة، وهي مركز قطاع العقارات البالغة قيمته 10.5 تريليون دولار، ومركز للطاقة التجارية على الساحة العالمية.
ووفق ما يحب مناصرو تحالف #مدينة_نيويورك_الخالية_من_الغاز المنظم على مستوى القاعدة الشعبية – وتقوده المنظمة البيئية الوطنية "مراقبة الأغذية والمياه"، إلى جانب جماعات تتخذ من المدن والولاية مقراً – أن يقولوه، فإن ما يحدث في نيويورك لا يبقى في نيويورك. فحيث تتولى مدينة نيويورك القيادة، يتبع العالم خطاها.
يأتي حظر الغاز في وقت مهم. فكما أشار أحدث تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الدولية للتغيرات المناخية في تحليلها لأزمة المناخ الذي حمل العنوان "تحذير للبشرية"، يتجه العالم إلى تجاوز 1.5 درجة مئوية [إضافة إلى المستوى المعروف قبل الثورة الصناعية] من الاحترار في العقود المقبلة، ما يشكل كارثة في كل مكان. ومن أجل الحد من الفوضى، أعلن خبراء دوليون على نحو لا لبس فيه أن استخراج الوقود الأحفوري واستخدامه لا بد من أن يتوقفا على الفور.
ومدينة نيويورك وحدها مسؤولة عن خمسة في المئة من الغاز المستهلك في المباني على مستوى البلاد، ومبانيها تشكل المصدر لـ70 في المئة من التلوث الذي يزيد حرارة المناخ في المدينة. ويجب أن يشمل الانتقال من الوقود الأحفوري المباني التي نعيش فيها ونعمل ونلعب فيها. وفي مدينة نيويورك، يحدث ذلك الآن.
فحظر الغاز الذي تفرضه المدينة يقنن تحولاً كان يحدث في مختلف مجالات قطاع البناء لسنوات. وليست تكنولوجيا البناء الكهربائي مفهوماً جديداً؛ لقد تبنت أكثر من 70 مدينة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الوعد ببناء مبان خالية من الوقود الأحفوري.
وقبل صياغة مشروع قانون حظر الغاز، شيّد بناة [معماريون] في نيويورك 79 مبنى خالياً من الوقود الأحفوري، نصفها يُشَاد وفق معايير البيت السالب [الكفء جداً على صعيد استهلاك الطاقة]، وهذا يعني أنها أكثر صرامة مما يتطلبه الحظر الجديد على الغاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس البناء في غياب الوقود الأحفوري ممكناً فحسب، بل إنه أفضل – ولا سيما لصحتنا. فعلى مستوى العالم، يؤدي تلوث الهواء داخل المساكن إلى أربعة ملايين وفاة سنوياً. وفي مدينة نيويورك، يُعَد احتراق الوقود الأحفوري في الأماكن المغلقة مسؤولاً عما يقدر بنحو ألف و114 وفاة مبكرة كل سنة، وعن 12.5 مليار دولار في التكاليف الصحية. وتقع هذه الآثار الصحية في شكل غير متناسب [غيري متكافئ ومنصف] على عاتق المجتمعات الملونة. ومن بين أكبر الجناة موقد الغاز، الذي يشكل أداة منتشرة في كل مكان، بفضل حملة التسويق الضخمة لقطاع الغاز. ومع حظر مدينة نيويورك استخدام الغاز، ستشهد المباني الجديدة سكاناً يطبخون على المواقد الكهربائية أو تلك العاملة بالحث المغناطيسي، ما يبعد تلوث الهواء داخل المساكن وينقذ الأرواح.
