انطلقت الاثنين، السابع من فبراير (شباط)، في العاصمة الخرطوم، أولى مسيرات هذا الشهر، التي دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة تحت شعار "مليونية 7 فبراير"، للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين كاملة من دون مشاركة العسكريين، وذلك رداً على القرارات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بإعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المكون المدني، ما اعتبرته قوى سياسية ومجتمعية عريضة انقلاباً عسكرياً، وتتزامن هذه المسيرة مع مسيرات أخرى تنطلق في بقية المدن السودانية.
وأفاد صحافيون بأن الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والمياه الملونة لتفريق المتظاهرين على بعد حوالى 500 متر من قصر الرئاسة بوسط العاصمة، ما أدى إلى إصابة البعض.
وهتف المتظاهرون "العسكر إلى الثكنات والجنجويد ينحل"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع التي انبثقت عن ميليشيات الجنجويد التي اتهمتها منظمات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب عام 2003 في إقليم دارفور غرب البلاد.
وامتدت الاحتجاجات إلى خارج العاصمة، إذ قال خالد يوسف، أحد شهود العيان من مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تبعد 186 كيلومتراً جنوب الخرطوم، "في الواحدة تماماً تجمع حوالى ثلاثة آلاف متظاهر وحمل بعضهم الأعلام السودانية وصور للضحايا وبدأوا يهتفون لا لا لحكم العسكر". وقالت سامية محمد، وهي شاهدة عيان من مدينة بورتسودان الساحلية في شرق البلاد، "تجمع ألفا متظاهر في محطة المواصلات الرئيسة بوسط المدينة وهم يحملون أعلام ويهتفون ضد حكم العسكر". كذلك تظاهر ألفا شخص في ولاية القضارف شرق البلاد، حسب شهود عيان.
وبحسب بيان للجان مقاومة الخرطوم، فإن مليونية الاثنين هي للمطالبة بالحكم المدني الكامل، وتضامناً مع المحتجين في شمال البلاد عقب إغلاقهم الطريق القاري الرابط مع مصر، فضلاً عن أنها تأتي تأكيداً لمواصلة طريق الثورة، ورسالة بأن السلطة للشعب، والثورة ثورة شعب، والعسكر للثكنات. وتابع البيان، "نضع بين أيديكم مسارات مليونية 7 فبراير التي توافقنا أن نطلق عليها "مليونية ترس الشمال"، دعماً لرفاقنا في شمال السودان، وعليه ستكون مسارات وأماكن تجمع مواكبنا صوب القصر الرئاسي". وحدد البيان ستة أماكن لتجمع المتظاهرين وسط وجنوب العاصمة الخرطوم قبل التحرك نحو القصر الرئاسي.
تأمين الموكب
في تصريح لـ"اندبندنت عربية" قال والي الخرطوم المكلف الطيب الشيخ، إنه "في إطار الحريات العامة المكفولة بموجب الوثيقة الدستورية، فإن المواكب متاحة ومسموح بها، وعلى المشاركين فيها التحرك حسب الجدول المعلن حتى تتمكن قوات الشرطة من تأمينها، ونحن كحكومة ولاية الخرطوم، نعتقد أنه من المهم أن يكون هناك ترتيب بيننا والجهة المنظمة لمثل هذه المواكب لمنع أي محاولات للتعرض إليه بشكل أو بآخر". وأضاف الشيخ، "كالعادة، تسير ترتيباتنا لهذا الموكب على قدم وساق، وقوات الشرطة هي القوة النظامية الوحيدة التي ستكون موجودة لحماية المتظاهرين مثل كل مرة، وعلى المشاركين في هذا الموكب سلوك المسارات المحددة والابتعاد عن المناطق والمنشآت الاستراتيجية في وسط الخرطوم، وخلاف ذلك، كل شيء متاح، كما أن الجسور والكباري الواصلة بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، والخرطوم، ستكون متاحة أمام حركة السير، ولن يتم إغلاقها في هذا اليوم، وكذلك الحال بالنسبة لشبكة الاتصالات وخدمة الإنترنت".
وحول حوادث القتل والعنف التي صاحبت المواكب السابقة، أجاب والي الخرطوم المكلف، "للأسف الشديد، ما حدث كان عملاً مؤسفاً، والقضية الآن يجرى فيها تحقيق، وأنه على الرغم من تعقيداتها، إلا أنه لا بد من الوصول إلى الحقيقة، ومن قام بأعمال القتل، وحسب الترتيبات لمليونية الاثنين، فإن الأدوات المسموح بها لقوات الشرطة عند حدوث شغب هي قنابل الغاز المسيل للدموع، والرش بخراطيم المياه فقط".
