عرقلت خلافات القوى الكردية والشيعية العراقية تسمية رئيس الجمهورية والوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة التي تبدو ولادتها صعبة في ظل تمسك أطراف الصراع السياسي بمواقفهم، وأعلن مجلس النواب العراقي، السبت الماضي، الخامس من مارس (آذار)، موافقته على إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية، بعد أن أخفق في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الجلسات السابقة على الرغم من انقضاء مهلة 30 يوماً منذ جلسته الأولى المنصوص عليها في الدستور، ما دفع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى إعادة فتح باب الترشيح مرة ثانية في الثامن من فبراير (شباط) الماضي.
ورأت المحكمة الاتحادية قبل أيام أن إعادة فتح باب الترشح غير دستورية ما لم تخضع للتصويت في البرلمان، وبناءً على ذلك، عقد المجلس، السبت، جلسة لطرح القرار على التصويت. وشارك بالجلسة 265 نائباً من أصل 329، وبلغ عدد المصوتين لصالح قرار فتح باب الترشيح لمدة ثلاثة أيام 203 في وقت رفض فيه 62 نائباً التصويت.
تلبية الاستحقاقات
بدوره، أكد الرئيس العراقي، المنتهي ولايته برهم صالح، ضرورة تلبية الاستحقاقات الوطنية الدستورية بتشكيل الحكومة الجديدة، وبشأن الأوضاع السياسية العامة في البلد، شدد رئيس الجمهورية على "ضرورة الشروع في تلبية الاستحقاقات الوطنية والدستورية وعدم تعطيلها"، مشيراً إلى أن "مهام مجلس النواب الجديد والحكومة التي ستنبثق عنه ستكون جسيمة ومأمولاً منها الكثير، كونها جاءت بعد انتخابات مبكرة استجابة لحراك ورأي عام شعبي واسع يقر باستحالة استمرار الوضع الراهن، وأهمية تصحيح المسارات، والتركيز على الإصلاح الجدي ومكافحة الفساد". وتابع أن "الحاجة الملحة للحكم الرشيد عبر عقد سياسي واجتماعي جديد ليس مطلباً ترفياً، بل ضرورة حتمية تفرضها الظروف السياسية والاقتصادية الداخلية والتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة"، منوهاً إلى أن "صياغة هذا العقد يكون بمشاركة الرأي العام الوطني بفعالياته السياسية والأكاديمية والاجتماعية".
سلة واحدة
بدوره، أكد الحزب الديمقراطي التوجه للتصويت على تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف سلة واحدة في جلسة مجلس النواب المقبلة، وتوقع تشكيل الحكومة الجديدة نهاية أبريل (نيسان) المقبل.
وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم لوكالة الأنباء العراقية، إن "التحالف الثلاثي عقد اجتماعين تم فيهما وضع أسس انعقاد جلسة مجلس النواب المقبلة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية والتحشيد لتوفير أغلبية الثلثين اللازمة لتسمية المنصب وتكليف مرشح الكتلة الأكبر الممثلة بالتحالف الثلاثي بتشكيل الحكومة الجديدة في الجلسة نفسها وبسلة واحدة". وأضاف أنه "إذا سارت الأمور كما هو متوقع، فنرجح تشكيل الحكومة الجديدة في نهاية شهر أبريل المقبل أو نهاية رمضان المبارك بعد أن يمنح المكلف شهراً لتسمية أعضاء حكومته، وستكون حكومة قوية مدعومة من كتلة قوية مسؤولة أمام الشعب، وستحاسب هذه الكتلة الحكومة أمام مجلس النواب في حال فشلها، وإذا نجحت فستكون الكتلة داعمة لها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر عبد الكريم أن "الجلسة السابقة أثبتت ثقل التحالف الثلاثي بما حصل فيها من تصويت بإعادة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية بغالبية 203 أصوات، والآن هو بحاجة إلى 17 صوتاً آخر لتحقيق أغلبية الثلثين لتمرير مرشحه لرئاسة الجمهورية، وهناك تفاهمات بهذا الخصوص مع كتل، ما يعني قدرة التحالف على تمرير المرشح لرئاسة الجمهورية ريبر أحمد بالأغلبية اللازمة". وأكد أن "أحمد هو مرشح الحزب الديمقراطي للمنصب، وربما يضاف إليه مرشح آخر أو أكثر لم يحدد اسمه بعد، بهدف الحيلولة دون تكرار سيناريو مرشحنا السابق هوشيار زيباري الذي كان المرشح الوحيد للحزب".
