اشترط قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، تسليم السلطة للمدنيين في حال حدوث توافق سياسي بين المكونات السياسية كافةً، أو إجراء انتخابات عامة، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية السودانية بجميع وحداتها والأطراف السياسية، ملتزمة بهذا الشرط، ولن تحيد عنه.
وقال أثناء مخاطبته ضباط وضباط صف وجنود الفرقة السادسة مشاة في الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، "نريد أن نسلم السلطة لمواطنين سودانيين منتخبين من قبل الشعب لحكم السودان".
لكن، كيف تنظر القوى السياسية لهذا الشرط لحل الأزمة في البلاد؟ وما رؤيتها للخروج من هذا المأزق السياسي الذي زاد من معاناة السودانيين، بخاصة الاقتصادية، نتيجة تعطل حركة الإنتاج في مجالات عدة؟
بناء ثقة
الأمين العام لحزب الأمة القومي السوداني، الواثق البرير، صرّح، "نحن في حزب الأمة تكلمنا بوضوح عن خريطة الطريق التي طُرحت للخروج من مأزق انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الذي أدخل البلاد في هذا النفق المظلم، فهناك شروط يجب توافرها، كما نحتاج إلى أفعال، وليس أحاديث في الهواء الطلق حتى نخرج من حالة انسداد الأفق التي تسيطر على المشهد السياسي، ومن أهم هذه الأفعال إيجاد عمل لبناء ثقة أو على الأقل وقف القتل المُمارَس بحق الشعب السوداني في الشارع، فأي تظاهرة أو موكب يُقابَل بعنف مفرط يحصد أرواح، ناهيك بعمليات الرعب والنهب والسلب التي تتم في وضح النهار وأمام أنظار الجميع، فالدولة للأسف الشديد تقوم بترعيب مواطنيها بكل معاني الكلمة، لذلك تحدثنا مع ممثل بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم فولكر بيرتس بأن الحل يكون في وقف القتل وبسط الحريات، فهناك انتهاكات وتكميم للأفواه، وكل يوم تشهد البلاد عودة إلى مربع الشمولية بشكل واضح من خلال توقيف إجراءات تفكيك نظام البشير المحلول، وعودة جهاز الأمن والاستخبارات السابق بكامل أدواته وصلاحياته ومنهجه". وأضاف البرير، "الحديث عن التوافق السياسي كشرط من المكون العسكري لتسليم السلطة للمدنيين هو مجرد استهلاك سياسي وكلام غير مُجدٍ، فقضية التوافق ذُكرت ضمن أسباب انقلاب البرهان، وهو حديث غير مُبرَّر ومحاولة لإيجاد إخراج للانقلاب، أو ما سُمي بالعملية التصحيحية، وهي في الحقيقة عملية انقلابية بخرقها الوثيقة الدستورية المتوافَق عليها بحضور دولي وإقليمي مشهود خلال التوقيع عليها في 17 أغسطس (آب) 2019، والجميع تابع خطوات قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية السابقة، لتوسيع قاعدة المشاركة، وكان الهدف الأساسي توحيد القوى المدنية، بما فيها أطراف عملية السلام، بل فتحت الأبواب لقوى أخرى لم تكن موجودة في المجلس المركزي. فهذه الخطوة حرّكت الانقلاب بإعداد المسرحية المشهودة برعاية المكوّن العسكري من خلال تنظيم اعتصام القصر الذي دعت له الإدارات الأهلية والطرق الصوفية وبعض القوى السياسية والحركات المسلحة المتماهية مع الانقلابيين".
مفتاح الحل
وتابع البرير، "بالنسبة لنا، إن وحدة المكون المدني هدف أساسي، وسبق أن أطلقنا، سواء من منصة حزب الأمة أو قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، برامج عدة، وجلسنا مع مجموعة الميثاق الوطني وعدد من المكونات النسوية ولجان المقاومة والمثقفين. ونعتقد أن الاتفاق على الأهداف والبرامج بنسبة مئة في المئة، بعد تجربة حكم شمولي استمرت 30 عاماً، أمر مستحيل ولن يحدث، ولا بد أن يكون هناك تباين، لكن الاتفاق على الحد الأدنى موجود لتحقيق التحول الديمقراطي، بالتالي من المهم الرجوع إلى صوت العقل. ونؤكد أنه من تجربتنا السابقة، أن التوافق السياسي عن طريق الحوار المباشر في شكل مائدة مستديرة هو المفتاح لحل الأزمة السياسية المستفحلة حالياً، وأي محاولة لفرض أمر واقع لن تجدي نفعاً أبداً".
ورأى الأمين العام لحزب الأمة القومي، أن "الحديث عن الانتخابات عبارة عن كلمة حق يُراد بها باطل في ظل حكم شمولي، لأنها بكل تأكيد لن تكون نزيهة، فنحن كقوى سياسية أصحاب مصلحة أصيلة، حيث نريد انتخابات حرة تفضي إلى شرعية دستورية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي، لكن في ظل الواقع الراهن وما يحدث من قتل ونهب وانعدام القانون، لن تكون الانتخابات وفق هذه المعطيات السلبية مُجدية بأي حال من الأحوال، بل ستقود البلاد إلى مأزق خطير ومشهد يهدد السودان ويمزقه إلى أبعد ما يكون".
