نجت العاصمة الليبية طرابلس من ليلة دامية، كادت تشهد صداماً مسلحاً بين كتائب عسكرية تابعة لرئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا ونظيره المقال من البرلمان عبد الحميد الدبيبة، بعد نجاح وساطات محلية ودولية في تهدئة الموقف، وإقناع القوة المسلحة التابعة لباشاغا بالعودة إلى مصراتة وتأجيل دخولها طرابلس، وباتت مصادر ليبية كثيرة ترجح أن يتم الأمر سلمياً من دون إراقة للدماء.
في الأثناء، واجه رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة يوماً صعباً، بعد أن تخلى مجموعة من الوزراء ووكلاء الوزارات عن مناصبهم بشكل رسمي، استجابة لقرار البرلمان حل الحكومة، ما اعتبر داخلياً إشارة جديدة على أن أيام الدبيبة وحكومته في السلطة باتت معدودة، وربما أقل من أصابع اليد الواحدة، مع تعقد موقفه السياسي بشكل واضح.
طرابلس تتنفس الصعداء
وتنفس سكان طرابلس الصعداء بعد يوم من الترقب ومتابعة الأنباء عن تحركات عسكرية بين القوات الموالية للحكومتين المتنازعتين على السلطة، الآتية من خارج المدينة التابعة لرئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا، والمتمترسة داخلها المناصرة لعبد الحميد الدبيبة، التي تسببت ببعض المناوشات الخفيفة في بعض التمركزات على أبواب العاصمة.
والأوقات العصيبة التي عاشها سكان طرابلس انتهت بعد نجاح جهود الوساطة التي بذلتها قيادات محلية بمدينة مصراتة لوقف تقدم رتل مسلح موالٍ لباشاغا كان في طريقه إلى طرابلس، من أجل تجنيب المدينة فتنة الاقتتال بين أبنائها، وإنقاذ العاصمة من خطر الصدام المسلح، التي استجاب لها فتحي باشاغا.
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، بأن "الحكومة مستمرة في أداء مهامها، واستكمال كل الترتيبات بكل ثقة ومسؤولية لمباشرة عملها من العاصمة طرابلس في القريب العاجل بقوة القانون"، وبين أن "القوة التي اتجهت إلى العاصمة طرابلس هي قوة للتأمين وليست للحرب، وعلى الرغم من صعوبة الموقف، فإنهم آثروا حقن الدماء وعدم استخدام السلاح والعودة إلى مقرات تمركزهم السابقة، شرط أن تتوقف الحكومة منتهية الولاية عن أي إجراءات تتعلق بقفل الأجواء أو أي عراقيل تخالف القانون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع البيان، "قرار عودة القوة العسكرية، جاء استجابة لمطالبات أصدقائنا الدوليين والإقليميين ونزولاً عند رغبة العديد من الشخصيات الوطنية، على الرغم مما تقوم به حكومة الدبيبة من إجراءات تعسفية تشكل خرقاً ومخالفة لكل القوانين". ووصف البيان حكومة الدبيبة بأنها "حكومة مغتصبة للسلطة ومحصورة في العاصمة ومتمترسة بالسكان المدنيين كدروع بشرية"، وانتقد مكتب باشاغا أيضاً "قفل الأجواء أمام الرحلات بين الغرب والشرق ما يشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن واتفاق وقف إطلاق النار واتفاقات لجنة 5+5، من أجل منع رئاسة الحكومة والوزراء من أداء القسم القانوني أمام البرلمان في طبرق".
الوساطة الأميركية
ويربط محللون في ليبيا بين الاتصالات التي أجراها السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الخميس، مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، والتهدئة التي تم التوصل إليها، ووفقاً لما ذكرته السفارة الأميركية بطرابلس في تغريدة على "تويتر"، فقد أعرب السفير الأميركي عن تقديره لـ"التزام الدبيبة بحماية الأرواح، واستعداده للدخول في مفاوضات لإيجاد حل سياسي"، وأشاد نورلاند كذلك باستجابة باشاغا، لـ"جهود الوساطة لتهدئة توترات الخميس، والسعي لحل الخلاف السياسي الحالي من خلال المفاوضات وليس القوة".
وأبدت شخصيات سياسية ليبية ارتياحها لتجنب وقوع اشتباكات مسلحة في طرابلس التي يقطنها نحو مليوني نسمة، وقال المحلل السياسي محمد الهنقاري، "لا غالب ولا مغلوب، كلنا ننتصر للوطن"، بينما قال رئيس حزب التغيير، جمعة القماطي، إن "العاصمة الليبية طرابلس مستقرة، وخيار الاقتتال والحرب مرفوض ولن يحدث أبداً"، وأضاف، "طرابلس يسودها الهدوء، مع وعي واتفاق ضمني بين كل الأطراف أن خيار الاقتتال والحرب مرفوض ولن يحدث أبداً، وبداية الحل لأزمة ليبيا السياسية هو انتخابات في أسرع وقت هذا العام، تجدد الشرعية من الشعب، والوصول إلى دستور توافقي دائم".
من جانبه أكد، وزير الإعلام الليبي السابق، محمد عمر بعيو أنه "لن تكون فتنة ولن تكون حرب، والحكومة الجديدة قادمة لتحكم بالقانون والإنجاز لا بالعنف والإفساد".
القفز من المركب الحكومي
وفي تطور يرجح أن يكون حاسماً ومؤثراً في مستقبل حكومة الوحدة التي يقودها الدبيبة، أعلن وزيران في الحكومة استعدادهما للتخلي عن مهامهما وتسليم السلطة لنظيريهما في حكومة الاستقرار برئاسة باشاغا، لتتبعها سلسلة من الانشقاقات المماثلة لوزراء ووكلاء وزارة، وأكد كل من وزير الهجرة الجديد معتوق اجديد، ووزير الخدمة المدنية عبد الفتاح الخوجة، في بيانين مصورين منفصلين، احترامهما قرار مجلس النواب بتشكيل حكومة الاستقرار الوطني ومنحها الثقة. وقال الوزير اجديد، "أؤكد التزامي بقسمي أمام مجلس النواب بالإعلان الدستوري وسلامة ليبيا ووحدة أراضيها، وأؤكد جاهزيتي لتسليم السلطة في ما يتعلق بمهماتي كوزير دولة لشؤون الهجرة". وأضاف، "أعاهد الشعب الليبي أنني لن أكون معولاً أو مشاركاً في عودة الانقسام السياسي في بلادنا".
من جانبه، قال وزير الخدمة المدنية عبد الفتاح الخوجة، "أعلن احترامي قرار مجلس النواب بتكليف باشاغا برئاسة الحكومة الجديدة، وقرار منح الثقة لها"، مشيراً إلى استعداده تسليم سلطة وزارته إلى نظيره في حكومة باشاغا، وأكد الخوجة أنه "يفعل ذلك لكيلا يكون مشاركاً في عودة الانقسام السياسي".
الاستقالات الحكومية لم تقتصر على هذين الوزيرين فقط، بل تبعهما وزير التجارة والاقتصاد محمد الحويج الذي أعلن أيضاً استقالته واستعداده لتسليم مهامه لخلفه مع وكيل وزارة الحكم المحلي المهدي السعيطي.
وكان رئيس ديوان وزارة الصحة بالحكومة صلاح لديرع أعلن في وقت سابق استعداده تسليم ديوان عام الوزارة بالمنطقة الشرقية للوزارة الجديدة المكلفة.
واعتبرت هذه الاستقالات دليلاً على بداية تفكك البيت الداخلي لحكومة الدبيبة، الذي قد يعجل بتسليمها السلطة ورحيلها عن المشهد في وقت قريب.
وعلق المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي، محمد السلاك، على هذه الاستقالات، قائلاً إنها "تعزز السيناريو الذي تحدث عنه رئيس الحكومة المكلف باشاغا، بأنه سيدخل العاصمة بقوة القانون وليس بقانون القوة".
دعوة لمفاوضات جديدة
وفي سياق الجهود التي تبذلها البعثة الأممية في ليبيا لحل الأزمة السياسية الحالية، عبر إعادة أطرافها إلى طاولة الحوار، قالت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، إن "المنظمة الأممية لا تتخذ موقفاً معيناً في الخلاف حول السلطة التنفيذية داخل ليبيا، وتركز على عقد المحادثات حول القاعدة الدستورية الخاصة قبل شهر رمضان المقبل". وأكدت وليامز الحاجة إلى إجراء هذه المحادثات قبل شهر رمضان، قائلة، "خصصنا أسبوعين لوضع الأساس الدستوري، ونأمل أيضاً في تلك الفترة العمل على قانون الانتخابات، ما سيسمح بوضع البلاد من جديد على الطريق نحو الاستحقاق الانتخابي".