وصلت الأزمة السودانية بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى الحرية والتغيير إلى مرحلة جديدة، بعدما رفضت المعارضة دعوة من المجلس إلى للعودة إلى المفاوضات، ما أدى إلى تدخل أطراف دولية وإقليمية لحمل الطرفين على العودة إلى المسار السياسي وتجنيب البلاد فوضى أو حرباً أهلية.
أرقام متضاربة
أعلنت لجنة الأطباء المركزية المعارضة أن عدد القتلى في أحداث فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، وما رافقها من أعمال عنف في العاصمة وولايات أخرى، بلغ 108 قتلى وأكثر من 500 جريح غالبيتهم في حالة خطرة. وأعلنت أنها وثقت انتشال 40 جثة من النيل، لكن السلطات نقلت تلك الجثث إلى جهات مجهولة. في المقابل، أوردت وزراة الصحة أن من قُتلوا منذ فض الاعتصام في الخرطوم والولايات بلغ 61 قتيلا بينهم عسكريان إلى جانب عشرات الجرحى. وبدأت حركة المرور في الخرطوم تعود إلى طبيعتها، بعدما فتحت القوات الأمنية الطرق الرئيسة وأزالت الحواجز والمتاريس واعتقلت بعض الشباب الذين كانوا يحرسون هذه الحواجز، في حين ظلت بعض الطرق الجانبية وفي داخل الأحياء مغلقة، حيث دخل عشرات المحتجين في اشتباكات مع القوات الأمنية ووقعت حالات كر وفر بين الطرفين. وشهدت العاصمة اليوم شحاً في المحروقات نتيجة توقف بعض شركات النقل عن ترحيل المشتقات النفطية من مصفاة الخرطوم للنفط شمال الولاية إلى محطات الخدمة بسبب مخاوف من إغلاق الطرق والظروف الأمنية، ما أدى الى اصطفاف طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الخدمة. كما باشر مطار الخرطوم الدولي استقبال الرحلات الدولية بعد توقف دام يومين.
اجتماع دبلوماسي مع العسكر
عقد 47 من الدبلوماسيين العرب والأجانب لقاءاً مغلقاً وبعيداً من وسائل الإعلام مع اثنين من قادة المجلس العسكري، هما الفريق شمس الدين كباشي رئيس اللجنة السياسية والناطق باسم المجلس، والفريق جمال الدين عمر رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس. وعلمت "اندبندنت عربية" أن القائم بالأعمال الأميركي والسفير البريطاني وسفير الاتحاد الأوروبي ورئيس الاتحاد الأفريقي ركزوا على ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف في عملية فض المعتصمين بالقوة وقتل عشرات المحتجين، كما شددوا على ضرورة عودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات لضمان نقل السلطة للمدنيين ومنعاً للفراغ السياسي. وأثاروا الضمانات التي أعدها المجلس العسكري لإجراء الانتخابات. وكشفت مصادر حضرت الاجتماع عن أن الفريق كباشي أبلغ الدبلوماسيين أن المجلس العسكري غير راغب في الاستمرار، وأنه حدد الانتخابات بعد 9 أشهر لتأكيد ذلك، كما أنه يريد نقل السلطة إلى قوة مفوّضة من الشعب السوداني. كذلك أطلع الكباشي الدبلوماسيين على أن المجلس العسكري سيستأنف المحادثات مع المعارضة، لكن بمشاركة قوى أخرى ومنظومات شبابية. وذكرت المصادر ذاتها ان الدبلوماسيين وعدوا بإقناع قادة المعارضة بالعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث الانتقال السلمي للسلطة مع ضمان التحقيق الشفاف بأحداث فض الاعتصام.
مبادرة سياسية
دعا حزب المؤتمر الشعبي ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، إلى لقاء سياسي في مقره حضره أكثر من 50 حزباً وتنظيماً سياسياً، وقاطعته أحزاب تحالف الحرية والتغيير. وقال نائب الأمين العام للحزب بشير آدم رحمة إن الاجتماع دان استخدام القوة المفرطة ضد المعتصمين وقتل العشرات منهم، كما دان إغلاق المحتجين الطرق، معتبراً ذلك تهديداً لحياة المواطنين. وأوضح أن الاجتماع أيد تشكيل حكومة كفاءات لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية وتوافق القوى السياسية على موعدها وإجراءاتها. ووجه الاجتماع رسالتين إلى الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري وقادة قوى الحرية والتغيير. الصادق المهدي بدوره دعا البرهان إلى إجراء مشاورات مع القوة الشعبية بشأن الأزمة السودانية، وقال إن المجلس العسكري كان له دور مفصلي في الثورة السودانية. وأعلن المهدي أنه يعتزم دعوة كل القوى الثورية المنطوية تحت قوى الحرية والتغيير وغيرها إلى لقاء يناقش الانتقال الديمقراطي في السودان. ورأى أن فض الاعتصام بالقوة أحدث طلاقاً بين المسؤولين عنه وبين قادة الحراك الشعبي.
المعارضة تتمسك بمواقفها
في المقابل، أعلن مدني عباس مدني القيادي في قوى الحرية والتغيير أن المعارضة متمسكة بالإضراب السياسي والعصيان المدني المفتوح، ولن تعود إلى طاولة المفاوضات مع المجلس لأن يديه ملطختان بالدماء. وقال مدني إنهم يثقون بقدرة الشعب السوداني على لإسقاط المجلس العسكري، كما أسقطوا الرئيس المعزول عمر البشير، معتبراً أن آثار العصيان المدني ستظهر بعد انتهاء عطلة عيد الفطر. ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على المجلس العسكري لوقف القتل وترويع المواطنين واستفزازهم. المحلل السياسي أسامة عبدالرحيم رأى من جهته أن هناك ضغوطاً إقليمية ودولية على أطراف الأزمة السودانية للعودة إلى طاولة المفاوضات، قائلاً إن الطرفين سيدفعان ثمن العودة إلى التفاوض إذا تمسكا بمواقفهما. وأشار إلى أن تيارات شبابية وسياسية بدأت تتململ من تعنت المعارضة ورفضها للتفاوض، مما سيفقدها سياسياً. وتخوّف من أن تؤدي حالة الفراغ السياسي واستمرار البلاد بلا حكومة لمدة شهرين، إلى تدخل طرف ثالث لخلط الأوراق وجر البلاد إلى حالة فوضى، تمكنه من فرض أجندته.