جبهة عريضة
في السياق، قال الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني محمد يوسف أحمد، "كما هو معلوم أن القوى السياسية الثورية توصلت عقب إطاحة نظام الرئيس المعزول عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، إلى توافق مع المكوّن العسكري بموجب وثيقة دستورية، لكن من المؤسف أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان غدر بهذا التوافق وأصابه في مقتَل بإعلانه في 25 أكتوبر حالة الطوارئ في البلاد وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية وإلغاء الشراكة مع المدنيين. وكونه يأتي للحديث عن التوافق من جديد والبحث عنه بعد أن كان متوفراً له قبل انقلابه على الشرعية الدستورية، فهذه مفارقة عجيبة تدل على حالة الاضطراب وعدم النضوج الفكري والسياسي. أما الحديث عن الانتخابات فهو مجرد كلام للاستهلاك فقط، فلا أعتقد أن شخصاً غير قادر على تحمل رأي مجموعة من الشباب السلميين، وهم يتظاهرون في الشارع، بل يقوم بقتلهم واعتقالهم من المستشفيات دون إكمال علاجهم سيكون مؤهَلاً لإدارة أي عملية انتخابية نزيهة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أحمد أن "القوى السياسية المناهضة للانقلاب متجهة بكليتها لتكوين جبهة عريضة وفق رؤية سياسية موحدة، وسيكون مسرحها الأساسي الشارع باعتباره الطريق الوحيد لمقاومة انقلاب 25 أكتوبر، حيث سيتم اتباع وسائل عدّة مُجرّبة تاريخياً وكفيلة بإبعاد العسكر عن المشهد السياسي، مثل المواكب والعصيان المدني والوقفات الاحتجاجية، وغيرها، وإن كانت تحتاج إلى مزيد من التنسيق بين القوى السياسية والمدنية والمهنية ولجان المقاومة".
توسيع المشاركة
في المقابل، اعتبر الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة السودانية، محمد زكريا، أن "القوات المسلحة السودانية انحازت إلى الثورات الشعبية في أعوام 1964، و1985، و2019، بالتالي فإن المنظومة الأمنية في البلاد هي جزء من ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وما تم توقيعه من وثيقة دستورية أفضى إلى شراكة بين المكونين المدني والعسكري، لكن تجربة الحكم الماضية شهدت شرخاً أنتج الواقع الاستثنائي الحالي بصدور قرارات 25 أكتوبر. وعليه نقرّ بأن الوضع السياسي الماثل أمامنا مُعقّد للغاية، وأن المدخل الرئيس لمعالجته يتمثل في تصحيح الشراكة وفق أسس جديدة، وهذا لن يتم إلا بإدراك وتلافي الأخطاء السابقة وتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل كل القوى السياسية باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول".
وزاد زكريا، أن "المتابع لمجريات الأحداث يعلم جيداً أن قوى الحرية والتغيير التي وقّعت الوثيقة الدستورية كممثل للمكوّن المدني ليست الآن قوى الحرية والتغيير التي شهدت انقسامات ضربت أجسامها لتصبح عبارة عن 4 مجموعات، لذلك فإن المشروعية الوحيدة التي تعطي حق تسليم السلطة هي حدوث توافق سياسي بين كل المكونات وبعدم الذهاب إلى صندوق الانتخابات، بالتالي فإن تصريحات البرهان الأخيرة حول مسألة تسليم السلطة عبر التوافق السياسي أو الانتخابات تتفق وواقعنا الراهن، حيث لا توجد أي جهة أياً كانت، تملك حق تسليم السلطة تحت أي ذريعة أو مسوّغ".
79 قتيلاً
ويعيش السودان منذ 25 أكتوبر الماضي، حالة من التوتر جرّاء تصاعد موجة التظاهرات المتواصلة في الشارع، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل القوات الأمنية أدّى إلى سقوط 79 قتيلاً، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، الأمر الذي وضع الشارع السوداني وقواه السياسية والقوى العسكرية، أمام اختبار صعب في كيفية الخروج من هذه الأزمة التي باتت تتعقد يوماً بعد يوم في ظل اتساع دائرة العنف لحسم وقمع هذه التظاهرات باستخدام الرصاص الحي والمطاط، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية من ناحية، واتساع شقة الخلاف بين المكونَين المدني والعسكري في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من طرح المجتمع الدولي، ممثَلاً في بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، مبادرةً أطلقها رئيسها فولكر بيرتس، فضلاً عن المبادرات الوطنية التي تقودها شخصيات سودانية مؤثرة، إلا أن هذه المبادرات مجتمعة لم تُحرز التقدم الملحوظ باتجاه بوادر حلول ناجعة، فما زال الانسداد السياسي مُسيطراً على المشهد العام.