المنظمات النسوية من آخر مكونات المجتمع في تركيا التي تستمر في حشد صفوفها في بلد يقمع غالبية التظاهرات، ويحظرها، رافضةً الإقرار بالهزيمة في وجه ظاهرة قتل النساء الآخذة بالتفاقم.
تقول كنان غولو، مديرة اتحاد جمعيات النساء في تركيا، لوكالة الصحافة الفرنسية، "الحركة النسوية أحدثت وعياً في المجتمع يشكل مصدر فخر لنا، وأتى ذلك نتيجة التعبئة ورفضنا الإذعان".
وتشدد قائلة، "ليس لدينا مرتزقة في تصرفنا، ولا ندفع أحداً للتظاهر في الشارع، بل تأتي ناشطات من كل فروع الحركة". وعلى جري العادة في الثامن من مارس (آذار) من كل سنة، ستكون التركيات على الموعد في اليوم العالمي للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي أجواء مرحة، الأحد، وعلى وقع الموسيقى، كانت نساء يعكفن على إعداد اللافتات للمناسبة في أحد مقار جمعية نسوية في حي بك أوغلي التراثي بإسطنبول. ومن الشعارات المكتوبة عليها "فلنستمر في التمرد النسوي"، و"التمرد النسوي أينما كان".
اتفاقية إسطنبول
وحصلت النساء في تركيا على حق التصويت في عام 1934 قبل فترة طويلة من بعض الدول الأوروبية.
وفي عام 2011، كانت أنقرة أول عاصمة توقع اتفاقية إسطنبول التي تتعهّد مكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة قبل أن تنسحب منها بعد عشر سنوات حارمةً النساء من الحماية.
وأكدت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان يومها أن الاتفاقية تتضمن "أجندة خفية" تهدف إلى "جعل المثلية الجنسية أمراً طبيعياً"، ما يتعارض مع "القيم الاجتماعية والعائلية في تركيا".
وتقول غولو، "النساء في الشارع منذ عام 2021، وفي حين كان 6 في المئة فقط من سكان البلاد على علم بهذه الاتفاقية، بات أكثر من 66 في المئة على دراية بها".
وتستمر النساء التركيات بشجاعة في النزول إلى الشارع غير آبهات بالغاز المسيل للدموع والمواجهات الخشنة مع الشرطة التي باتت اعتيادية خلال التجمعات في السنوات الأخيرة.
جرائم يومية
لا يمر يوم لا يحمل معه جريمة جديدة تُرتكب في حق نساء عموماً من قبل زوج أو أقارب. وفي فبراير (شباط) أثار قتل سيلا سنترك (16 عاماً) من قبل الرجل الذي أعلنت عائلتها خطبتها عليه بالقوة، تنديدات كثيرة.
وقال المخرج غني مجدي، "ليعمي نور عيني هذه الفتاة، الذين تركوها بين أيدي قاتلها. وليغمركم دم الخطيبات اليافعات".
وفي عام 2021، قتلت 416 امرأة، بحسب منصة "أوقفوا جرائم قتل النساء"، التي تحصي كل ضحية في "نصب رقمي" على موقعها الإلكتروني. ومنذ مطلع السنة رصدت قتل 72 امرأة.
وأعلن الرئيس التركي أن سلسلة من الإصلاحات ستُعرض على البرلمان "في أقرب فرصة ممكنة" تشدد العقوبات في حال اعتداءات متعمدة على النساء.
وتقول إليف إجه (35 عاماً) التي تقدم نفسها على أنها مدافعة مستقلة عن حقوق المرأة، "لا ينفع بتاتاً تشديد العقوبات. مشكلتنا هي في عدم تطبيق القوانين". وتتابع قائلة، "نطالب منذ سنوات بتطبيق القوانين الحالية. والعودة إلى اتفاقية إسطنبول".
الإفلات من العقاب
وترى منظمات المرأة أن انسحاب تركيا من هذه المعاهدة الدولية أعطى مرتكبي أعمال العنف شعوراً بالإفلات من العقاب.
وتقول نسيبة كيريس، المحامية المتخصصة بحقوق الإنسان، "مع أن تركيا دولة قانون، إلا أن الرسائل التي يوجهها السياسيون وثقل التقاليد، يستمران في التأثير بشكل جذري على المجتمع".
وتضيف قائلة، "ينظر المرتكبون إلى عدم احترام الحكومة للمعاهدات على أنه يشرع جريمتهم"، لكن المحامية تؤكد أن التعبئة في صفوف النساء أكبر من أي وقت مضى "للتأثير في المجتمع والسياسيين".
وستكون النساء على موعد، الثلاثاء، للمشاركة في المسيرة السنوية الليلية للحركات النسوية في إسطنبول.
وتؤكد الناشطة كبرى كاراكوز (31 عاماً)، "يشكل الثامن من مارس فرصة للكثير من النساء لإسماع صوتهن، وخلال الليل يكون الشارع والساحات للنساء، على الرغم من كل الضغوط الممارسة لطردهن منها".
وتشدد مانان غولو على أن "العنف ليس مصيرنا. النساء يتبادلن الدعم. سنذكّرهم أننا لسنا عاجزات، وأننا سنقف إلى جانبهن كتفاً على كتف لكسب هذا النضال".