اختتمت القمة الأوروبية - الأفريقية التي انعقدت في بروكسل على مدى يومين، وركزت مقرراتها على تدعيم الشراكة بين القارتين في مجالات الأمن الصحي، والسلم والأمن، إضافة إلى قضايا الهجرة والتغيرات المناخية.
أسهم الوضع المتردي للأنظمة الصحية في الدول الأفريقية في تعميق تداعيات وباء كورونا على شتى المجالات، فيما لا تزال القارة السمراء تعاني أزمة الانقلابات العسكرية وتنامي الخطر الإرهابي، الأمر الذي يهدد الأمن والسلم في أفريقيا، وفي سبيل المساهمة في معالجة الوضع، دعا المغرب إلى التركيز على بعض القضايا التي يشكل الشباب العامل المشترك فيما بينها، لكن حضور زعيم جبهة "البوليساريو" عكّر جو المملكة في السماء الأفريقية.
سياقات القمة
نظمت القمة الأوروبية - الأفريقية السادسة في ظل تداعيات وباء كورونا، وما ترتب عليها من أزمة اقتصادية، إضافة إلى المخاوف المرتبطة بالأزمة الأوكرانية - الروسية، وفي ظل استمرار وجود الخطر الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي.
ويوضح الباحث في الشؤون الدولية والأفريقية، عبد الواحد أولاد ملود، أن القمة تأتي في ظل سياقات إقليمية ودولية تعرف مزيجاً من هواجس الأمن الصحي والاقتصادي والاجتماعي، مضيفاً أنها تنظم بعد خمس سنوات من عقد القمة الخامسة، موضحاً أن العالم قد شهد، خلال تلك الفترة تغيرات كبيرة، سواء على مستوى الظروف الصحية، جراء وباء فيروس كورونا، أو على المستوى الاقتصادي الذي بدوره تأثر بشكل أو بآخر، وكذلك على المستوى الأمني، بخاصة خلال الأشهر الأخيرة، في إشارة إلى تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، إضافة إلى ما تشهده منطقة الساحل الأفريقي جراء وباء الانقلابات العسكرية، وتغلغل وتنامي الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل، الأمر الذي يطرح عدة تحديات بالنسبة إلى القمة.
رجل غير مرغوب فيه
في المقابل، أثار حضور زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، القمة، غضب المغرب، حيث دعا لحسن حداد، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي (في رسالة إلى الجانب الأوروبي قبيل انعقاد القمة) إلى "التنديد بهذه المناورات الرامية إلى الإضرار بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات بين المملكة والاتحاد الأوروبي"، مضيفاً، "نعول على تفهمكم وتفهم جميع زملائنا الأوروبيين للحيلولة دون دخول قائد هذه الحركة الانفصالية، واستنكار هذه المناورات التي تسعى للإضرار بالدينامية الإيجابية التي تميز العلاقات المغربية الأوروبية، والمصير المشترك الذي يوحد ضفتي البحر المتوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، نفى الاتحاد الأوروبي استدعاءه زعيم "البوليساريو" لحضور القمة، حيث أكد بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد في قضايا الخارجية، أنه لم يتم توجيه أي دعوة إلى غالي، موضحاً أن "النقطة الأساسية التي ينبغي توضيحها تتمثل في كون الاتحاد الأوروبي شريكاً في تنظيم هذه القمة مع الاتحاد الأفريقي، بالتالي فإن الاتحاد الأفريقي هو الذي تكلف توجيه الدعوة إلى الجانب الأفريقي".
لكن ممثلة جبهة "البوليساريو" بجنيف، أميمة عبد السلام، أشارت إلى أن "حضور الدولة الصحراوية في هذا المحفل الدولي الهام، ممثلة في الرئيس إبراهيم غالي، يكتسي أهمية سياسية وقانونية بالغة، وله رمزية كبيرة عند الشعب الصحراوي"، موضحة أن "مشاركة الدولة الصحراوية في هذه القمة الهامة، بدعوة رسمية من الاتحاد الأفريقي، تؤكد أن دور الاتحاد القاري مهم جداً في حل هذا النزاع الذي طال أمده".
من جهة ثانية، تعرب الجبهة عن قلقها من طبيعة الموقف الأوروبي من قضية الصحراء، حيث وصف زعيمها إبراهيم غالي، في مقابلة مع قناة "أنتينا 3" الإسبانية، موقف أوروبا تجاه الجبهة بالسلبي، قائلاً، "لم نشعر أبداً بمشاركة نشطة من السلطات الأوروبية حتى يتم بذل جهد من الاتحاد الأوروبي ليساعد في حل هذا الصراع المستمر منذ أكثر من 40 سنة"، فيما أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في قضايا الخارجية أن الموقف الأوروبي من قضية الصحراء لم يتغير، وأنه يواصل عدم الاعتراف بالدولة التي أعلنتها الجبهة في عام 1976.
مكانة المغرب
من منطلق ريادته للقارة الأفريقية في بعض المجالات، أبرز المغرب النقاط الواجب التركيز عليها في مجال الشراكة الأوروبية - الأفريقية، حيث قال العاهل المغربي في رسالة موجهة للقمة، إنه "من الطبيعي أن يخاطب المغرب، بحكم انخراطه في دينامية التاريخ وحرصه على مراعاة متطلبات المصير المشترك، كلاً من أفريقيا التي ينتمي إليها وأوروبا الشريكة الجارة والمباشرة"، موضحاً أن "التعليم والثقافة والتكوين المهني والتنقل والهجرة، كلها قضايا تشكل مجتمعةً أولويات عملنا في المغرب وفي أفريقيا، وفي إطار شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي"، مؤكداً أن "القاسم المشترك بين كل هذه القضايا هو الشباب الذي يشكل رأسمالنا البشري، والذي ينبغي للشراكة بين القارتين أن تستثمر فيه ومن أجله بما يضمن لها بلوغ أقصى إمكاناتها".
من جانبه، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، هشام معتضد، أن حضور المملكة في تلك القمة يشكل تأكيداً للدور الاستراتيجي الكبير الذي تقوم به في العديد من القضايا، وبالخصوص تلك المتعلقة بالهجرة، إضافة إلى الدور الجوهري في تدعيم الشراكة بين القارتين، وتركيزه على لعب دور الوسيط بين القادة الأفارقة والأوروبيين في سبيل تقريب وجهات نظر الطرفين.
وبخصوص أهمية القضايا التي ركز عليها العاهل المغربي في رسالته الموجهة للقمة، أوضح معتضد أن التصور المغربي يركز على تحديات التعليم والثقافة والتكوين المهني والهجرة والتنقل، نظراً لأن تطويرها يضمن جودة المصير المشترك بين شعوب القارتين.
مخرجات
وحول التوجهات التي تمخضت عنها القمة، يشير الباحث في العلاقات الدولية، محمد عطيف، إلى أن الاجتماع توصل إلى مجموعة من المقررات الرامية إلى تعزيز الشراكة بين الجانبين في مجالات مختلفة، وفي مقدمتها تأتي إشكالية الأمن الصحي، موضحاً أن بعض الزعماء الأفارقة أشاروا في تصريحاتهم إلى أن القارة لا تزال تواجه تداعيات جائحة كورونا، وذلك نتيجة التوزيع غير العادل للقاحات، إضافة إلى وجود مشاكل في أنظمة المراقبة بالقارة وندرة معدات الفحص بها، الأمر الذى يرجح أن يكون العدد الفعلي للإصابات في الدول الأفريقية أكثر من ضعف الأرقام المصرح بها.
ويضيف الباحث، أنه من جانب آخر، أصبحت قضية التغير المناخي تشكل تحدياً كبيراً للقارة الأفريقية، ما يسبب تدهوراً واختلالات في اقتصاداتها، مقارنة مع الدول الصناعية المتقدمة، المسؤول الأول عن التغيرات المناخية، لذا تدعو البلدان الأفريقية إلى ضرورة احترام تعهدات قمة باريس الخاصة بالمناخ، فضلاً عن تمويل قضايا المناخ لدول القارة الأفريقية، وعليه لقد وضع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي مرتكزات للشراكة المتجددة التي تهدف إلى خلق استثمارات بقيمة 150 مليار يورو في القارة.
وفي شأن السلم والأمن، يقول عطيف، "نعلم أن القارة الأفريقية لا تزال تعاني التهديدات الأمنية التي تجعلها تعيش أوضاعاً غير مؤمنة بسبب الإرهاب والانقلابات العسكرية، لذا تعهد الاتحاد الأوروبي بمساعدة عمليات السلام التي تقوم بها القوات الأفريقية من خلال تدريبهم وتعزيز معداتهم، مع التركيز على منطقة الساحل والصحراء".
وبخصوص الهجرة غير القانونية، يوضح الباحث أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يعاني تدفقات المهاجرين غير النظاميين القادمين من القارة الأفريقية، فبحسب ما جاء في القمة السادسة المنعقدة بين الضفتين، فقد قرر الاتحاد الأوروبي بإعادة المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي في الاتحاد ودمجهم مجدداً في بلدانهم الأم، لكن عطيف يرى أن هذه المشكلة تحتاج إلى التنسيق والتعاون بين الجانبين بشكل فعال، ومن دون المزايدات السياسية التي تستغلها بعض الدول الأوروبية.