خلال الأيام الأولى لرئاسته، حدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أولويتين في السياسة الخارجية الإيرانية، تحسين العلاقات مع الجيران، وتوسيع العلاقات مع القوى الآسيوية، بما في ذلك الصين وروسيا.
وتجلت توجهات رئاسته من اختياراته وزراء الحكومة، فقد عين حسين أمير عبداللهيان وزيراً للخارجية، والذي منذ توليه منصبه أكد نهجهم الجديد في السياسة الخارجية، بحسب تصريحاته، التي تعطي الأولوية لتطوير علاقات أوثق مع الجيران، وتعزيز التحالفات مع الدول الآسيوية وتعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية والتجارة الدولية.
بعد براغماتي
النظر إلى الشرق مبدأ أساس لدى رئيسي في سياسته الخارجية، مما أدى إلى ما يمكن أن يسمى التوجه شرقاً عبر بناء محور آسيوي، وهذا المحور له أبعاد جيوسياسية وجغرافية اقتصادية، فقد أجبرت العقوبات الغربية إيران على الاقتراب من الصين والقوى الفاعلة مثل الهند وروسيا، فبعد أن أعيد فرضها خلال إدارة ترمب عام 2018 وقعت طهران اتفاقاً استراتيجياً مدته 25 عاماً مع بكين.
يبدو البعد البراغماتي في سياسة التيار المتشدد الذي يمثله رئيسي واضحاً، إذ تتبنى إيران استراتيجية دبلوماسية متعددة الأطراف لجعلها مفترق طرق بين مختلف المبادرات الجيو-اقتصادية الآسيوية (الأوروبية)، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.
ويفسر هذا سبب حرص إيران على إحياء الاتفاق النووي، وذلك لإحياء الصفقة النووية مع التركيز على الحوافز الاقتصادية.
لكن في الوقت ذاته تعتبر إيران أن النظام الدولي يمر بلحظة انتقالية، إذ ينتقل من أحادية الولايات المتحدة إلى تعددية قطبية يحددها صعود القوى الآسيوية مثل الصين، لذا تتسم سياسة إبراهيم رئيسي الخارجية بالبراغماتية، بمعنى أنها تدعو إلى التعددية والدبلوماسية مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية وخفض التصعيد.
تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية
تداعيات توجه إيران نحو آسيا ليست سياسية فقط، بل لها أهداف اقتصادية، فطهران في حاجة إلى اقتصاد مقاومة أو اقتصاد الحرب، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية مع الدول الصديقة والمجاورة لتفادي العقوبات الأميركية.
من جهة أخرى، تعتبر إيران أن هناك حاجة ملحة إلى التركيز على غرب آسيا والتوصل إلى هيكل أمني متعدد الأطراف يقدم حلولاً للمشكلات الإقليمية، وتزامنت ديناميكيات إقليمية منذ تنصيب رئيسي، مثل استيلاء "طالبان" على أفغانستان ودخول إيران في مفاوضات دبلوماسية مع السعودية بشكل أساس لتهدئة التوترات الإقليمية، وأخيراً انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهو ما يرجح سبب توجه إيران نحو آسيا.
من جهة أخرى، تقترب إيران وباكستان، منافسها الإقليمي، من بعضهما من خلال الصين التي تعد الشريك الأكثر أهمية لكلا البلدين، وبمسار متواز مع العلاقات تجاه الصين، وتعمل طهران على مزيد من التوافق مع الهند لأسباب جيوسياسية مثل التعاون حول ملف أفغانستان، وجغرافيا اقتصادية مثل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منظمة "شنغهاي"
وأهم مؤشر هو الموافقة على عضوية إيران في منظمة "شنغهاي" للتعاون في سبتمبر (أيلول) 2021، ومن المرجح أن تلك العضوية دعمت من جانب روسيا والصين للتعامل مع الوضع في أفغانستان، وعلى خلفية الصراع الأميركي - الصيني.
وتتمحور مزايا الانضمام إلى منظمة "شنغهاي" للتعاون في اكتساب طهران فوائد طويلة الأجل، إذ تجعلها طرفاً رئيساً عند التعامل مع أزمة أفغانستان وجميع مسائل الأمن الآسيوي، لا سيما في وسط وجنوب وغرب آسيا، فضلاً عن إضفاء الشرعية الدولية على إيران وقدرة التواصل في آسيا، وكلها يمكن أن تترجم إلى منافع اقتصادية.
ومن ثم تستهدف استراتيجية إيران في آسيا مختلف المبادرات والممرات الجيو-اقتصادية، مثل طريق الحزام والحرير وطريق بين الشمال والجنوب يشمل إيران والهند وعُمان وروسيا.
كما وقعت إيران اتفاق تجارة تفضيلي مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، مما جعل إيران ممر العبور البري الرسمي بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا، لذا تحاول النخب الإيرانية إعادة تشكيل بلدها على أنه مفترق طرق جيو-اقتصادي.