أثارت جريمة قتل امرأة حرقاً على يد زوجها، غضب السلطات والرأي العام بإقليم كردستان في ظل مؤشرات أولية مع مطلع العام الحالي تنذر بتفاقم حالات العنف ضد النساء في المجتمع الكردي، فيما صدرت دعوات لإجراء إصلاحات في "النظام القضائي" وفرض "أحكام ثقيلة" ضد الجناة للحدّ من الظاهرة التي باتت "تسيء إلى سمعة الإقليم".
وكانت امرأة تُدعى شنيار هونر لقيت مصرعها في أحد مستشفيات السليمانية متأثرة بحروق أصيبت بها بعد خمسة أيام من تعرّضها لحرق متعمد من قبل زوجها، عندما "قام بسكب مادة النفط الأبيض (الكيروسين) التي تُستخدم في المدافئ النفطية على جسدها وإشعالها، وهو تحت تأثير الكحول"، وفق ما أعلنته تحقيقات الشرطة التي أكدت أنها "اعتقلت الجاني أثناء محاولته الهروب نحو الحدود الإيرانية"، وأكدت أن "هناك شبهات في تورط شخصين آخرين بالجريمة".
وكانت "مديرة مكافحة العنف ضد المرأة" أشتي عبدالله أكدت أن "شنيار سبق واتصلت بالمديرية، لكنها لم تتقدم بشكوى رسمية"، وتزامنت الجريمة مع إقدام "رجل على الانتحار بعد قتل زوجته أمام منزلهما جراء خلاف عائلي". وبعدها بأربعة أيام، أعلنت شرطة محافظة دهوك "انتحار امرأتين بواسطة طلق ناري في حادثتين منفصلتين بمنطقتي عقرة والعمادية، تزامناً مع محاولة انتحار شاب في مركز المحافظة خلال يوم واحد فقط".
الإساءة إلى سمعة الإقليم
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني شجب في بيان الجريمة واعتبرها "مسيئة إلى سمعة الإقليم"، وهدد "بمعاقبة الجناة قضائياً"، وقال إن "الجهات ذات العلاقة ستواجه هذه الثقافة الرجعية بشكل أكثر فاعلية"، موضحاً أن "البيانات المتعلقة بجرائم قتل النساء وتعنيفهن مصدر قلق كبير، والمسؤولية تقع على الجميع من أجل محو هذه الآفة الاجتماعية عبر نشر الوعي وإشاعة التسامح".
رئيس الحكومة مسرور بارزاني أكد "أهمية إصلاح النظام القضائي"، مبيّناً أن "تسع نساء قُتلن خلال أقل من شهرين، وتحدثت إلى وزير الداخلية بعد حادثة وفاة شنيار، وسأدعمه لمعاقبة المتهمين في مثل هذه الجرائم".
بدوره، قال نائب رئيس الحكومة قباد طالباني الذي كان تكفّل بمتابعة ملف الضحية شخصياً، أكد أن "تهمة شنيار كانت فقط أنها امرأة، وما يؤلمني حقاً أننا في هذا العصر المتقدم، ما زلنا نعيش في مجتمع، يرى عدد من الرجال أنه من السهولة تعنيف سيدة وقتلها، والأكثر إيلاماً هو الموقف الضعيف والمخجل من قبل المجتمع".
وشدد على أن "مسؤوليتنا ليست فقط اعتقال ومعاقبة الجناة، بل يجب على الجميع أن يقولوا بصوت واحد كفى. الوقت قد حان لمحو ثقافة قتل المرأة، وأن ذلك ليس شرفاً".
حلول بعيدة المدى
يعتقد الناشط والباحث الاجتماعي أحمد كاواني أن الحلول الآنية "ليست جذرية بل مؤقتة، قد لا تسهم سوى في التخفيف من حدتها"، وقال، إن "الحل الأمثل يكمن أولاً في وضع حلول استراتيجية بعيدة المدى، بدءًا من مراجعة النظام القضائي وتقويته، فالنظام الحالي لا يرقى إلى مستوى الظاهرة. ورأينا قبل فترة كيف قتل أحدهم سيدة أمام مبنى إحدى المحاكم، ونجد هناك من يتم الإفراج عنه لمجرد توقعيه على تعهد خطي، في حين يُفترض أن يخضع للتحقيق والمحاكمة ليكون بمثابة إجراء رادع له وللآخرين".
ووجّه النائب السابق في برلمان الإقليم الداعية حاجي كاروان انتقادات إلى السلطات لعدم تنفيذ الأحكام التي تصدر بحق القتلة، وأعلن أنه "لو تمت معاقبة القتلة في الجرائم التي يرتكبونها، لما كنّا شهدنا اليوم أن يقتل الرجال نساءهم أو أطفالهم"، مشيراً إلى أن "الجناة يحاكمون فقط ولا ينفّذ القانون بحقهم".
ودعا وزير الداخلية ريبر أحمد، في مطلع فبراير (شباط) الحالي خلال ورشة خاصة بمكافحة العنف ضد النساء، إلى "تشكيل محكمة خاصة". وشدد على "ضرورة عدم إطلاق سراح المتهمين من خلال أمر الكفالة، سواء كان من يرتكب الجريمة بواسطة السلاح أو بأساليب أخرى". وأوضح "تشير القوانين بشكل واضح ولا لبس فيه إلى التهم والعقوبات، ويجب على الفاعل قبل أن يقدِم على جريمته أن يفكّر مليّاً بالعقوبة التي سيواجهها"، ونوّه إلى أنه "من السهولة تشريع القوانين، لكن الصعوبة تكمن في تنفيذها، نحتاج إلى تأسيس محكمة خاصة في كل المناطق، إذ لا يمكن غض النظر عن هذه القضايا بذريعة عدم وجود قضاة".
عقبات عرفية
وتشير أحدث البيانات الرسمية الصادرة عن محاكم السليمانية إلى "تسجيل أكثر من 6 آلاف دعوى طلاق خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021". وبحسب القاضي في محكمة الأحوال الشخصية في مركز السليمانية كامران رسول سعيد، فإن "من بين أربع دعاوى قضائية مسجلة، هناك ثلاث دعاوى للطلاق". كما يفيد إحصاء صادر عن شرطة الإقليم بأن "عدد جرائم القتل المتعمد للعام الماضي بلغت 215 جريمة و59 جريمة قتل غير متعمد و287 حالة انتحار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يؤكد الباحث كاواني، "ضرورة نشر التوعية وتغيير ذهنية المواطن، عبر وضع نظام تربوي في المراحل الدراسية الأولى، لأن الأشخاص البالغين تصعب أقلمتهم مع المفاهيم المدنية الحديثة، وقد نرى في عدد من الحالات أن يقوم شخص عندما يسعى إلى قتل زوجته بإبرام اتفاق مسبق مع أفراد أسرته أو عشيرته"، ويعتبر أن "المسالة تتطلب أيضاً التوغل في عمق المجتمعات من قبل الجهات ذات العلاقة، وليس التمحور في مركز المدن". وإزاء تداعيات ظاهرة الطلاق، قال "قد يقلق البعض من ازدياد حالات الطلاق، لكن هذا الخيار ربما يكون أفضل الحلول بدلاً من اللجوء الى القتل، على الرغم من أن هناك من أقدَم على قتل زوجته بعدما كسبت القضية، لأن بعض الرجال بموجب العرف السائد ينظرون إلى الزوجة على أنه مالك لها كأي غرض آخر. هذه العقلية تحتاج إلى تغيير".
أحكام ثقيلة
وأكد "اتحاد نساء كردستان"، في بيان، أن "هذه النوع من الجرائم الأخيرة، يختلف عن بقية الجرائم، لأن جريمة قتل امرأة تفرز تداعيات وأبعاداً اجتماعية". وأضاف "لذا، فإن اعتقال الجاني ومحاكمته غير كافيين، مشكلة المرأة الكردية ودوافع قتلها تحتاج إلى فرض أحكام ثقيلة ومن ثم تنفيذها"، وأرجع الظاهرة إلى "سيادة العقلية الاجتماعية التي تعطي ملكية المرأة للرجل، ويربط شرف الرجل بجسد المرأة، ناهيك عمّا يروّج من أفكار عبر وسائل مختلفة في المنابر والقنوات التلفزيونية ضد حقوق وحرية المرأة".
