سيُعزل الاقتصاد الروسي إلى حد كبير عن الغرب لحين حدوث تغيير في النظام في موسكو. ولا يمكننا أن نعرف ماذا قد يحدث في أوكرانيا ذاتها، لكن من الصعب أن نرى نتيجة تكون مقبولة في الغرب.
وهذا يعني أن العقوبات المفروضة حالياً قد تستمر سنوات. وستكتشف الشركات الغربية أنها تتعرض إلى ضغوط متزايدة كي تتجنب أي استثمارات تشمل روسيا. وستكون التجارة محدودة للغاية، على غرار ما كانته أثناء "الحرب الباردة"، بين نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط سور برلين، وسيبحث مستوردو المنتجات الروسية، بما في ذلك النفط والغاز، عن مصادر أخرى للإمدادات.
وستُمنَع صادرات التكنولوجيا الغربية، ومن المحتمل إلى حد كبير أن توقف ضغوط المستهلكين والمستثمرين بيع بنود أخرى، لا سيما البضائع الفاخرة.
وما بدأ في الأيام القليلة الماضية، مع سحب "بريتيش بتروليوم" استثمارها في "روسنفت" وقطع "شل" علاقاتها مع "غازبروم"، سيتحول إلى سيل عارم. إذ يشير صندوق الثروة السيادية [عائدات استثمارات عامة] في النرويج، وهو الأكبر على مستوى العالم، إنه سيعلن خططه للخروج من روسيا في غضون أسبوعين. وتقطع شركات قانونية عالمية العلاقات مع بعض عملائها الروس.
وتوقف "فولفو" و"جاكوار لاند روفر" تسليمات المركبات. وسيكون علينا أن ننتظر ونرى ما الذي قد تقوم به "رينو"، ذلك لأن روسيا تعد ثاني أضخم أسواقها، إلا أن إنتاجها هناك أصبح مهدداً بسبب ضرورة استيراد المكونّات، الأمر الذي سيكون صعباً نظراً إلى الحظر المفروض على السفر والنقل. ويروج أيضاً إن "أفتوفاز"، وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في روسيا وتسيطر عليها "رينو"، تسعى إلى الحصول على إمدادات بديلة من الرقائق الإلكترونية والمكونات الأخرى. لكن بوسعي أن أرى "رينو" تتعرض إلى ضغوط من جانب المستهلكين بهدف حملها على فك الارتباط [مع روسيا]. هل تريدون حقاً شراء سيارة من شركة تمنح الرئيس بوتين دعماً بحكم الأمر الواقع؟
كم سيطول ذلك السيل؟ هناك وجهتا نظر. الأولى، السائدة حتى بضعة أيام، تشير إلى أن الجوانب العملية للتجارة الأوروبية مع روسيا تعني أن التجارة ستعود تدريجياً بعد توقف مؤقت. وفق ما لاحظ كثيرون، تعتمد أوروبا في شكل كبير على روسيا في الحصول على غازها، وأوروبا جهة مشترية كبرى للنفط الروسي.
ويبدو أن مدفوعات النفط والغاز استُبعِدت من الحظر المفروض على المدفوعات الدولية، حينما استُبعِدت بعض المصارف الروسية من آلية "سويفت" لتحويل الأموال. وعلى أي حال، يذهب حوالى 20 في المئة من النفط الروسي إلى الصين التي ستشتري مزيداً منه. أما بالنسبة إلى الواردات، فيشير تاريخ العقوبات في أماكن أخرى إلى أن البلد المستعد لدفع مزيد من المال في مقابل منتج ما، يتمكن عادة من الحصول عليه.
لكن وجهة النظر هذه يبدو أنها انحسرت نتيجة للأدلة المتنامية على وقوع كارثة إنسانية في أوكرانيا، أخشى أن شدتها ستزيد على الأرجح في الأيام المقبلة. ونتيجة لهذا، باتت تهيمن وجهة النظر الثانية القائلة بأن روسيا ستصبح دولة منبوذة على غرار كوريا الشمالية. إذ تستطيع الحكومات أن تفرض ضغوطاً على المصارف والشركات التجارية حتى لا تتعامل مع روسيا وستواصل ذلك، لكن المحرك الأكثر قوة سيتمثل في المستثمرين والعملاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتلخص أحد أوجه تلك الصورة [التي ترسمها وجهة النظر الثانية] في الاستثمار وفق عوامل بيئة الاستثمار والعوامل الاجتماعية ومعايير الحوكمة، إذ يدرس المستثمرون المحتملون العوامل المتعلقة بالبيئة والاجتماع والحوكمة للشركات، حين يوظفون أموالهم. وتضطر الشركات إلى الالتزام بمعايير أعلى في مجال البيئة والمجتمع والحوكمة، أو على الأقل بذل جهود لتحسين أدائها. مثلاً، بدأ صندوق الثروة السيادية في النرويج في سحب الاستثمار من قطاع الوقود الأحفوري قبل ثلاث سنوات. وبوسع الشركات أن تتحدى اختيارات المستثمرين، لكنها ستجد صعوبة في جمع رؤوس أموال جديدة، إذا كانت في حاجة إليها.
في سياق مماثل، يبرز وجه آخر في تلك الصورة نفسها، يتجسّد في مقاطعة المستهلكين. هناك تاريخ طويل من هذه الممارسة، ويشمل ذلك في الآونة الأخيرة الطريقة التي مارس بها مستخدمو "تويتر" الضغط على المنصة لاستبعاد أبرز مستخدميها، دونالد ترمب، بعد اقتحام الكابيتول في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. وفي هذا الصدد، سيجري استهداف الشركات التي تفشل في الانفصال عن روسيا.
ولن تؤدي هذه الضغوط على الفور إلى فرض تغيير في الزعامة في الكرملين. إذ لا يعمل العالم وفق هذه الطريقة. في المقابل، ستتصاعد الضغوط تدريجاً وبلا هوادة.
تشكل روسيا أهمية كبرى باعتبارها منتجاً رئيسياً للنفط وبعض المعادن، وستجد هذه المنتجات طريقها إلى الأسواق الدولية. لكن، إذا لم تتمكن روسيا من استيراد التكنولوجيا من الغرب، فستقتصر الخيارات الوحيدة الأخرى على الصين والهند. وسيتعرض كل من البلدين إلى ضغوط شديدة بهدف عدم جعل الحياة في غاية السهولة لروسيا، ولن يكون بوسع أي منهما أن يوفر كل ما تحتاج إليه روسيا كي تتمكن من المنافسة في الأسواق العالمية.
ويجدر تكرار النقطة القائلة بأن الاقتصاد الروسي يمثل أقل من إثنين في المئة من الاقتصاد العالمي. وسنشهد تعديلات قاسية في الأشهر المقبلة، على غرار ما نشهده بالفعل من تعديلات في أسعار النفط والغاز، لكن العالم يستطيع أن يمضي قدماً من دون روسيا. وسيفعل ذلك على نحو متزايد.
© The Independent