وحددت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني النيابية، شرطاً لاختيار مرشح رئاسة الجمهورية، بينما أشارت إلى مدة تقديم أسماء المرشحين للتنافس على المنصب ومدة الطعون، وقالت رئيس الكتلة فيان دخيل في تصريح صحافي إن "عدداً من المرشحين سيقدمون أسماءهم لمنصب رئيس الجمهورية بعد تصويت مجلس النواب على فتح باب الترشيح للمنصب بتصويت 205 نواب مقابل امتناع 62 نائباً"، مبينة أن "مرشح الديمقراطي الكردستاني الوحيد هو ريبر أحمد". وأضافت، "هناك مدد دستورية يجب ألا يتم تجاوزها، ولا بد من أن يكون هناك توافق بشأن منصب رئيس الجمهورية للمضي بالعملية السياسية"، موضحة أن "المدة الدستورية لتقديم أسماء المرشحين للتنافس ثلاثة أيام، ومدة تقديم الطعون بعد إعلان أسماء المرشحين سيكون خلال ثلاثة أيام أخرى، والنظر في الطعون ثلاثة أيام أيضاً".
إدارة المرحلة المقبلة
وفي الجانب المقابل، أكد عضو ائتلاف دولة القانون، عارف الحمامي، أن الإطار التنسيقي ماضٍ في التصويت لمن يتفقون معه في مسألة اختيار رئيس الجمهورية، وفي وقت عد فيه "الحلول الترقيعية لا تنجح، بل تفتح أبواب الفساد"، أشار إلى أن مطالب الإطار التنسيقي تتلخص بإدارة المرحلة المقبلة، وأن يكونوا شركاء باختيار رئيس الوزراء المقبل. وقال الحمامي في تصريح صحافي إن "المباحثات بين الأطراف السياسية مستمرة، لكن لم يظهر إلى العلن نتائج تدعو للتفاؤل، إلا أننا لن نقطع سبل التواصل مع كل الكتل، فالجميع أدركوا ألا سبيل غير التفاوض". وذكر أن "التحالف والإطار التنسيقي، لم يحققا الثلثين، وهذه المسألة شكلت عقبة عند الكتل السياسية، لذلك نأمل، قبل انعقاد جلسة اختيار رئيس الجمهورية، أن تصل الكتل السياسية إلى تفاهمات تسفر عن فك الانسداد السياسي الذي أثر سلباً على جميع أبناء البلد، وعطل مؤسسات الدولة، باعتبار الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال والموازنة معطلة، وهذه المشاكل لا يمكن حلها إلا من خلال التفاهمات بين الكتل السياسية".
أضاف أن مطالب الإطار "ليست تعجيزية"، وتتلخص في المشاركة بإدارة المرحلة المقبلة، وأن يكون شريكاً في اختيار رئيس الوزراء، وبشأن اختيار رئيس الجمهورية، أشار الحمامي إلى أنهم ماضون مع من يتفقون معه.
خمسة آراء قانونية
وقدم الخبير القانوني علي التميمي، خمسة آراء قانونية، بشأن إجراءات فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مجدداً وفق قرار المحكمة الاتحادية العليا. وقال التميمي في تصريح صحافي، "وفق قرار المحكمة الاتحادية ستفتح الجلسة بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، يعني نصف العدد الكلي زائداً واحداً، وعندما تطلب رئاسة البرلمان التصويت يجب موافقة الأغلبية البسيطة، نصف عدد الحضور زائداً واحداً، وفق المادة 59 من الدستور". وأضاف، "في حال حصل التصويت أعلاه وبالموافقة، سنكون أمام الإجراءات التي نصّ عليها قانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية 8 لسنة 2012 في المواد 2 و3 و4 و5 منه من حيث فتح الترشيح خلال 3 أيام من الموافقة، ويقدم الراغبون بالترشيح طلباتهم خلال 3 أيام من الإعلان، ثم تعلن رئاسة البرلمان الأسماء، ويجوز الطعن أمام المحكمة الاتحادية خلال 3 أيام للمعترضين لمن لم يظهر اسمه، وتبتّ المحكمة الاتحادية بالطعون خلال 3 أيام من تسجيلها لديها". وأشار التميمي إلى أن "المادة 72 من الدستور، أوجبت أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال 30 يوماً من تاريخ الجلسة الأولى".
ونوه إلى أن "رئاسة البرلمان ستحدد بعد ذلك، موعداً لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية خلال مدة 30 يوماً وبالإجراءات المنصوص عليها في المادة 70 من الدستور العراقي من حيث افتتاح الجلسة بحضور الثلثين وبدء التصويت كذلك، كما قالت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها، على أن يكون فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية لمرة واحدة فقط ولمدة وجيزة ومعنى الوجيزة، أي مدة قصيرة".
وفي حال عدم موافقة البرلمان على فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من جديد، لفت الخبير القانوني إلى أن "رئاسة البرلمان ملزمة بتحديد موعد لانتخاب رئيس الجمهورية، يقتصر على الذين حصلت عليهم الموافقة في المرة السابقة، أو الأولى فقط".