وقد يعني البناء في غياب الوقود الأحفوري انخفاض تكاليف البناء وانخفاض فواتير الطاقة. فالكهرباء تواكب زيادة كفاءة الطاقة، ما يقلل من استخدام الطاقة وتكلفتها على حد سواء. ومع كل مبنى نبنيه اليوم باستخدام أدوات الوقود الأحفوري ومعداته، نترك مالكي المنازل والمقيمين مع أصول عتيقة، ونهدر وقتنا وأموالهم في بناء مبان عفا عليها الزمن قبل الانتهاء منها. ويمكن للمالكين و 63 في المئة من سكان مدينة نيويورك الذين يؤجرون منازلهم أن يتوقعوا أن يشعروا بالتوفير في الكهرباء في محافظهم. فالسكان الحاليون في المباني الخالية من الوقود الأحفوري في مدينة نيويورك يبلغون عن فواتير طاقة منخفضة تصل إلى 30 دولاراً شهرياً – أي عُشْر متوسط المدينة.
كذلك أصبح البناء في غياب الوقود الأحفوري أكثر أماناً. ففي ديسمبر أدى انفجار غاز في بروكلين إلى تشريد 54 شخصاً وإصابة ستة آخرين بجروح، ما دفع إلى إرسال اثنين إلى المستشفى لتلقي العلاج الفوري. واستغرق إطفاء الحريق المصنف عند الدرجة الثالث من الإنذار 138 من رجال الإطفاء. ومن المؤسف أن هذه الأحداث ليست نادرة. ففي المتوسط، هناك "حادث أو حادثة" في أنظمة توزيع الغاز في الولايات المتحدة كل ستة أيام – على صعيد العالم، ترتفع هذه الأرقام إلى مستويات أعلى. والتسمم بأول أوكسيد الكربون، الذي كثيراً ما ينتج من خطوط الغاز وأدواته التي تعاني من تسرب، يُعَد أيضاً خطراً جسيماً على السلامة، يؤدي على مستوى العالم إلى ما يُقدَّر بنحو مليون حالة وفاة وأكثر من 36 ألف حالة وفاة سنوياً.
كأي قطاع عملاق، يتردد قطاعا البناء والعقارات في تغيير عاداتهما. لكن التغيير الأبطأ يعتمد على الوقت الذي لا نملكه. وعندما يتعلق الأمر بتخفيف أزمة المناخ، تستطيع مبانينا ويجب عليها أن تشكل جزءاً من الحل الفوري لخفض إدماننا على الوقود الأحفوري. فبعد كل شيء، نحن نبني مباني جديدة كل يوم.
يشكل حظر مدينة نيويورك الغاز الدفعة التي يحتاج إليها قطاعنا لبناء مبان ذكية مناخياً وإعادة تنشيط قطاع البناء. ويتوقع خبراء أن تؤدي كهربة المباني إلى توليد ما يصل إلى 25 مليون وظيفة على مدى السنوات الـ15 المقبلة. ولا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة.
فمع وضع قوانين مثل قانون مدينة نيويورك قيد التطبيق، لن تزيد وتيرة الابتكار المعماري والتكنولوجي إلا سرعة، وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لثورة بناء خضراء. وخبراء القطاع مستعدون لقيادة الطريق في بناء مبان أكثر صحة وأرخص تكلفة وأكثر أماناً.
وقريباً سنجد المباني من مدينة نيويورك إلى لندن، ومن لاغوس إلى جاكرتا، تتسم بعجائب معمارية لا تحمل تكاليف مناخية ثقيلة، وستتمكن العائلات من تربية الأطفال في منازل أكثر صحة للناس والبيئة من تلك التي نعيش فيها اليوم. وأنا، مثلاً، لا أستطيع أن أنتظر حتى أتمكن من بناء ذلك المستقبل.
*جون بوب هو المقاول الرئيسي في شركة التعاقد المستقلة، جون بوب للبناء، التي تتخذ من بروكلين بنيويورك مقراً. وهو متطوع في "مراقبة الأغذية والمياه"، وهي منظمة بيئية أدت دوراً رائداً في تمرير حظر الغاز في مدينة نيويورك في ديسمبر 2021
© The Independent