على الرغم من المكاسب الحقيقية التي حققها الجنيه المصري خلال السنوات الخمس الماضية وتحديداً منذ تعويمه مقابل الدولار الأميركي والتحول إلى سوق الصرف الحرة، لكن دائماً ما تثير التقارير التي ترد من بعض المؤسسات الدولية العديد من التساؤلات، بخاصة أن الأرقام لا تكذب. الإحصاء الذي أعدته "اندبندنت عربية"، يشير إلى أنه مقارنة بعملات الأسواق الناشئة، تمكن الجنيه المصري من تحقيق مكاسب ضخمة خلال السنوات الخمس الماضية، إذ انخفض سعر صرف الدولار بنحو 20.2 في المئة، وهو ما يشير إلى مكاسب للعملة المصرية بلغت نحو 3.96 جنيه في كل دولار. إذ نزل سعر صرف الدولار من مستوى 19.6 جنيه وهو أعلى مستوى سجله الدولار مقابل الجنيه منذ قرار التعويم، إلى مستوى 15.64 جنيه في الوقت الحالي.
في المقابل، فقد سجلت الليرة التركية وهي إحدى عملات الأسواق الناشئة خسائر بلغت نسبتها 61.4 في المئة، ليربح الدولار نحو 9.06 ليرة، بعدما قفز سعر صرفه من مستوى 5.69 ليرة في 2017 إلى نحو 14.75 ليرة في الوقت الحالي. كما فقد الروبل الروسي نحو 56.2 في المئة من قيمته، بعدما قفز سعر صرف الدولار من مستوى 61.27 روبل في 2017 إلى نحو 140 روبلاً في الوقت الحالي.
وربما كانت خسائر الروبية الهندية هي الأقل، إذ شهد الدولار الأميركي ارتفاعاً مقابل الروبية بنسبة 9.8 في المئة، بعدما ارتفع سعر صرفه من 68.74 روبية في 2017 إلى نحو 76.20 روبية في الوقت الحالي. لكن الريال الإيراني كان الأكثر خسارة، إذ تكبد خسائر خلال السنوات الخمس الماضية بلغت نسبتها 78.25 في المئة بعدما قفز سعر صرف الدولار من مستوى 9200 ريال في 2017 إلى مستوى 42300 ريال في الوقت الحالي.
لماذا أخطأ "جي بي مورغان"؟
وعلى خلفية ارتفاعات الأسعار التي تشهدها السوق المصرية في الفترة الأخيرة، كان بنك الاستثمار "جي بي مورغان"، قد رجح أن تكون هناك حاجة إلى خفض كبير في قيمة الجنيه المصري، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية قد تحتاج إلى مزيد من المساعدة من صندوق النقد الدولي إذا استمر تزايد ضغوط الأسواق المالية. وتوقع محللو البنك الأميركي أن تعاني المالية العامة، التي تواجه ضغوطاً بالفعل، المزيد من الضرر في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية والغذاء والانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس. وأضاف "نتوقع أن تكون هناك حاجة الآن على الأرجح إلى خفض سعر الصرف"، مقدراً أن الجنيه المصري حالياً أعلى من قيمته بأكثر من 15 في المئة.
لكن ربما أخطأ "جي بي مورغان"، في عدم الربط بين موجة التضخم التي تشهدها الأسواق العالمية والبلدان المتقدمة أو الناشئة، وتوقعاته التي ساقها وطرح من خلالها عدة سيناريوهات بشأن العملة المصرية، يتمثل السيناريو الأول في عدم خفض قيمة العملة، والثاني هو سيناريو مشابه للفترة 2014 و2015، عندما سمحت السلطات للعملة بالانخفاض بنسبة خمسة في المئة، ويتمثل السيناريو الثالث في خفض أكبر في القيمة في إطار برنامج جديد مع صندوق النقد. ونتج عن تحليل السيناريو هذا انخفاض محتمل مرجح بنسبة 8.5 في المئة عن السعر الحالي مقابل الدولار الأميركي. مضيفاً أن سعره المستهدف هو انخفاض العملة إلى 17.25 جنيه للدولار.
يرى محلل الاقتصاد الكلي، الدكتور عماد كمال، أن تقارير هذه المؤسسات لا يمكن الاعتماد عليها كوسيلة للتقييم، بخاصة أن بعضها موجه ويثير البلبلة ليس أكثر. لافتاً إلى أن التقرير الأخير لبنك "جي بي مورغان"، تجاهل كل الأرقام والمؤشرات الإيجابية وفصل الاقتصاد المصري عما يحدث في العام من أزمات.
