رفعت كتائب عسكرية في طرابلس حالة التأهب، وأصدر رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة قراراً بالقبض على فتحي باشاغا ووزراء حكومته، فور دخولهم إلى العاصمة، في مؤشر جديد على المخاطر الأمنية التي تواجه مساعي رئيس الوزراء الجديد لتسلم السلطة بشكل سلمي، وتهدد بفصل جديد من الصراع المسلح على السلطة بعد عامين من الهدوء.
وفي محاولة لتجنب تداعيات كل هذه المخاطر والمؤشرات المقلقة، طرحت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني وليامز مبادرة جديدة للخروج من الأزمة الحالية، تقترح عودة لجان التفاوض في مجلسي النواب والدولة إلى طاولة الحوار، للتوافق على خريطة طريق جديدة تقود إلى الانتخابات في أجل قريب.
ولقيت هذه المبادرة ترحيب كل الأطراف السياسية في غرب ليبيا، منها مجلس الدولة والحكومة والمجلس الرئاسي، بينما رفضها مجلس النواب رفضاً قاطعاً، محذراً البعثة الأممية من النتائج التي قد تؤدي إليها، والتي قد تصل لتقسيم البلاد.
قرار بالقبض على باشاغا
وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بصفته وزيراً للدفاع، أمراً بالقبض على رئيس حكومة "الاستقرار" المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا ووزراء حكومته، قبل توجه باشاغا إلى طرابلس لتسلم مقرات الحكومة التي يرفض الدبيبة تسليمها له، ويتمسك باستمرار حكومته وإجراء انتخابات برلمانية في يونيو (حزيران) المقبل.
وأدى باشاغا اليمين الدستورية رئيساً جديداً للوزراء، الخميس الماضي، بمقر مجلس النواب في طبرق، وتعهد بخدمة المواطن الليبي وتهيئة الأجواء للانتخابات وإزالة القوة القاهرة، فيما احتجزت قوى عسكرية في مصراتة تابعة للدبيبة اثنين من وزراء حكومة باشاغا، ومنعتهما من التوجه إلى طبرق، ثم أطلقت سراحهما.
وفي مؤشر آخر على الصدام العسكري المحتمل عند توجه باشاغا لتسلم السلطة من الدبيبة أعلنت كتيبة "النواصي"، واحدة من أكبر الكتائب العسكرية في طرابلس، مساء السبت، حالة الطوارئ، بعد ورود أنباء عن توجه باشاغا، الأحد 6 مارس (آذار) إلى العاصمة، مع انتشار كبير لآليات عسكرية تابعة للكتيبة.
وذكرت مصادر في الكتيبة، في تصريحات إعلامية، أنها ستتوجه إلى مطار معيتيقة الدولي لمنع طائرة على متنها باشاغا من الهبوط على مدرج المطار، كما هو مقرر لها، كما أشارت إلى أن الآليات العسكرية التابعة للكتيبة ستكون موجودة على مدرج المطار، لإيصال رسالة إلى باشاغا، مفادها رفضهم له ولتسلمه رئاسة الحكومة.
وكانت قيادات عسكرية واجتماعية حذرت بعد اجتماع لها في طرابلس، رئيس الحكومة الجديد وأعضاء حكومته من دخول المدينة، محذرة من العواقب الوخيمة لهذا الأمر.
باشاغا يصر على موقفه
وعلى الرغم من كل هذه العوائق والمخاطر التي تحيط برغبة باشاغا في استلام السلطة ومباشرة عمله من طرابلس، فإنه يبدو مصراً على دخول العاصمة في أقرب وقت.
هذا الموقف أكد عليه، باشاغا، للسفير الأميركي، السبت، قائلاً: إنه "حريص على استلام مهامه بشكل سلس وفقاً للقانون، ومباشرة مهام عمله من العاصمة طرابلس".
وأعلن "التزامه بتهيئة الظروف الملائمة كافة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بحسب خريطة الطريق المتفق عليها".
وفي كلمة مسجلة موجهة إلى مدينة مصراتة، مسقط رأسه، ورئيس الحكومة المقال من البرلمان عبد الحميد الدبيبة، دعا رئيس الحكومة الليبية المكلف إلى "لم شمل الليبيين وحقن الدماء ومنح الإصلاح بالحسن فرصته".
