تراجعت محال كي الملابس عبر "مكواة الرِجل" التراثية بالمحافظات المصرية، بفضل التقدم التكنولوجي الهائل في الكي بالبخار، إلا أن عم "زين العابدين" البالغ من العمر 77 عاماً قرر ألا يهجر المهنة التي ورثها عن أبيه وعمل بها وهو ابن السابعة في محافظة المنيا شمال صعيد مصر ليقاوم بذلك اندثار تلك المهنة ويصبح أحد أقدم العاملين بها.
لياقة بدنية ويقظة
يقول زين العابدين لـ"اندبندنت عربية"، "مهنة كي الملابس (بمكواة الرجل) تتطلب من العاملين فيها يقظة وانتباهاً ولياقة بدنية كبيرة، فوزن أصغرها لا يقل عن 18 كيلو، وتوضع على موقد النار تحت حرارة متقدة للتسخين على غاز البوتاجاز لمدة نصف ساعة، لتسحب بعد ذلك ويوضع عليها حاجز خشبي مقوى بحجم طول القدم، لتبدأ عملية كي الملابس الفاخرة من الصوف والكشمير والقطيفة، عبر وضع قدم العامل عليها والإمساك بيد المكواة ويبدأ بالمشي على الملابس، بوضع الانحناء على الملابس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جودة لا تقارن
وأضاف زين العابدين "أن المهنة التراثية تراجعت بسبب التقدم التكنولوجي الهائل في الكي بالبخار وغيرها المنزلية، الأمر الذي جعل العملاء يعتمدون على أنفسهم، على الرغم من ذلك كله فإن جودة الكي عبر (مكواة الرِجل) لا تنافس مع صيحات نظيرتها الحديثة، فبسبب حجم الأولى الكبير ودرجة الحرارة الشديدة تخرج الثياب في أفضل شكل متناسق يصعب معه الانكماش"، لافتاً "أن عدداً كبيراً من العاملين في المهنة التراثية باعوا معداتهم لتجار الخردة بعد أن هجر كثير من العملاء كي ملابسهم بهذه الطريقة، وغيروا مجال العمل لحرف أخرى أكثر رواجاً".
تقدير بعض الوجهاء
وأشار إلى "أن بعض العملاء الذين يقدرون جودة الكي بـ(مكواة الرجل) لم يستطيعوا التكيف مع نظيرتها الحديثة بأحجامها الصغير وجودة كيها قصير الأجل، لذلك قررت ألا أهجر المهنة"، مشيراً إلى "أن الفارق بين عميل الزمن القديم والعصر الحالي أن الأول كان يقدر الوجاهة ولا يبخل عليها بوقته أو ماله أو جهده، لكن الأخير مصاب بداء السرعة في كل شيء حتى في وجاهته، لذلك يحرص عدد كبير من عمد ووجهاء محافظة المنيا على كي ملابسهم بالطريقة التقليدية، لأن ذلك بالنسبة لهم ميراث اكتمال الوجاهة".
وذكر زين العابدين "أنه علّم اثنين من أبنائه أسرار وتفاصيل المهنة لحمايتها من الاندثار بعد وفاته"، مشيراً إلى "أن أصعب ما يواجه وهو في هذه السن الكبيرة حمل المكواة من على موقد التسخين إلى الملابس لحجمها الكبير"، مؤكداً "أنه فخور بعمله في تلك الحرفة التي باتت مهجورة رغم نصائح الجميع له بتركها لأنه ينظر إليها كميراث لا يستغنى عنه، للتقدير الكبير الذي يحمله بعض وجهاء الصعيد إلى أهمية كي ملابسهم الفاخرة من الصوف والكشمير بها".