وأوضح في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن التوقعات بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري غالباً ما تحدث خلال هذه الفترة من كل عام، وبخاصة مع قرب موسم شهر رمضان المبارك، حين يزيد الإقبال على العملة الصعبة لتمويل فاتورة الاستيراد الضخمة الخاصة بالسلع الاستهلاكية المرتبطة بموسم استهلاكي اعتاد عليه المصريون. وعلى الرغم من ذلك، لم يحدث أي تغير في سوق الصرف واستقر سعر صرف الدولار عند مستوى 15.64 جنيه حتى الآن. لكن موجة ارتفاعات الأسعار التي تشهدها مصر ليس لها أي علاقة بقوة أو ضعف الجنيه المصري، وترتبط بشكل مباشر بسلسلة الأزمات الخارجية التي تواجه غالبية الاقتصادات في الوقت الحالي.
فالتضخم مرتفع في أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، وفي الأسواق الناشئة هناك بعض الدول تجاوز فيها معدل التضخم 50 في المئة مثلما يحدث في تركيا في الوقت الحالي، وفي روسيا تواجه عملتها انهياراً عنيفاً مقابل الدولار الأميركي، وهو ما يؤكد أن الأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي أكبر من قدرات أي اقتصاد وسوف يتأثر الجميع بموجة التضخم المشتعلة على مستوى العالم.
تصنيف ائتماني قوي
وفيما أصدرت وكالة "فيتش" نحو 45 عملية تخفيض تصنيف سيادي قياسية تؤثر في 27 من 80 سوقاً ناشئة تستعد لها التصنيفات، بما في ذلك المكسيك وجنوب أفريقيا، فإن وكالة "موديز" كشفت عن أن الاقتصاد المصري يدعمه سجل حافل من الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، بما يتوازن مع التحديات الناشئة عن متطلبات التمويل الكبيرة.
وأظهر تقرير "موديز"، أن تحسين مصر تصنيفها الائتماني مستقبلاً، يرتبط باستمرار ضبط أوضاع المالية العامة، وتحقيق خفض ملحوظ في نسبة الدين العام الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن تحقيق خفض ملحوظ في إجمالي مدفوعات الدين كنسبة من الإيرادات، مع استمرار إطالة آجال استحقاق الديون، بالإضافة إلى التحسن المستدام في سوق العمل والصادرات غير البترولية.
وكان البنك الدولي، قد توقع في تقرير حديث، أن تعود مصر إلى مسار النمو الذي كانت عليه قبل جائحة كورونا، لافتاً إلى أن معدل نمو الاقتصاد المصري سيرتفع من 3.3 في المئة للعام المالي 2020/2021 إلى 5.5 في المئة للعامين الماليين 2021/2022، و2022/2023.
وأوضح التقرير أن تلك التوقعات مدفوعة بكل من تعافي الاقتصادات العالمية ولا سيما الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر، فضلاً عن عودة تعافي القطاع السياحي وزيادة صادرات الغاز، بالإضافة إلى النمو المستمر بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك انتعاش قطاعي التشييد والبناء والعقارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستعرض التقرير التحسن في أبرز المؤشرات الاقتصادية، ليتوقع تراجعاً في العجز الكلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 6.8 في المئة عام 2022/2023، مقارنة بـ7.2 في المئة عام 2021/ 2022. وبشأن الفائض الأولي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، توقع البنك الدولي أن يسجل اثنين في المئة عام 2022/2023، مقارنة بـ1.8 في المئة عام 2021/2022، أما عن عجز الميزان التجاري فتوقع البنك أن يتراجع إلى 9.6 في المئة عام 2022/2023، مقارنة بـ10.5 في المئة عام 2021/2022.
قفزة في الاحتياطي والاستثمارات الأجنبية
حزمة أخرى من الأرقام تدعم موقف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، فعلى صعد احتياطي النقد الأجنبي، تشير البيانات إلى ارتفاعها بنسبة 114.8 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، إذ قفز صافي الاحتياطي لدى البنك المركزي المصري من 19.04 مليار دولار في 2017 إلى نحو 40.9 مليار دولار في الوقت الحالي، مضيفاً نحو 21.86 مليار دولار.
كما قفزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 42 في المئة، بعدما ارتفعت من مستوى 21.52 مليار دولار في 2017 إلى نحو 31 مليار دولار في 2021، بزيادة بلغت قيمتها 9.18 مليار دولار. أيضاً، شهد الاستثمار الأجنبي المباشر قفزة كبيرة بلغت نسبتها 307.4 في المئة، مضيفاً نحو 24.9 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية، بعدما قفزت قيمة الاستثمارات الأجنبية من مستوى 8.1 مليار دولار في 2017 إلى نحو 24.9 مليار دولار خلال 2021.