وقال باشاغا، إن "التوافق يحتاج إلى تنازلات خصوصاً أن ليبيا تعيش وضعاً حرجاً وحساساً وبحاجة إلى تضحياتنا جميعاً بالعمل والمصالحة، ولا بد لعدم الاستقرار أن ينتهي، والحروب أن تتوقف، ومن يقوم بذلك غير مصراتة؟".
مبادرة من البعثة الدولية
ولتجنب تداعيات هذا التصعيد السياسي والعسكري، والذي يهدد بنسف كل ما تم التوصل إليه من توافقات واتفاقات برعاية البعثة الأممية في ليبيا والعودة بالأزمة إلى المربع الأول، طرحت الأخيرة مبادرة تقترح تشكيل لجنة مشتركة بين مجلسي الدولة والنواب تتكون من 12 عضواً، بواقع ستة من كل مجلس، على أن تجتمع في 15 مارس الحالي، في مكان يتم التوافق عليه، للعمل لمدة أسبوعين على وضع قاعدة دستورية توافقية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وحددت البعثة، الثلاثاء المقبل الثامن من مارس، موعداً، أخيراً، لانتظار الرد السريع من المجلسين، مؤكدة مسؤولية المؤسسات الليبية في "إبداء حسن النية في العمل والانخراط معاً بشكل بناء للمضي نحو الاستحقاق الانتخابي".
وحظيت مبادرة البعثة الدولية بترحيب كبير وسريع من أغلب الأطراف السياسية في المنطقة الغربية، بداية من موافقة مجلس الدولة، الذي اعتبر في بيان، أن "هذه المراسلة كانت استجابة واضحة لمطلب المجلس الذي أقر قاعدة دستورية كاملة في سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي يمكن البناء عليها لإيجاد توافق وطني"، مؤكداً أن "دور البعثة سيكون فقط في رعاية عمل اللجنة من دون التدخل فيه".
أما المجلس الرئاسي، فقد عبر على لسان رئيسه محمد المنفي عن الترحيب بمبادرة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، فيما دعا نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، مجلسي النواب والدولة إلى "التعامل بجدية ومسؤولية مع مقترح وليامز".
وأبدت أطراف دولية عدة دعمها مبادرة البعثة الأممية، بداية من الاتحاد الأوروبي الذي عبر عن دعمه "مبادرات الأمم المتحدة، التي تمثلها المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، وبعثة الدعم في ليبيا"، مطالباً الأطراف المحلية بـ"الامتناع عن العنف وضبط النفس".
وفي بيان مشترك أيدت "فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأميركا" الوساطة التي تقودها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، مبدية استعدادها لـ"محاسبة من يهدد الاستقرار بالعنف أو بالتحريض عليه".
وذكرت الدول الخمس أن "الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، الذين يعرقلون أو يقوضون الاستكمال الناجح لعملية الانتقال السياسي في ليبيا، قد تحددها لجنة عقوبات ليبيا التابعة لمجلس الأمن، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2571 (2021) والقرارات ذات الصلة".
رفض البرلمان
في الطرف الشرقي، رفض مجلس النواب رفضاً قاطعاً التعامل مع المبادرة التي طرحتها البعثة الأممية في ليبيا، وقال عضو البرلمان عيسى العريبي، إنه "بالفعل هناك لجنة خريطة طريق ليبية- ليبية، والتي توجت بالتعديل الدستوري رقم 12 وخريطة طريق واضحة مضمنة في التعديل الدستوري، والتي تؤدي لانتخابات بجدول زمني واضح بعد 14 شهراً".
وحذر العريبي من أن "مقترح وليامز سيؤدي إلى انقسام ليبيا، وهي ستتحمل مسؤولية أي عبث قد يحدث بناء عليه".
وأشار إلى "تمسك مجلس النواب بخيار تشكيل حكومة جديدة، مهامها تعزيز الاستقرار والمصالحة الوطنية وتجهيز للانتخابات الرئاسية والتشريعية".
من جانبه، اعتبر النائب عبد المنعم العرفي أن "مبادرة ستيفاني وليامز تجاوزها الزمن، بعد أن أصبحت لدينا حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، وأبرز ما تم من خلالها هو التوصل إلى تسمية وزير للدفاع للمرة الأولى مرة منذ سنوات، وهو ما يضمن تكوين قوة واحدة واندثار كل الميليشيات الموجودة".
وشدد على ضرورة "دخول باشاغا إلى العاصمة لممارسة مهامه، وإذا فشلت هذه العملية فسيكون ذلك بمثابة آخر مسمار يدق في نعش وحدة ليبيا".