تسيطر أجواء الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على الساحة الإسرائيلية في كل جوانبها، ولم تعد تقتصر على أجندة القيادتين السياسية والعسكرية، بل باتت متعددة الجوانب إلى حد إلحاق الضرر الاقتصادي بإسرائيل، وهو أمر استدعى مبادرة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، إلى الاتصال هاتفياً بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليعرض عليه الوساطة الإسرائيلية لإنهاء الحرب.
وتتواصل اجتماعات الحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية لبحث تداعيات استمرار الحرب وتفاقمها إلى جانب انعكاس العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، على الاقتصاد الإسرائيلي.
وفيما دعا وزير خارجية إسرائيل، يائير لبيد، إلى موقف واضح ومندد بالحرب الروسية على أوكرانيا، اختار بينيت مساراً أكثر هدوءاً يضمن استمرار الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا لتحقيق مكاسب لتل أبيب، سواء على صعيد الملف السوري أو بعدم الدخول في صدامات مع الإدارة الأميركية أيضاً.
فبعد ثلاثة أيام من حديثه مع رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، اتصل بينيت ببوتين، وحاول على مدى عشرين دقيقة، إقناعه بقدرة تل أبيب على الوساطة مع كييف.
ونقل عن مضمون المحادثة، قول بينيت، إن "إسرائيل مستعدة لأن تساعد قدر الإمكان وفي كل وقت في تسوية الأزمة والتقريب بين الطرفين، في ضوء مكانتها الخاصة، التي تسمح لها بأن تحظى بآذان مصغية من الجميع". وحسب ديوان بينيت، اتفق الرئيسان على الإبقاء على تواصل في الأيام القريبة المقبلة.
وجاءت المحادثة مع بوتين خلال مناقشة المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة الإسرائيلية تداعيات الحرب على إسرائيل، فخرج بينيت من الاجتماع واتصل ببوتين.
ولم يصدر عن الاجتماع مضمون الخطوات التي ستتخذها إسرائيل خلال الفترة المقبلة، لكن الحكومة أعلنت أنها تعتزم نقل مئة طن من الاحتياجات اليومية إلى الأوكرانيين داخل المناطق القتالية، بينها أجهزة تطهير مياه، ومستلزمات طبية، وأدوية، وخيام، وبطانيات، وأكياس نوم، وغيرها.
عرض الوساطة الإسرائيلية "خطأ فادح"
وفي ذروة النقاش الإسرائيلي حول ضرورة الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا، اختلف الإسرائيليون حول كيفية التعامل مع روسيا والولايات المتحدة لضمان استمرار سياسة إسرائيل في سوريا وهضبة الجولان. ففي حين دعت أصوات إلى الحذر من مواقف مغايرة للمواقف الأميركية، حذرت جهات أخرى من السير خلف السياسة الأميركية، التي اعتبرتها فاشلة انطلاقاً من ضرورة "الحرص على الواجب الأمني في الدفاع عن المصالح الوجودية لإسرائيل ومواطنيها"، بالتلميح إلى الوضع في سوريا.
وردت الجهات التي تعتبر السياسة الأميركية فاشلة وستأتي على حساب أمن إسرائيل عند حدودها الشمالية، على محادثة بينيت - بوتين بالقول إن عرض الوساطة الإسرائيلية مع أوكرانيا بمثابة ارتكاب خطأ "يرتبط بخطأ التصاق حكومة لبيد - بينيت بالولايات المتحدة منذ تشكيل الحكومة".
وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن "سياسة الغرب بقيادة الولايات المتحدة في عهد أوباما وبايدن هي ضعف مثير للشفقة أمام روسيا. نزعة مصالحة تجاه إيران وعداء تجاه إسرائيل. ولهذا فإن إسرائيل، فضلاً عن التضامن الإنساني مع الدول المعتدى عليها، عدم الالتصاق بالسياسة الأميركية الفاشلة".
الثمن الاقتصادي
وكان أحد أبرز المواضيع التي ناقشها المجلس الوزاري الأمني المصغر، تداعيات الحرب والعقوبات على روسيا على الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل.
