الصورة التي نشرتها وكالات الأنباء لكولين باول وزير الخارجية الأميركية الأسبق ملوحاً بأنبوبة صغيرة محتواها مسحوق غسيل يقدمه إلى مجلس الأمن الدولي دليلاً على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، تظل حية في ذاكرة الملايين دليلاً على خداع الولايات المتحدة الرأي العام العالمي. فهذه الصورة يستعيدها كثيرون من أبناء روسيا وغيرهم، لتكون أشبه بالدليل على ما فعلته وتفعله واشنطن على مقربة مباشرة من الحدود الروسية لسنوات طوال، وتستمد بداياتها من عام 2003 تاريخ اندلاع "ثورة الورود" في جورجيا باكورة "الثورات الملونة" في الفضاء السوفياتي السابق.
وها هي روسيا تعود، بعدما كانت من سنوات قد توقفت عند ما تناقلته وكالات الأنباء المحلية والعالمية من أخبار عن "مختبرات بيولوجية" في جورجيا على الحدود المتاخمة مع روسيا. وذلك ما عادت وزارة الدفاع الروسية لتعلن عن مثيلاته خلال الأيام القليلة الماضية، ناشرة تفاصيل عن مشاريع الأسلحة البيولوجية الأميركية في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، أشار البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية إلى "أن تفاصيل مشروع UP-4 باتت معروفة، والذي تم تنفيذه بمشاركة مختبرات في كييف وخاركيف وأوديسا الأوكرانية خلال الفترة حتى عام 2020". وأضافت الوزارة أن هدف المشروع الأميركي كان دراسة مدى إمكانية انتشار العدوى فائقة الخطورة من خلال الطيور المهاجرة، بما في ذلك "إنفلونزا H5N1 " شديدة العدوى، التي تصل نسبة خطورتها إلى 50 في المئة، وكذلك مرض "نيوكاسل". وخلال ذلك، تم تحديد نوعين على الأقل من الطيور المهاجرة، التي تمر مسارات رحلات هجرتها عبر روسيا بشكل رئيس. وتم تلخيص معلومات عن مسارات هذه الهجرة عبر دول أوروبا الشرقية". وتابعت "من بين جميع الأساليب التي طورت في الولايات المتحدة لزعزعة استقرار الوضع الوبائي، تعد هذه الطريقة من أكثر الأساليب تهوراً، فضلاً عما تتسم به من انعدام المسؤولية، لأنها لا تسمح بالتحكم في تطور الأوضاع". ووفقاً لما قالته الوزارة الروسية، فقد تم هناك أيضاً تطوير مشروع R-781، إذ تعتبر الخفافيش ناقلات محتملة لعوامل الأسلحة البيولوجية.
وفي الوقت الذي تقدم فيه روسيا دلائل وقرائن ضمن قائمة اتهاماتها للجانب الأميركي، تحذر الولايات المتحدة من احتمال وجود خطط روسية لاستخدام أسلحة كيماوية في أوكرانيا. وقال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، "ليس لدى الولايات المتحدة مختبرات لإنتاج أسلحة بيولوجية أو كيماوية في أوكرانيا، وتلتزم بشكل كامل بالمعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية". وفيما غردت جين ساكي الناطقة باسم البيت الأبيض، أن "روسيا تتبع نمطاً واضحاً من السلوك، فهي إما تستعد لاستخدام أسلحة الدمار الشامل نفسها، وإما أن يكون ذلك لشن هجوم على الجبهة الأوكرانية لإيجاد سبب منطقي لاستمرار الحرب"، تكشف وزارة الدفاع الروسية عن وثائق تقول "بوجود الأبحاث عالية الخطورة التي تُجرى تحت إشراف مباشر من جانب متخصصين أميركيين". ويرد في إحدى الوثائق أن "البنتاغون كان يسدد بشكل مباشر نفقات هذه البحوث، إلى جانب مقترحات لتوسيع البرنامج البيولوجي العسكري الأميركي على الأراضي الأوكرانية". ومن جانبه قال الفريق إيغور كيريلوف قائد قوات الحماية من الإشعاعات والسلاح الكيماوي والبيولوجي في الجيش الروسي، إن البنتاغون أبدى الاهتمام بالحشرات التي تحمل العدوى خلال التجارب في مختبرات أوكرانيا، ونقل أكثر من 140 حاوية تتضمن براغيث وقردة إلى الخارج من المختبر البيولوجي في خاركيف، قبيل اقتراب القوات الروسية من المنطقة. وأضاف "اهتم البنتاغون كذلك بالحشرات الناقلة للأمراض المعدية الخطيرة".
تحذير روسي
وفي محاولة لتأكيد صدقية ما يقوله الجانب الروسي بشأن المختبرات البيولوجية الأميركية في الأراضي الأوكرانية أعلن دميتري بوليانسكي نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، أن موسكو طلبت عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث البرامج البيولوجية الأميركية في أوكرانيا. وقال ممثل روسيا الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ألكسندر شولغين، إن "موسكو سترسل قريباً وثائق إلى المنظمة بشأن استفزازات باستخدام الأسلحة الكيماوية في أوكرانيا". وأضاف، أن "روسيا أبلغت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية عن استفزاز خططت له أوكرانيا في مفاعل نووي تجريبي في خاركيف". وذلك في وقت مواكب لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية بشأن "تخطيط القوميين الأوكرانيين لاستفزازات في مدينة خاركيف شرق أوكرانيا واتهام القوات الروسية هناك بالوقوف وراء هذه الاستفزازات". ومضى المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إلى ما هو أبعد بإعلانه عن الكشف "عن إخفاء نظام كييف بشكل عاجل آثار البرنامج البيولوجي العسكري في أوكرانيا بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية"، فضلاً عن اعترافه بأن "العسكريين الروس تلقوا من موظفي بعض المختبرات البيولوجية الأوكرانية وثائق تدل على أنه في 24 فبراير (شباط) أتلف على عجل عوامل بالغة الخطورة بينها مسببات الطاعون، والجمرة الخبيثة، وداء التولاريميا، وغيرها من الأمراض المميتة".
غير أن الأخطر في هذا الصدد، قد يتمثل في ما تحذر منه الأوساط الرسمية الروسية، ويتعلق باحتمالات تورط المتطرفين الأوكرانيين في استخدام "مواد كيماوية سامة"، سبيلاً إلى تأجيج الأوضاع في أوكرانيا واتهام روسيا بالوقوف وراء هذه العمليات، في إطار الحرب الإعلامية المتصاعدة من الجانبين. وأشارت موسكو الرسمية إلى وثيقة نشرتها وزارة الخارجية الروسية على موقعها الإلكتروني تقول، إن "الجماعات الراديكالية الأوكرانية أعدت تحت إشراف ممثلي أجهزة الاستخبارات الأميركية سيناريوهات عدة محتملة لاستخدام مواد كيماوية سامة لتنفيذ أنواع مختلفة من الاستفزازات. والغرض من هذه الأعمال هو اتهام روسيا باستخدام أسلحة كيماوية ضد السكان المدنيين وانتهاك التزاماتها، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في اتفاقية الأسلحة الكيماوية". وأوردت وكالة أنباء "تاس" الروسية أن هذه الوثيقة وزعت في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (OPCW) ومجلس الأمن الدولي .
وأشارت وكالة "تاس" إلى ما نصت عليه هذه الوثيقة حول أن "أحد الخيارات موضع الاحتمالات هو ما يكون في إطار عملية تخريبية، في إحدى الشركات الكيماوية الأوكرانية عن طريق تفجير حاويات كبيرة بمواد كيماوية صناعية. "وكان من المخطط تعدين الخزانات بالأمونيا في مرافق الشركة المساهمة الخاصة (PJSC)" Severodonetsk Association "Azot (Severodonetsk) والشركة المساهمة العامة (PJSC)" Odessa Port Plant" (أوديسا)".
سيناريو
وثمة سيناريو آخر يقول "بانفجار حاويات تحتوي على مواد كيماوية سامة في مناطق مكتظة بالسكان. وقد ثبت بشكل دامغ تؤكده الوثائق أنه في 8-9 ديسمبر (كانون الأول) 2021، سلم الراديكاليون الأوكرانيون براميل معدنية سعة 200 ليتر تحمل علامات أجنبية إلى مقاطعة دونيتسك". وأضافت الوثيقة أن أربعة جنود أوكرانيين أصيبوا أثناء التفريغ بحروق كيماوية خطيرة وتسمم. وتم التنسيق الشامل لتسليم وتخزين البضائع الخطرة من جانب موظفي الشركة العسكرية الأميركية الخاصة (PMC) Forward Observation Group (نيفادا)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحسباً لاحتمالات انفجار هذه المشكلة، وربما استعادة ما سبق واكتسبته روسيا من تجارب وقفت منها على مقربة في سوريا، فقد سارعت موسكو إلى إبلاغ الدول الأعضاء في الاتفاقية أن "مثل هذه الاستعدادات تشير بوضوح إلى مخططات احتمالات استخدام المواد الكيماوية السامة. وبالنظر إلى الحملة الدعائية التي انطلقت في الدول الغربية، ليس ثمة شك في أن الاستفزازات المخطط لها تستهدف توجيه الاتهامات إلى روسيا باستخدام المواد الكيماوية في هذا الصدد". وعلى الرغم مما سبق وأعلنت عنه موسكو من تحذيرات، فإن هناك ما يشير إلى أن الجانب الأوكراني لم يتخل عن "مثل هذه الأعمال الإرهابية"، بموجب ما تضمنته هذه الوثيقة من إفادات وإضاءات. ومن ذلك، وعلى وجه الخصوص، أشارت الوثيقة إلى أن "المتطرفين قاموا في ليلة 9 مارس (آذار)، بنقل 80 طناً من الأمونيا إلى بلدة زولوتشيف، وهم الآن يوجهون السكان المدنيين بشأن كيفية التصرف في منطقة التلوث الكيماوي".