جرس إنذار
في حين، أوضح أحد مؤسسي لجان مقاومة الخرطوم وسط محمد همشري، أن "المواكب التي تنظمها لجان المقاومة من وقت لآخر هي جرس إنذار للسلطة الحاكمة، وتعاهدت هذه اللجان ألا توقف حراكها الثوري حتى سقوط الحكم العسكري، وقد تغير في أي لحظة تكتيكاتها ومسارات ورسائل مواكبها لما أصبحت عليه من خبرة تراكمية في هذا العمل. ونأمل من الطرف الآخر أن يرتقي في التعامل مع هذه المواكب السلمية من دون أن يكون هناك بطش ممنهج، فهي ليست مواكب مسلحة حتى يمارس ضدها هذا العنف المفرط الذي أوقع حتى الآن 79 قتيلاً برصاص الأجهزة الأمنية. فهذه المجموعات الشبابية التي تشارك وتقود هذه التظاهرات مؤمنة بالتحول الديمقراطي وتريد الوصول لحكم مدني كامل في البلاد، ولا بد أن تحتل هذه القوة الشبابية وضعها الطبيعي في المشهد السياسي الذي يسيطر عليه العسكريون وديناصورات السياسة".
وتابع همشري، "المحاولات الجارية لشرعنة الواقع الراهن القائم على انقلاب 25 أكتوبر مضيعة للوقت، لأنه من الصعب فرض حكم عسكري على أغلبية كاسحة لديها استعداد لمناهضته مهما كلفها من ثمن، لذلك، التفاؤل والثقة بالانتصار متوفران، لأننا نعيش حالياً سيناريو الأيام الأخيرة نفسه لنظام عمر البشير الذي سقط بأدوات الشارع الحالية نفسها. فكل الممارسات التي تتبعها السلطة الحاكمة الآن، تؤكد أن هناك سقوطاً أخلاقياً وانزلاقاً غير محمود، ويكذب من يقول إن في استطاعته إيقاف هذا الحراك الذي أصبح ثقافة مجتمع يناهض المحاولات التي تسعى للوقوف ضد التحول الديمقراطي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أنه لا أحد ينظر إلى الجيش السوداني بأنه عدو، بالعكس، الكل يُكنُّ تقديراً كبيراً لهذه المؤسسة العسكرية، ويرى من الواجب أن ترتقي بأن تكون مؤسسة وطنية حامية للتحول الديمقراطي لأن التاريخ لن يرحم. وأكد همشري أن شباب الثورة السودانية ملتزمون بثوابت ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي تتمثل شعاراتها في الحرية والسلام والعدالة. وأشار إلى أن هناك كثيرين يبحثون عن موطئ قدم لهم في أجهزة الحكم في ضوء المبادرات الجارية لحل الأزمة السياسية المستفحلة بين أطراف الصراع من عسكريين ومدنيين، بيد أن مجموعة الحراك الشبابي لا تسعى لذلك، وليس في نيتها أن تكون حاضنة سياسية، فكل همها أن يكون هناك حكم مدني.
تعقد الأزمة
ويعيش السودان منذ 25 أكتوبر حالة من التوتر جرّاء تصاعد موجة التظاهرات المتواصلة في الشارع، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل القوات الأمنية أدى إلى سقوط 79 قتيلاً، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، الأمر الذي وضع الشارع السوداني وقواه السياسية والعسكرية، أمام اختبار صعب في كيفية الخروج من هذه الأزمة التي باتت تتعقّد يوماً بعد يوم في ظل تزايد دائرة العنف لحسم وقمع هذه التظاهرات باستخدام الرصاص الحي والمطاطي، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية من ناحية، واتساع الخلاف بين المكوّنين المدني والعسكري في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من طرح المجتمع الدولي ممثلاً في بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم مبادرة أطلقها رئيسها فولكر بيرتس، فضلاً عن المبادرات الوطنية التي يقودها عدد من الشخصيات السودانية المؤثرة في المجتمع، فإن هذه المبادرات مجتمعة ما زالت في طور المشاورات لإيجاد حلول ناجعة، في وقت يسيطر فيه الانسداد السياسي على المشهد العام.
وبحسب بيان لبعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، فإنها أجرت حتى الآن مشاورات مع أكثر من 20 مجموعة تمثل مختلف منظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق المرأة، والأحزاب السياسية، والأكاديميين، والخبراء الوطنيين من أجل إنجاح الوساطة الأممية التي دخلت أسبوعها الرابع.