والتوقعات الأولية هي أن تؤدي العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، إلى نقص في البضائع مقابل رفع للأسعار، إذ ستتأثر شركات إسرائيلية عدة تعمل في روسيا، ويصل حجم أعمالها إلى مليارات الدولارات سنوياً، كذلك الأمر لتلك التي تعمل في أوكرانيا.
ووفق تقرير إسرائيلي، فإن الفحم الذي يشكل نحو 20 في المئة من استهلاك الطاقة في إسرائيل، ومعظمه مستورد من روسيا، سيتأثر بشكل كبير إثر العقوبات على روسيا، إذ ستضطر إسرائيل إلى استبدال بالفحم الروسي الفحم من أميركا اللاتينية، وهذا سيجلب صعوبات بل عقبات. فالحديث يدور عن سلعة تعتبر ملوثة أكثر وذات جودة أقل وأكثر إضراراً بالأجهزة التي تستخدمها، إلى جانب زيادة المسافة في النقل البحري، وفق اقتصاديين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت إسرائيل استعدت لوضعية كهذه حيث فحصت مخزون الطوارئ للحبوب لديها من أجل ضمان الاستعداد لاحتمال حدوث صعوبات في التزويد.
صعوبة أخرى قد تواجهها إسرائيل إثر العقوبات، هي خروج روسيا من المنظومة البنكية الدولية، "سويفت". فهذا، وفق تقرير إسرائيلي، سيكون له تأثير في شركات إسرائيلية عدة تدير أعمالاً مع روسيا إلى جانب وجود مجموعة من أرباب المال الكبار اليهود، مقربة من بوتين، وكثيرين من أعضائها يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية ويميلون إلى المجيء والمكوث في إسرائيل.
ووفق تقرير حول الجانب الاقتصادي، تعرضت شركات العقارات في روسيا لأضرار فادحة بسبب الحرب، وفي أوكرانيا هناك أيضاً شركات للعقارات تنشط مثل شركة "سكوربيو"، التي ما زالت مدينة بعشرات ملايين الشواقل لأصحاب سندات في إسرائيل ولبنك العمال.
شركة سيارات "يونفرسال موتورز" التي تباع في إسرائيل بواسطة سندات، توجد للشركة فروع عدة في خمس مدن رئيسة في أوكرانيا وهي كييف ولافو وأوديسا وخاركوف ودنايفرو.
وتضم شركة "أفيس أوكرانيا" 120 عاملاً، وتمتلك أسطولاً يضم نحو 3600 سيارة.
وهناك شركات خارج قطاع العقارات تمارس نشاطات كبيرة في روسيا، منها "تيفع" للأدوية ومجموعة "شتراوس" ومجموعة "بيرن" و"بيل ريم" للصناعة و"كفريوت" و"أف غول" و"ميليت" و"غيلات للأقمار الاصطناعية" وغيرها. بالنسبة إلى "تيفع" فإن السوق الروسية هي الثانية في الحجم من ناحية مداخيل الشركة، التي بلغت ملياري دولار في عام 2021 مع ربح تشغيلي بلغ 529 مليون دولار.
وهناك جانب آخر في إسرائيل ألحقته أضرار الحرب، وهو استيراد القمح والحبوب التي تستخدم علفاً للحيوانات، من روسيا ومن أوكرانيا، وهو فرع شكل 12 في المئة من إجمالي واردات المواد لإسرائيل في عام 2021.
ونقل عن مدير عام شركة استيراد الحبوب "سانتسيفر" ورئيس اتحاد المستوردين في إسرائيل، ايتي رون، أن نحو نصف هذه السلع المستوردة إلى إسرائيل تأتي من روسيا وأوكرانيا. لذلك، أضاف أن "من شأن هذه الأزمة أن يكون لها تأثير جوهري في الصناعات الغذائية في إسرائيل. نحن نستورد من روسيا ومن أوكرانيا تقريباً نصف الطعام".
وحسب وزارة الزراعة التي نشرت بياناً تحاول فيه تهدئة النفوس في إسرائيل، فإنه يوجد مخزون غذائي كافٍ لأسبوعين وحتى لشهر. ولكن، حسب ايتي رون، "إذا استمرت الأزمة ولم يتم إيجاد مصادر تموين بديلة بأسعار معقولة فيمكن أن يحدث نقص".