دخل المواطن اللبناني في سباق مع الزمن من أجل شراء سيارة مستعملة، استباقاً لإقرار رفع الدولار الجمركي، فيما تبرز المخاوف من "تقادم" أسطول السيارات في البلاد، وما يترتب عنه من زيادة المخاطر، واحتمالات الأعطال أو الحوادث.
في المقابل، شهدت وكالات بيع السيارات المستوردة الجديدة تراجعاً، وذلك لأسباب متعددة، منها ما يتعلق بالانهيار المالي، واحتجاز الودائع البنكية للمواطنين، بالتالي عدم القدرة على شراء سيارات فارهة، ناهيك بتوقف سياسة الإقراض، التي طالما روّج لها النظام المصرفي على نطاق واسع، وتراجع احتياطي العملات الأجنبية التي تسمح باستمرار عمليات الاستيراد غير المدروس من الخارج.
وجاءت أزمة المحروقات والوقود، لتحدث تغيراً عميقاً في سلوك اللبناني، وفي علاقته الوجدانية مع السيارة. فقد بدأ يغلب البعد الوظيفي - الاقتصادي للعربة كوسيلة للنقل، على البعد الاستعراضي الذي ساد في الفترة الماضية.
عبء السيارة
أوقعت الأزمة الاقتصادية اللبناني في حالة من الحيرة، وضرورة الخيار بين رفاهيته والصورة الاجتماعية المتخيلة من جهة، وبين إيجاد التوازن بين قدراته المالية وحاجته الجوهرية إلى الانتقال. وهذا الأمر ملحوظ عند استعادة تجربة كثير من اللبنانيين.
تختصر تجربة الشاب كريم التحول في أوضاع كثيرين، كان يمتلك سيارة دفع رباعي، اضطر للتخلي عنها وشراء أخرى أصغر، محدداً أزمة شح البنزين كعامل مؤثر أساسي، يقول "قادتنا طوابير البنزين وذل الانتظار إلى تغيير كثير من الأشياء في حياتنا، وتأتي السيارة في المقدمة، لأن قيمة الأموال أصبحت ضئيلة، ولم نعد نحتمل إحراق مزيد من النقود".
يقارن كريم تكلفة ملء خزان الوقود بين الفترة السابقة والآن، "كانت تحتاج إلى 120 ألف ليرة من أجل ملء الخزان بأربع تنكات بنزين، وهي كمية كانت كافية للسير بين 10 أيام وأسبوعين داخل المدينة. أما الآن فازداد العبء إلى قرابة المليون ونصف المليون، ضعف الحد الأدنى للأجور".
كما يلفت الشاب إلى أن "استهلاك البنزين زاد بعد ارتفاعه، بسبب الغش والنوعية السيئة للبنزين"، كما أن "الأعطال تعددت وبين الفترة والأخرى يضطر السائق إلى تغيير الفلاتر، بسبب كمية الأوساخ، إذ يبلغ متوسط إصلاحها 60 دولاراً، وهو مبلغ كبير جداً حالياً".
ويشير كريم إلى "رحلة بحث مضنية عن سيارة 4 سلندر بين السيارات القديمة، لأنه لا أحد يمكنه شراء من الوكالة"، و"أدى زيادة الطلب إلى مضاعفة الأسعار، ففي السابق كانت هناك إمكانية لشراء سيارة لقاء 3 آلاف دولار. أما الآن فارتفع إلى 5 آلاف لنفس السيارة".
انكماش سوق السيارات الجديدة
معاناة اللبناني تؤكدها الدراسات والأرقام، بحسب دراسة حديثة لـ"الدولية للمعلومات"، فإن لبنان شهد تراجعاً كبيراً في استيراد وبيع السيارات الجديدة. فقد بلغ عدد الجديدة التي بيعت في لبنان 4702 سيارة، مقابل 6152 سيارة في 2020، و21991 سيارة في عام 2019.
وفي الأعوام بين 2015 – 2021 تراجع عدد السيارات الجديدة المبيعة بمقدار 34659 سيارة، أي ما نسبته 88 في المئة. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد السيارات في 2015 كان 39361 سيارة جديدة، قبل أن تتراجع هذه النسب في السنين اللاحقة.
استباق الدولار الجمركي
استشعر كل من التجار والزبائن في لبنان الآثار التي سيعكسها رفع الدولار الجمركي على أسعار السلع المستوردة في لبنان. وبما أن القدرة على شراء السيارة الجديدة "الوكالة" محصورة بذوي الدخل المرتفع، اتجه اللبناني إلى المعارض لشراء السيارات القديمة المستعملة والمستوردة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يوضح شادي شما، تاجر سيارات لبناني، أن "سوق السيارات المستعملة شهدت حركة ملحوظة خلال الفترة القليلة الماضية"، لافتاً إلى أن هناك تخوفاً حقيقياً من تأثيرات لرفع الدولار الجمركي على قطاع استيراد وبيع السيارات في لبنان، لأن "احتساب الدولار الجمركي ما زال عند مستوى 1500 ليرة، وسيؤدي رفعه واعتماد سعر المتداول في السوق إلى تراجع كبير".
ويتحدث شما عن انعكاسات كبيرة لحالة الجمود، التي قد تدخلها سوق السيارات المحلية، وستقتصر على "القادم من الخارج الذي يمتلك الدولار"، لافتاً إلى أن "سوق السيارات تؤمن العمل لعشرات المهن الأخرى من التخليص الجمركي، إلى التاجر، والنقل، والحدادة والدهان، والتفريش، وغيرها كثير كالأكسسوار، وقطع الغيار، وفي حال تراجعها ستتراجع تلك المهن بصورة لصيقة".
ويتوقع، "يمكن أن يزداد سعر السيارة بين 4000 و5000 دولار، وسيؤدي غلاء السيارات إلى عدم قدرة اللبناني على شرائها، الأمر الذي يقود إلى استرجاع القديم". ويشير شما إلى أن "المصدر الأساسي للسيارات المستعملة هو الخليج والولايات المتحدة، أما التعامل مع السوق الأوروبية فقد تراجع خلال العقد الأخير، بسبب فارق سعر اليورو".
كما يتحدث عن إجراءات احتياطية يتخذها التجار من تقييد عمليات البيع أو رفع الأسعار تحسباً لغلاء الرسوم الجمركية، و"قيام البعض بتخزين السيارات"، جازماً بأن "البيع والتقييم يجريان بالدولار الأميركي، لأن سعر الصرف غير مستقر".
السيارات الصغيرة
تتقاطع مواقف تجار السيارات والمواطنين على فكرة أن "السيارة الصغيرة هي المفضلة حالياً". ويؤكد جو كرم، صاحب مؤسسة لتجارة السيارات في جبل لبنان، أن "سوق السيارات جيدة حالياً"، وأن "الإقبال ينصبّ على السيارات التي يبلغ ثمنها 15000 دولار، وما دونها"، موضحاً، "لم يعد بإمكان المواطن شراء السيارات من الشركات في ظل الأوضاع الراهنة"، كما أن "سيارات الكيا والمرسيدس هي الأكثر بيعاً، وعليها الطلب المرتفع. الطلب كبير على 4 سلندر، فيما تراجع نسبياً 6 سلندر، وتراجع بصورة كبيرة للسيارات 8 سلندر".
لاحظ كرم أن الإقبال ازداد مع طرح قضية رفع الدولار الجمركي، "ربما يحاول المواطن حماية نفسه من انعكاسات هذا الموضوع". ويلفت إلى أن "كل سيارة ارتفع سعرها ما لا يقل عن 1000 دولار أميركي". ويعبر عن تخوفه من أثر رفع الرسوم الجمركية على تجار السيارات المستوردة المستعملة، موضحاً أن "التاجر يدفع رسوماً أعلى على استيراد السيارات المستعملة من الخارج (نحو 4000 دولار أميركي)، مقارنة بتلك التي يدفعها وكلاء السيارات الأجنبية الجديدة (نحو 900 دولار أميركي) بفعل الحسم الذي تحظى به".
ويقول كرم، "إذا أصبح الفرق ضئيلاً بين السيارة المستعملة وتلك الجديدة، صفر كيلومتر سير، سيفضل المواطن تلك الجديدة، وستستعيد الوكالات نشاطها حينذاك".
ويعتقد جو كرم أن "السوق في حالة مستقرة حالياً"، إلا أن استمرار ذلك رهن عدم التقلب السريع لسعر صرف الدولار.