المحيّر في الحملة الانتخابية لقيادة حزب المحافظين البريطاني هو أن المرشح المفضل بوريس جونسون ليس متقدماً كثيراً على منافسيه. وتشير التوقعات إلى أن فرصه في الفوز هي واحدة من كل ثلاثة. هذا يعني أن يكون رئيس وزرائنا الجديد شخصاً آخر وحظوظه راجحة.
هناك نوعان من العقبات التي يمكن أن تؤدي إلى سقوط جونسون. الأولى هي أنه قد يفشل في الوصول إلى المرحلة النهائية بين المتنافسيْن الأخيرين خلال اقتراع النواب المرجح انطلاقه في 11 يونيو(حزيران). ودرجت العادة على تنظيم الاقتراع يومي الثلاثاء والخميس، فينسحب من يحل في المرتبة الأخيرة في نهاية كل جولة تصويت، كما يمكن لآخرين الانسحاب طوعاً إذا فقدوا الأمل في حظوظهم.
وسيحدد وجود كتلتين من أعضاء البرلمان المحافظين معالم سير هذا الاقتراع من الناحية العملية، حيث ستكون هناك كتلة من داعمي خروج حاد من دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي وكتلة من مؤيدي خروج ناعم منه. وعلى رغم أن الكتلتين هاتين قابلتان للتغير، يُرجح أن ينتمي كل من المتنافسيْن في المرحلة النهائية إلى كتلة مختلفة. هذا يعني أن مرشح كتلة الخروج الحاد من الاتحاد الأوروبي، ربما جونسون أو دومينيك راب، سيتواجه في الجولة الأخيرة مع مايكل غوف أو جيريمي هانت.
وعليه، أول هدف أمام جونسون هو هزيمة راب. فالأخير يتمتع حالياً بدعم عدد أكبر من نواب حزب المحافظين الذين أيدوا علناً حملته، ووعدوا "بجيش" من المؤيدين الجدد يوم الاثنين، بقيادة ليز بروس كبيرة أمناء وزارة الخزانة.
لكن راب يطرح نفسه مدافعاً أكثر حزماً عن الخروج بلا اتفاق من الاتحاد الأوروبي وهو في وضع جيد لاستدراج أصوات المرشحين الآخرين المؤيدين للخروج الحاد من أمثال إستر ماكفي وأندريا ليدسوم بعد انسحابهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا تمكن جونسون من تجاوز راب فإنه سيواجه مرشح الخروج الناعم وجهاً لوجه في التصويت الذي سيجريه أعضاء حزب المحافظين. وإذا كان أعضاء البرلمان المحافظون جادين في اختيار مرشح قادر على صدّ جونسون (أو راب)، فإن عليهم اختيار غوف. ولن يقبل أعضاء الحزب انتخاب أحد مناصري البقاء في الاتحاد الأوروبي بعد أن تحول إلى مناصر للخروج. لذا، قد نكون متجهين صوب مواجهة بين جونسون وغوف – أي تصفية الحسابات بعد بين زعيمَي حملة الخروج.
وهذه على الأرجح المرحلة الأيسر من السباق بالنسبة إلى جونسون. وخلص استطلاع رأي أعضاء الحزب أنجزته مؤسسة يوغوف الشهر الماضي إلى إن جونسون سيهزم غوف أو هانت باثنين مقابل واحد. وتوصل الاستطلاع كذلك إلى أن ثلثي أعضاء حزب المحافظين يؤيدون انسحاباً من دون صفقة. كما كشف استطلاع جديد أجري بعد الانتخابات الأوروبية أن 59 في المئة منهم صوتوا لحزب البريكست.
لكن الشكوك تحوم حول جونسون، فهل يتمتع بالانضباط الذاتي، وكذلك بالثقة بالنفس المشوبة بالجنون، الضروريان لتحقيق النصر. لا يزال بعض أعضاء البرلمان المحافظين يشعرون أن جونسون سبق أن لسعهم حين انسحب من المسابقة آخر مرة، عندما نسف غوف حملته قبل ساعات قليلة من انطلاقها.
وفي هذه المرحلة الحاسمة من الحملة الانتخابية الحالية، عندما يكون أفضل تكتيك عليه التزامه هو الامتناع عن قول أي شيء، قيل لي إن فريق جونسون محبط بشأن عجزه عن التزام الصمت. وفي مؤتمر لسماسرة التأمينات في مانشستر عقد قبل أسبوع من إعلان تيريزا ماي عن مغادرتها أكد أنه سيترشح، وبعدها أطلق سياسته بشأن البريكست في مؤتمر آخر للمسؤولين التنفيذيين في المجال المالي السويسري نهاية الأسبوع الماضي قائلا: "سنغادر الاتحاد الأوروبي في 31 من أكتوبر (تشرين الأول) سواء مع اتفاق أو من دونه".
كتبتُ الأسبوع الماضي أن جونسون يبدو وكأنه حشر نفسه في مسألة البريكست وأكدت أن ولايته في رئاسة الوزراء ستكون كارثية وقصيرة الأمد. وهذا الأسبوع لم أعد حتى واثقاً من أنه سيبلغ هذه المرحلة.
وليس ذلك لأنني أعتقد أن غوف مرشح قوي. فهو لا يتمتع بشعبية في أوساط مجموعات المصالح في البرلمان، وهو كان مسؤولاً أمامها في وزارته. قال لي أحد أعضاء البرلمان المحافظين المؤيدين لخروج ناعم أنه سيؤيده، غير "أن المزارعين الذين أمثلهم لا يطيقونه". كما أن المدرسين وأهل التلامذة، وهم جزء كبير من السكان، لا يحتفظون بذكريات طيبة عنه يوم كان على رأس وزارة التعليم.
لكن حملته التي أطلقها بالفيديو هذا الصباح كانت رائعة وتحمل رسالة محورية صيغت بشكل جيد "لا يكفي فقط أن تؤمن بالبريكست – عليك أن تكون قادراً على تنفيذه".
لا أعتقد أن بمقدور أي رئيس للوزراء تنفيذ البريكست، وهو ما يجعلني أعتقد أن الفشل هو مصير حزب المحافظين. لكن، إن كان ثمة شخص قادر على تنفيذ بريكست، فهو غوف. ومفاد المقالات التي يكتبها جونسون في صحيفة "ديلي تيليغراف" هو أنه ينبغي على الناس أن يضعوا حداً لتعاستهم الدائمة وأن يتحلوا عوضاً عنها بالإيمان. ويبدو هذا كما لو أنه يشك في نفسه؛ كما لو أنه يحث نفسه على الإيمان.
ولربما كان ما يريده حزب المحافظين هو فقط "الإيمان بالبريكست" أكثر من التعامل المزعج مع الواقع الممل لبرلمان مصمم على عرقلة خروج من دون اتفاق. لكنني أرى أن غوف فكر ملياً بسبل إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وإذا كان التحلي بثقة بالنفس مشوبة بالجنون هي التي سترجح كفة أحد المرشحين، فأعتقد أن حصة غوف منها أكبر من حصة جونسون.
© The Independent