يوحي مظهرها الخارجي الممتلئ بأشواك مدببة من ورق خشن الهيئة بأنها نبتة قاسية لا فائدة منها، لكن الأمر على عكس ما نراه في نبات "الصبار"، أو ما يطلق عليه (التين الشوكي)، التي باتت تحظى باهتمام عالٍ، وغير مسبوق، لنشر زراعتها، على امتداد الأراضي السورية الصالحة والمُواتية لها، وحث المزارعين على إنباتها في مزارعهم وحقولهم.
"الصبارة" النبتة مكسيكية المنشأ تلقى رواجاً كبيراً في جنوب وغرب البلاد، بشكل كثيف، يزرعها الفلاحون حول حقولهم بشكل يشبه الدرع، الذي يحيط بأراضيهم ومساحاتهم الزراعية، فيما لا يتوقف العلماء والمتخصصون في شؤون الزراعة عن سبر أغوار هذه النبتة وكشف أسرارها، لا سيما الحاجة الملحة إليها في المرحلة المقبلة، مع ما يواجهه العالم من تغير مناخي دقت فيه الهيئات العالمية والأممية ناقوس خطر شح المياه، والتصحر، وغرق اليابسة بالبحار، وما يتهدد البشرية من أخطار تهدد أمنهم الغذائي.
أسرار الصبار
وتواصل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) مد يد العون والمساعدة للمزارعين في ضواحي العاصمة دمشق للتكيف ما استطاعوا مع التغير المناخي، وفق برنامج يسهم بزراعة الصبار الأملس بغية الاستفادة منه في الأمن الغذائي والتغذية بالنسبة للأسر، من خلال تحسين إدارة الري باستخدام موارد المياه الشحيحة، لإنتاج المحاصيل الغذائية، بدلاً من المحاصيل العلفية، ومن جهة ثانية كمحصول غذائي تكميلي بالنسبة إلى الماشية.
مساعي منظمة "الفاو" على نشر ثقافة زراعة النبات الشوكي لم تأتِ من فراغ، فالأمر يرتبط بتحسين سبل العيش للمزارعين، الذين يقاومون للعودة إلى حقولهم بعد تعرضهم لأضرار جسيمة خلال فترة الحرب، إذ لا يتطلب هذا النبات كثيراً من المياه لينمو، ويمكنهم الاستمرار في إنتاج الأعلاف وإطعام حيواناتهم حتى في حالة ندرة المطر.
وفي المقابل، حرصت الدوائر الزراعية في سوريا على إيلاء أهمية لهذه النبتة، وبدأت نشرها في محافظة السويداء، جنوباً، بالتوازي مع ارتفاع قيمة الأعلاف، إذ يباع كيلو العلف "التبن" بنحو 800 ليرة (ما يعادل 25 سنتاً)، وهذا السعر يأتي بعد ارتفاع كبير يقدر بعشرة أضعاف ما كان عليه ثمن العلف، إذ وصل سابقاً إلى ما يقارب 80 ليرة في العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي الأخصائي والمهندس الزراعي، حسان النبهان، الذي يقطن في مدينة درعا، أنه على أثر هذا الارتفاع في أسعار الأعلاف تكبد مربو المواشي أعباءً، وتكاليف مالية كبيرة دفعت كثيراً منهم إلى بيع مواشيهم أو تهريبها، لما نتج عنه من فروق بالأسعار عن الأسواق المحلية، حيث قيمة المواشي تباع بالقطع الأجنبي، علاوة عن عدم امتلاك غالبية السوريين من أصحاب الدخل المحدود الكفاية المالية لشراء اللحوم، وارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته، وكذلك البيض.
ويؤكد النبهان، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أهمية هذه المبادرات، لنشر الوعي وزيادة الإنتاجية الزراعية، في ظروف غاية من الصعوبة تتقطع فيها سبل عيش المواطنين، للحصول على الغذاء.
ويعتقد أنها مشاريع ناجحة في مجملها، لما تحويه أوراق نبات الصبار من مواد غذائية متنوعة، ومعادن عالية القيمة، يقول، "طولها بين نصف متر وثلاثة أمتار، ويتراوح لونها بين الأخضر والأرجواني، الأهم من ذلك أن تلك النبتة تستطيع امتصاص الماء، وتحوي كميات كبيرة فيه، وتتحمل الجفاف، وارتفاع الحرارة".
ويلفت النبهان النظر إلى أن الصبار "يبقى حياً بكمية أمطار إلى ما دون 50 مليمتراً في السنة المطرية دون إنتاج أو نمو، ويشترط في تربيته توافر تربة رملية وعميقة، وهي ظروف تتوافر في معظم دول الشرق الأوسط"، بحسب قوله.
وبحسب أبحاث زراعية يحمل كل هكتار واحد من الصبار قرابة 180 طناً من الماء، مع حماية للحقول، فعلاوة على تحصينها، يحميها من التقلبات الحادة في الطقس وانجراف التربة وزحف الرمال.
وفي المقابل، قال مسؤول "الفاو" المعني بالأمن الغذائي في سوريا على هامش نشر تجارب زراعية عن هذه النباتات المقاومة لتغير المناخ، في بيان، "الصبار مصدر علف مُغذٍّ للحيوانات، مع الأخذ بالاعتبار أنه علف تكميلي ممزوج بأصناف أخرى، وسيقلل من تكاليف العلف بالنسبة إلى صغار المزارعين. الصبار غني بمواد الكالسيوم والفوسفور والماغنسيوم، ويتمتع بمستويات معتدلة من البروتين والألياف".
فوائد بين الأشواك
في أثناء ذلك، تواصل وزارة الزراعة عبر برامج محددة الاهتمام بهذا الجانب، بخاصة مع بدء مواسم الزراعة، وفيما يبدو تتركز خططها على التوسع بهذه الزراعة، وزعت ما يربو على مئة ألف لوح من الصبار هذا الموسم في قرى السويداء جنوب سوريا، وبزيادة واضحة مقارنة بالعام الماضي، إذ تسلم المزارعون وقتها ما يقارب 25 ألف شجيرة.
في حين تتداخل شجيرات الصبار في ريف العاصمة في الحقول، ويهتم بها المزارعون بغية إنتاج التين الشوكي ذي المذاق الشهي، وتعد ثماره مقصداً لعشاق هذا النوع من الفاكهة حين قطافها يتوخون الحذر من لمسها، ويروي محمد أبو جمال بأنه لا يمكن قطف التين بسهولة، "لا بد من ارتداء القفزات، والاحتماء جيداً من وخز الشوك، إنك أشبه بمعركة، لكن كل ذلك يهون حين التمتع بمذاقه".
مقابل هذا أشارت منظمة الزراعة العالمية (الفاو) إلى الأهمية الكبيرة للتين الشوكي، بوصفه سلاحاً، لمجابهة التغيرات المناخية في مستقبل يتهدد البشرية، بفضل ما يتميز من قيمة غذائية للإنسان والحيوان على حد سواء.
وذكر باحثون من الفاو على هامش مؤتمر علمي حول "الصبار" نظم في مارس (آذار) من عام 2018 "أن استخدام الصبار كعلف للحيوانات من شأنه خفض كميات الميثان المنبعثة من فضلات الحيوانات، وهو ما سيسهم في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي".