مع تقدّم القوات الروسية في أكبر مدينتين في أوكرانيا، أجرت محفظة "بلاك روك" عملية بدت كأنها صفقة. فيما تخلّت "بوليميتال" (شركة تعدين المعادن الثمينة الأنغلو روسية مسجلة في سانت هيلير، جيرسي) المدرجة في لندن عن أكثر من ثلث قيمتها في 24 فبراير (شباط) الماضي، وهو اليوم الذي شن فيه فلاديمير بوتين غزواً على أوكرانيا.
جمعت شركة "بلاك روك" ما قيمته 12 مليون جنيه استرليني (15.8 مليون دولار) من الأسهم في شركة تعدين الذهب الروسية ووزعتها على أربعة صناديق للموارد الطبيعية. لكن الرهان لم ينجح وهوت الأسهم بنحو 70 في المئة منذ إغلاق التداول في 25 فبراير 2022، مع تخلي المستثمرين عن الأصول الروسية، كما تم إخراج "بوليميتال" من مؤشر فوتسي 100.
"بلاك روك" هي من بين مجموعة كبيرة من المستثمرين العالميين، من خطط التقاعد، إلى صناديق التحوط ومخصصي الثروة السيادية، الذين يمتلكون أصولاً روسية بلغت قيمتها حوالى 170 مليار دولار في نهاية عام 2021. وفي وقت عُلّق عمل أسواق الأسهم في موسكو، والتداول في عدد من أسواق روسيا وإيقاف الشركات الروسية المدرجة في الخارج، قد يكون من المستحيل تداول السندات. وهذا يترك مديري الأصول هؤلاء في مواجهة احتمال تكبد خسائر فادحة.
في المقابل، قال كريستيان ماجيو، رئيس استراتيجية محفظة الأسواق الناشئة في "تي دي سيكيوريتيز" لـ"فايننشال تايمز"، "إذا تركت وأنت تمتلك أصولاً روسية، قد تبيع بسعر منخفض للغاية، على افتراض أن ذلك ممكن، ويمكنك العثور على مشترٍ بالفعل... وإلا فقد تضطر إلى شطبها إلى الصفر".
وفي الأسواق التي لا تزال فيها الأصول الروسية تتغير، انهارت الأسعار، بحيث يتم تداول ديون روسيا بالدولار بنحو 20 سنتاً على الدولار، بينما انخفض مؤشر "إم إس سي آي"(MSCI) الذي يتتبع الأسهم الروسية المتداولة في لندن ونيويورك بأكثر من 95 في المئة هذا العام.
وقالت "بلاك روك" إن شراء "بوليميتال" لم يكُن ممكناً بعد أن وضعت إرشادات جديدة في نهاية الشهر الماضي، تمنع شراء الأصول الروسية، التي تعكس "قيم" الشركة وعملائها. وأوضحت "لقد تحركنا بأسرع ما يمكن بالتنسيق الوثيق مع عدد من الأطراف الأخرى لتلبية حاجات عملائنا في وضع شديد التعقيد والتقلب".
وحتى الآن، قامت 26 شركة على الأقل لإدارة الأصول، بما في ذلك "جي بي مورغان" و"بلاك روك" و"أموندي" و"بيستيتو شرودرز" و"يو بي إس" و"بي إن بي باريبا" و"إيه بي أردن" و"بيستيت"، بتجميد أموال مع تعرّض كبير لروسيا، مما أثنى المستثمرين عن نقل أصولهم المجمعة التي تزيد على 4 مليارات يورو (4.3 مليار دولار) خارج الاستراتيجيات.
حيازات أجنبية في الأسهم الروسية
وتظهر بيانات بورصة موسكو أن إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم الروسية بلغ 86 مليار دولار في نهاية عام 2021. كما يمتلك المستثمرون الأجانب 20 مليار دولار من ديون روسيا بالدولار، والسندات السيادية المقومة بالروبل بقيمة 41 مليار دولار، وفقاً للبنك المركزي، في حين تقدّر "جي بي مورغان" حيازات ديون الشركات بنحو 21 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الرئيس التنفيذي لصندوق النفط النرويجي الذي يبلغ 1.3 تريليون دولار، إن ممتلكاته الروسية لا قيمة لها بعد أن تراجعت 90 في المئة في أسبوعين. وأوضحت "فيديليتي إنترناشونال" أنها خفضت الأوراق المالية الروسية بشكل كبير عبر الصناديق المتضررة. وقالت الشركة "بالنسبة إلى الأوراق المالية المدرجة في روسيا التي لا يمكن تداولها حالياً وتلك التي لا يوجد فيها اكتشاف للسعر، قد يتم تعديل هذه الأسعار إلى الصفر".
وفي الوقت ذاته، علّقت شركة "بروسبريتي كابيتال مانيجمنت"، وهي واحدة من أقدم وأكبر مستثمري صناديق التحوط في روسيا بأصول تبلغ حوالى 3 مليارات دولار، عمليات استرداد المستثمرين وحسابات صافي قيمة الأصول بحيث انخفض صندوق "بروسبريتي" الروسي بنسبة 51 في المئة هذا العام حتى 24 فبراير الماضي.
وأوردت الشركة عبر موقعها على الإنترنت أنها "صُدمت" بالأحداث، مضيفة أنها اعتقدت أن الغزو "لا يمكن تصوره لأسباب عدة من شأنها أن تجعله خطأً فادحاً". ولم تردّ "بروسبريتي" على الفور على طلب للتعليق من الصحيفة.
صناديق محاصرة في الأسواق الروسية
صناديق التقاعد هي أيضاً من بين المستثمرين الأجانب المحاصرين فعلياً في الأسواق الروسية، على الرغم من أن الحيازات الروسية بالنسبة إلى معظم المخططات هي شريحة صغيرة من الأصول الإجمالية.
كان لدى "كالبيرس"، أكبر صندوق تقاعد عام في الولايات المتحدة، حوالى 900 مليون دولار من التعامل مع روسيا، من محفظته البالغة 478 مليار دولار.
كما كان مخطط تقاعد الجامعات، وهو أكبر خطة معاشات تقاعدية في المملكة المتحدة، يضم نحو 0.5 في المئة من محفظة البرنامج البالغة 90 مليار جنيه استرليني (119 مليار دولار)، وحوالى 450 مليون جنيه استرليني (595.2 مليون دولار)، متصلة بروسيا. وأوضحت "كالبيرس"، "سنتطلع إلى بيع هذه الأصول، ولكن في البيئة الحالية ولأسباب واضحة، لا يتم تداول سوى القليل جداً".
وفي الوقت الذي يفكر المستثمرون في ما إذا كان عليهم سحب استثماراتهم من الأصول الروسية، فهم غير متأكدين أيضاً مما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في تلقّي مدفوعات الفائدة على السندات الروسية التي يحتفظون بها، مما يعزّز الاعتقاد بأن موسكو بصدد التراجع عن ديونها.
في المقابل، دفعت الحكومة الروسية قسيمة مقررة قيمتها 96 مليون دولار على إحدى سنداتها المقومة بالروبل، لكنها قالت إن الأموال لن تصل إلى حاملي السندات خارج روسيا بسبب حظر البنك المركزي سداد مدفوعات للأجانب.
وسيأتي اختبار لالتزامها دفع الفائدة على ديونها الخارجية عندما يحين موعد سداد القسيمة التالية في 16 مارس (آذار) الحالي.
