حقق الفيلم الإيطالي "يد الله" The Hand of God للمخرج باولو سورنتينو الذي انطلق عرضه على "نتفليكس" نهاية العام الماضي، شعبية كبيرة. ونجح العمل في أن يغزل حكاية درامية لافتة في تفاصيلها، استناداً إلى عبارة يحفظها عشاق كرم القدم، "إنها يد الله" التي علق بها مارادونا على تسجيله هدفاً في شباك منتخب إنجلترا بمباراة ربع النهائي بكأس العالم 1986، إذ دارت أحداث الفيلم في ثمانينيات القرن الماضي، حينما كان يتفاوض نادي نابولي المتواضع حينها مع الاسم الأبرز في عالم كرة القدم الأرجنتيني مارادونا. عبارة واحدة فقط قالها لاعب صاخب في حياته وفي الملعب لا تزال تنسج حولها قصص وأساطير وأفلام تمتع الجماهير.
يأتي هذا بالتوازي مع حالة التوحد التي عاشتها الجماهير العربية أخيراً مع بطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في الكاميرون، إذ حققت فيها عدة فرق عربية مراكز متقدمة، فيما نافس المنتخب المصري في المباراة النهائية، التي حصد فيها منتخب السنغال اللقب.
هل ظلمت الكوميديا كرة القدم؟
قبل وبعد وفي أثناء المباريات والبطولات المهمة، دوماً هناك قصص على أرض الواقع تضاهي دراما الملعب بكثير، إذ التجمعات الحماسية، والتأثر القوي والتوحد مع أداء الفرق، والإلهام الذي يتسرب إلى مشاهدي المنازل ورواد المدرجات، بسبب ما يجري على المستطيل الأخضر.
وحتى الآن، لا توجد لعبة تضاهي كرة القدم في شعبيتها، إذ اجتمعت عليها الجماهير في أنحاء الأرض. وحواديت تلك اللعبة وعشاقها لا تنتهي، وتبدو ثرية وصالحة للتجسيد على الشاشة من خلال لمحات إنسانية خالصة، تقول الكثير عن طبيعة المجتمعات، ومدى تأثير تلك اللعبة على حياتهم.
اللافت أن هذا المنظور في تناول لعبة كرة القدم في السينما المصرية قلما ظهر، في حين يفضل كثير من صناع الأفلام أن يكون ظهور كرة القدم في الأفلام بشكل سطحي أو حتى من التركيز على الناحية الكوميدية فقط.
وبدا هذا واضحاً في أفلام من نوعية "سيد العاطفي"، و"الزمهلوية" و"كابتن مصر" و"رجل فقد عقله"، و"4 - 2- 4"، و"أونكل زيزو حبيبي"، و"يا رب ولد"، وبالطبع عدد من تلك الأعمال تتمتع بجودة فنية عالية ولها جماهيرية، لكن عالم كرة القدم أكثر رحابة من هذا بما أنها لعبة تؤثر بشكل مباشر في قرارات الجماهير، وتفاصيل يومهم، وفي شبكة علاقاتهم الاجتماعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجارب جادة وأكثر واقعية
وظهر بعض مشاهير كرة القدم كممثلين في عدد من الأفلام، سواء بشخصياتهم الحقيقية أو بأدوار بعيدة عن مجالهم، بينهم خالد الغندور وجمال عبد الحميد وإبراهيم سعيد، وعادل هيكل، أما الأكثر تميزاً وشهرة فهو الراحل صالح سليم.
وكانت فترة الثمانينيات هي الحقبة التي قدمت فيها السينما المصرية أكبر عدد متنوع من أفلام كرة القدم، ربما لأنها الفترة التي شهدت التألق الكبير لأشهر لاعب في العالم الأرجنتيني ديغو أرماندو مارادونا، إذ استغل السينمائيون تلك الحالة، وقدموا ما تريده الجماهير.
واللافت أن التجارب السينمائية التي قرأت جيداً قوة تأثير هذه اللعبة في يوميات الجماهير العربية تبدو متميزة على مستويات عدة، وتلمس واقع المشاهدين بالفعل، بل وتحمل إسقاطات مهمة، بينها فيلم "فوزية البرجوازية"، الذي عرض عام 1985 من بطولة إسعاد يونس وصلاح السعدني.
ويحمل الفيلم لمحات كوميدية، كما يتناول قضية بارزة وجادة، وهي الاستقطاب السياسي والتحزبات، وذلك من خلال الحديث عن التعصب الكروي لقطبي الكرة المصرية: الأهلي والزمالك، والعمل مأخوذ عن قصة للكاتب الساخر أحمد رجب، وأخرجه إبراهيم الشقنقيري.
قبلها بثلاثة أعوام، عرض فيلم مهم آخر ضمن أفلام كرة القدم، وهو "غريب في بيتي" لنور الشريف وسعاد حسني، وحملت القصة كثيراً من تفاصيل الواقع عن الشاب القادم إلى المدينة (شحاتة أبو كف)، ليلعب في نادي الزمالك، ويتعرض لعملية احتيال، تضطره إلى أن يمكث في الشقة مع امرأة تعول طفلها، وتميز الفيلم بخفة ظل وسلاسة، ويعتبر من أشهر وأبرز أفلام كرة القدم، وهو من تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف.
وفي عام 1984، قدم المخرج محمد خان والمؤلف بشير الديك فيلم "الحريف" لعادل إمام وفردوس عبد الحميد، وتبرز الأحداث كيف أن عشق البطل كرة القدم واللعب عليها بمراهنات في الشوارع تسبب في انفصال فارس عن زوجته، وعرض الفيلم أن المهارة ليس لها علاقة بالإمكانات المادية التي تقدم للاعبين، فالبطل كان يلعب بالكرة الشراب، ويمتلك قدرات عالية على المراوغة.
هل المحاولات تضاهي الجماهيرية؟
كما يعتبر فيلم "واحد صفر" عام 2009 من أكثر الأعمال التي وظفت كرة القدم بشكل ناجح، حيث أثار جدلاً كبيراً وقت عرضه، نظراً إلى تناوله علاقات إنسانية معقدة كثيراً، وحمل أكثر من قضية، وحقق كذلك نجاحاً في شباك التذاكر، فالأطراف المتناحرة طوال الأحداث اجتمعت على شيء واحد، وهو تشجيع المنتخب المصري في نهائي كأس الأمم الأفريقية عام 2008، والعمل من إخراج كاملة أبو ذكري وتأليف مريم نعوم، وبطولة نيللي كريم وإلهام شاهين وخالد أبو النجا وزينة.
وكذلك فيلم "العالمي" ليوسف الشريف، الذي تدور أحداثه حول حلم البطل في الالتحاق بنادٍ كبير، وبالفعل يحقق هدفه، ويقود مباريات المنتخب المؤهلة لكأس العالم.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات، تبدو تجارب السينمائيين المصريين مع الساحرة المستديرة أقل كثيراً مما تمثله تلك اللعبة للجماهير العربية، وتبدو مكتبة الفن السابع بحاجة ماسة إلى أعمال أخرى توازي شغف الشعوب بهذه اللعبة التي لا يخفت سحرها أبداً.