Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البوظة الشامية" تفقد شيخها

خيّم الحزن على المحل الدمشقي القديم لأن بكداش هو جزء من ذاكرة المدينة

قال موفق بكداش يوماً لـ"اندبندنت عربية"، "ما زالت تربطني مع حرفيّي المهنة صداقة متينة، لقد سافروا إلى أوروبا، وصار لديهم أحفاد" (اندبندنت عربية)

غيّب الموت شيخ صانعي البوظة الشامية وصاحب منشأة "بكداش" التي افتتحت عام 1896، وتوارث هذه المهنة عن أجداده الذين صنعوا البوظة في محل يقع في سوق الحميدية الشهير بدمشق القديمة، وما زال المحل الشعبي القديم ذائع الصيت يواصل عمله بالأسلوب ذاته بصنع المرطبات، بشكل تقليدي ويدوي بعيداً من ضجيج الآلات، وما زال مميزاً عن غيره بمذاقات لا تقارن.

تراث الحرفة تتناقله الأجيال

 رحل شيخ صانعي البوظة موفق بكداش، وترك لأبنائه إرثاً حرص عليه بأمانة طوال عقود طويلة من العمل والاجتهاد، محافظاً على فن الصنعة التي اكتسبها من والده، صاحب فكرة خلط الحليب والفواكه لصناعة المرطبات، أواخر القرن الـ 19 ونجح وقتها نجاحاً باهراً.

وفي مكان يغص بالناس، وقبل الحرب السورية الأخيرة، كان السائحون وضيوف أجانب وعرب يتوافدون إلى المطعم كمَعلم من معالم المدينة أثناء جولاتهم، وأُطلق على محل بكداش "صالون ومطعم"، وما زال يحافظ إلى اليوم على أثاثه، إلا أن عائلة بكداش فضلت أن تترك إرث الأجداد على ما هو، حيث كراسي الخيزران المتناثرة حول الطاولات الخشبية بالطريقة ذاتها، والجدران المكسوة بالمرايا، تضفي على المكان جمالاً أخاذاً، وعلى جدرانه تتربع صور للرؤساء والملوك الذين زاروه ولكبار الشخصيات والمشاهير، والوفود الأجنبية.

البوظة الشامية الأشهى

وتختلط أصوات الناس من مرتادي المكان وزبائنه الجالسين على الطاولات مع أصوات شبان لا يتوقفون عن العمل، هم من حرفيي المهنة، يطرقون البوظة بالعصا في جرن حديدي حتى تلين ويمزجون بها الفستق الحلبي، قبل تقطيعها وتقديمها بطريقة لطيفة إلى الزبائن، هي البوظة الشامية الأشهى التي عبرت من العاصمة السورية إلى العالم.

يغيب الرجل الطاعن بالسن موفق بكداش عن الحياة، وهو لم يتغيب عن الوصول إلى مطعمه للإشراف بنفسه على العمل المحبب لقلبه، وكان مفعماً بالحياة مع هدوء واتزان، تعلّم الحرفة وعلّم أسرارها لعشرات صناع البوظة، كما فعل والده حمدي، منهم من رحل إلى دول عربية، وآخرون انتقلوا للعيش والعمل في أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال موفق بكداش يوماً لـ"اندبندنت عربية" في حوار سابق، "ما زالت تربطني مع حرفيّي المهنة صداقة متينة، لقد سافروا إلى أوروبا، وصار لديهم أحفاد"، وتحدث عن إسهام مؤسس البوظة الشامية بنشر صناعتها في العالم. ففي عام 1897، تذوّقها أحد السلاطين العثمانيين، وأعجب بمهارة صانعها، وأبهرته لدرجة أنه أرسل الخيول والعربات إلى دمشق لاستحضار عمال في الحرفة إلى إسطنبول وأنقرة.

ذاكرة بلد

اليوم، يخيّم الحزن على المتجر الصغير في سوق الحميدية "بكداش"، لفقدان أحد أركانه وشيخ صناع الحرفة، فهو مرجع تاريخي في صناعة البوظة الأصيلة، وكان من أوائل صانعيها ونشر هذه الحرفة "اللذيذة" إلى العالم. وذكر المؤرخ الدمشقي سامي مروان مبيض أنه برحيل موفق بكداش وبغيابه، تفقد المدينة جزءاً من ذاكرتها الملونة ومن ذاكرة أهلها الطيبين.

وروى مبيض قصة تعود إلى أحد أيام أبريل (نيسان) عام 1956، إذ وصل إلى العاصمة دمشق ملك الأردن الشاب الحسين بن طلال، وجال في أسواقها القديمة مع رئيس الجمهورية السوري الراحل شكري القوتلي، وكانا في طريقهما إلى قبر صلاح الدين الأيوبي خلف الجامع الأموي، وعندما مرّ الحسين بسوق الحميدية، قيل له إن زيارة دمشق لا تكتمل إلا بوقفة عند بوظة بكداش، وكان في استقباله صاحب المحل موفق بكداش، ابن مؤسس البوظة الشامية حمدي بكداش.

وتابع مبيض أن أمين العاصمة مختار دياب، قال للملك الأردني، "هذا المحل قديم جداً" يعود إلى عام 1895، أجابه الملك مبتسماً، "يعني أقدم من الجمهورية ومن المملكة، ومن سايكس بيكو".

ولفت المؤرخ الدمشقي إلى أن هؤلاء التجار كانوا واجهة البلد في يوم من الأيام، وجزءاً من حياتها الاقتصادية والاجتماعية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات