توقّع محللون في قطاع الطاقة ببريطانيا إفلاس المزيد من شركات توزيع الغاز والكهرباء للبيوت والشركات مع احتمال ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل جنوني في حال التصعيد العسكري في أوكرانيا. وبحسب تقديرات هؤلاء يمكن أن يصل سعر الوحدة الحرارية البريطانية (مقياس تسعير الغاز الطبيعي) إلى أكثر من 13.5 دولار (10 جنيهات استرلينية)، أي أكثر من ضعف أعلى مستوى وصلت إليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عند نحو 6 دولارات (4.5 جنيه استرليني).
ومن المتوقع أن يفلس المزيد من شركات التوزيع الصغيرة هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الجملة للغاز والكهرباء، بينما تحدد هيئة تنظيم سوق الطاقة "أوفجيم" سقفاً لسعر البيع للمستهلكين. وكانت 25 شركة، أي أكثر من نصف شركات التوزيع في بريطانيا، قد أفلست خلال ثلاثة أشهر في العام الماضي، على الرغم من أن "أوفجيم" رفعت سقف السعر للمستهلك في أغسطس (آب) وبدء تطبيق الزيادة على الفواتير في أول أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
ومن المنتظر أن ترفع "أوفجيم" سقف سعر الطاقة للمستهلك مجدداً بدءاً من أول أبريل (نيسان) المقبل بأكثر من 50 في المئة، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الجملة للغاز والكهرباء. وهكذا، سترتفع قيمة فواتير الاستهلاك المنزلي في المتوسط السنوي للأسر البريطانية من نحو 1736 دولاراً (1277 جنيهاً استرلينياً) إلى نحو 2680 دولاراً (1971 جنيهاً استرلينياً) بدءاً من الشهر بعد المقبل. ومع الاحتمال القوي بأن تزيد "أوفجيم" السقف مرة أخرى في الصيف، ستصل قيمة الفاتورة للبيت المتوسط ببريطانيا في بداية أكتوبر المقبل إلى نحو 3127 دولاراً (2300 جنيه استرليني)، بحسب تقديرات العاملين في سوق الطاقة بالتجزئة.
وكان وزير الخزانة ريشي سوناك قد أعلن عن مساعدات من الحكومة للأسر الأكثر تضرراً بارتفاع أسعار الطاقة بمجرد أن تقرر رفع "أوفجيم" لسقف أسعار التجزئة بدءاً من أول الشهر بعد المقبل بنسبة 54 في المئة.
استعدادات للأزمة
كل هذه الزيادات واردة نتيجة ارتفاع الأسعار، حتى بدون احتمالات إقدام روسيا على غزو أوكرانيا. أما في حالة التصعيد العسكري، وفرض عقوبات على روسيا، فربما تتوقف صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا التي يصل قدر منها إلى بريطانيا عبر خط الأنابيب الذي يربطها بأوروبا. أو على الأقل، ستقل كميات الغاز الطبيعي الروسي بشدة.
ونقلت صحيفة "الديلي تلغراف" عن مسؤول في الحكومة البريطانية قوله إن الاستعدادات بدأت بالفعل لمواجهة "المزيد من توقف الإمدادات" من الغاز الطبيعي، وذلك منذ بدأت الأزمة بشأن أوكرانيا. وأيضاً بسبب "انخفاض مستويات المخزون من الغاز الطبيعي في أوروبا كلها، وتوقف محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية"، على حد قول المسؤول البريطاني للصحيفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبلغ المسؤولون في هيئة "أوفجيم" نواب مجلس العموم (البرلمان) البريطاني الأسبوع الماضي، أن التطورات الحالية تعني احتمال اللجوء إلى زيادة سقف أسعار الطاقة للمستهلكين مرة أخرى قبل نهاية هذا العام (أي بعد الزيادة المنتظرة الشهر المقبل). وقال رئيس "أوفجيم"، جوناثان بريرلي، إن أسعار الغاز الطبيعي "متقلبة بشدة وبشكل لا يسمح بالتكهن بمستويات الأسعار بشكل محدد".
وأضاف: "من الصعب تقدير كيف سيكون سقف الأسعار (للمستهليكن في بريطانيا) إذا غزت روسيا أوكرانيا، لكن المؤكد أنه ستكون هناك زيادة يدفعها الناس. لسنا خبراء جيوسياسيين، لكننا نتوقع أنه إذا غزت روسيا أوكرانيا فسيكون هناك نظام عقوبات، وستحد روسيا من صادرات الغاز إلى أوروبا. وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بالتالي ارتفاع قيمة الفواتير التي يدفعها المستهلكون".
غاز بريطانيا
يذكر أن بريطانيا كانت مكتفية ذاتياً من الغاز الطبيعي من إنتاج بحر الشمال والبحر الإيرلندي حتى قبل عقدين من الزمن. وكان إنتاجها إلى حد كبير يلبي احتياجات الغاز للبيوت والمصانع، وأيضاً الكهرباء التي يتم توليدها من محطات تعمل بالغاز الطبيعي. وفي عام 2004 كان كل استهلاك بريطانيا من الغاز الطبيعي يأتي من حقول بحر الشمال، لكن مع تراجع الإنتاج أصبح إنتاج بحر الشمال لا يلبي سوى أقل من نصف حاجة بريطانيا الآن. ويوفر الإنتاج البريطاني من الغاز الطبيعي ما يلبي 43 في المئة من الطلب المحلي، بينما النسبة الأكبر من الطلب البريطاني على الغاز الطبيعي تتم تلبيتها من واردات عبر خط الغاز مع أوروبا، وتشكل إمدادات الغاز الروسي منها نسبة 5 في المئة من احتياجات بريطانيا، والنسبة الأكبر من إمدادات الغاز لبريطانيا عبر خط الأتابيب الذي يربطها بالقارة تأتي من النرويج. أما نسبة 13 في المئة الباقية فتتم تلبيتها من واردات الغاز الطبيعي المسال بالناقلات، وأغلبها من دول الشرق الأوسط.
ومما يزيد من أزمة الغاز الطبيعي في بريطانيا أنها لم تعد تملك مخزونات كبيرة من الغاز، ما يجعلها أكثر عرضة لتقلبات الأسعار في السوق حتى من بعض الدول الأوروبية. فمخزونات الغاز في بريطانيا تقل بنحو 18 مرة عن المخزونات لدى دول مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
وكانت الحكومة قد قررت في عام 2017 وقف استخدام منشأة التخزين قرب ساحل يروكشاير، والتي كانت تتسع لنحو ثلثي المخزون البريطاني من الغاز الطبيعي، في إطار سياسة التوفير في الاستثمارات. وبررت الحكومة ذلك بأنه لا داعي للاستثمار في مشروعات نفط وغاز في وقت ستتجه فيه الاستثمارات لمشروعات الطاقة المتجددة.