ودعا الاتحاد "إلى العمل على تغيير طريقة تفكير المجتمع وتوعيته، من خلال إظهار القاتل كشخص منبوذ اجتماعياً"، معلناً إطلاق "هاشتاغ" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "الشرف ليس في قتل المرأة، أوقفوا قتل المرأة".
بيانات "المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة" في الإقليم لعام 2021 كانت أشارت إلى "تصاعد ملحوظ في معدلات العنف ضد النساء، إذ قُتلت 10 سيدات وسُجلت 41 حالة انتحار و45 محاولة حرق و77 حالة اعتداء جنسي"، مؤكدة "تسجيل أكثر من ثمانية آلاف شكوى مرفوعة من قبل النساء".
"لجنة الدفاع عن حقوق المرأة" النيابية أعلنت أن "ظاهرة قتل النساء مستمرة على الرغم من تجريمها من النواحي القانونية والدينية، ولا يمر أسبوع أو شهر من دون أن نشهد مأساة وقتل وحشي للنساء من دون وجه حق"، وبيّنت أن "شنيار وثماني نساء أخريات تم قتلهن خلال أقل من شهرين لهذا العام، وعليه نطالب المؤسسات المعنية بمعاقبة القتلة بأقصى العقوبات للحدّ من هذه الظاهرة المسيئة إلى سمعة الإقليم". وأوضحت اللجنة أنها بصدد "مراجعة القوانين من أجل إخضاعها لتعديل أو تغيير، ومتابعة ملفات الجناة لمحاكمتهم بأشد العقوبات".
تأديب الزوجة
عضوة المكتب السياسي في حزب "الاتحاد الوطني" جوان إحسان فوزي، طالبت "بمراجعة السياسة الجنائية والأحكام، مع تصاعد ظاهرة الجريمة في المجتمع، فالجناة يرتكبون الجرائم من دون تردد، وعلى برلمان الإقليم أن يتابع هذا النوع من الجرائم". وشددت على أن "جريمة قتل شنيار صدمة أخرى للجميع، ومخجلة للجهات المعنية التي لا تستطيع إيقاف هذه الأفعال على الرغم من أننا نعيش في هذا العصر المتطور"، وحذرت من أن "الأوضاع بلغت مستوى خطيراً يستدعي من جميع الأشخاص والأطراف المؤثرة في القرار، لعب دور وعدم السكوت".
يأتي ذلك تزامناً مع رد "المحكمة الاتحادية العليا" طعناً بشأن عدم دستورية المادة 41 من قانون العقوبات العراقي النافذ والمتعلق "بحق تأديب الزوجة الوارد في القانون العراقي"، وعلّقت رئيسة "المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان" في الإقليم منى ياقو عبر صفحتها في "فيسبوك"، متساءلة "هل هذا ما تستحقه المرأة العراقية؟"، وقالت إن المادة تنص على أن "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحقّ مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً".
وتوضح ياقو أن "كلمة التأديب (أدب– يؤدب– تأديباً: أي فعلَ ما يجعله مهذباً وحسن الأخلاق، أي أنه: عقاب الغير بجعله مهذباً ، أو أنه: معاقبة المُسيء على إساءته)"، ولفتت إلى أن "المعنى اللغوي واضح للرد على من يحاول تجميل مصطلح التأديب وعصرنته، من خلال التمييز بين التأديب والعنف، فالعنف لغوياً، هو الآخر يُعدّ مصدر عنّفَ ويعني شدة وقسوة وهو ضد الرِفق واللين، والحد الفاصل بين الكلمتين من خلال التعريفين يكاد يتلاشى، وبذلك فلا داعي أبداً لنخدع أنفسنا بهذا الأمر".