وخلصت الوثيقة إلى أن "هناك مخاطر متزايدة من أن العناصر المتطرفة التي تعمل في إطار ما يسمى الكتائب الوطنية قد تقرر اتخاذ خطوات جذرية لا يمكن التكهن بعواقبها الرهيبة".
وفي حديث أدلى به إلى صحيفة "كوميرسانت" الروسية، قال نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، إن "لدى روسيا سبباً قوياً للاعتقاد بأن أسلحة بيولوجية يتم تطويرها في المختبرات البيولوجية الناشئة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم". وكشف المسؤول الأمني الروسي عن أن هذه المعامل تظهر بشكل أساسي بالقرب من حدود روسيا والصين. وقال، "إنهم يؤكدون أن هذه مراكز بحث حيث يساعد الأميركيون العلماء المحليين على تطوير طرق جديدة لمكافحة الأمراض الخطيرة. صحيح أن سلطات تلك البلدان التي توجد فيها هذه المرافق ليس لديها فكرة حقيقية عما يحدث داخل أسوارها". وأشار إلى أنه في تلك المناطق التي ظهرت فيها مثل هذه المختبرات، سُجل تفشي أمراض غير مألوفة في حياة سكان هذه المناطق.
أسئلة جدية
وكانت وزارة الخارجية الروسية كشفت عن أن لدى موسكو كثيراً مما وصفته بالأسئلة الجدية حول ما يتعلق بالنشاط العسكري البيولوجي للبنتاغون. وأشارت إلى أن الأنشطة الأميركية في مختبر لوغار البيولوجي في جورجيا، تتعارض مع التزامات واشنطن وتبليسي بموجب اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية.
وقد تزامن ذلك مع ما يمكن تسميته تبني عدد من مواقع التواصل الاجتماعي ما قد يرقى إلى التحريض على تصفية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأشارت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" إلى أن موقع "فيسبوك" كشف عما يمكن اعتباره "ضوءاً أخضر" لدعوات ارتكاب العنف ضد الجيش الروسي. وقالت، إن موقعي "فيسبوك وإنستغرام الأميركيين سئما النفاق على ما يبدو، إذ عادا ليقولا إن التصريح مؤقت، وصالح في بلدان معينة ويتعلق بالعسكريين في الجيش الروسي". وأضافت الصحيفة أن ذلك وبشكل عام لا يغير في الأمر شيئاً. وإضافة إلى ذلك، واعتباراً من الآن فصاعداً، لن تُحذف الدعوات الموجهة إلى زعماء روسيا وبيلاروس من هذه الشبكات الاجتماعية". وأشارت الصحيفة إلى محاولات الموقعين الأميركيين تبرير "التغييرات التي جرت في سياستهما الداخلية" تجاه "العملية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، بالقول إن "التحريض على العداء والكراهية ليس انتهاكاً كبيراً".
وفي هذا الصدد كتب المتحدث باسم الشركة آندي ستون على "تويتر" أنه "نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، سمحنا مؤقتاً بأشكال التعبير السياسي التي تنتهك عادة حظرنا على التحريض على العنف". ووعد بإزالة المنشورات التي تدعو إلى العنف ضد المدنيين. وسيُسمح بالمحتوى الذي يدعو إلى العنف ضد بعض الروس في روسيا وأوكرانيا وبولندا وجمهوريات البلطيق وعدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وما دام الشيء بالشيء يذكر فإنه يمكن العودة إلى تصريحات السيناتور الأميركي ليندسي غراهام الذي كان دعا علانية إلى "قتل الرئيس بوتين، بطريقة غادرة كالتي اغتالوا بها قيصر روما الشهير، يوليوس قيصر، في 15 مارس (آذار) عام 44 قبل الميلاد"، على حد تعبيره الذي تناقلته وسائل الإعلام الروسية الرسمية، وحظي بكثير من الشجب والإدانة من جانب الناطق الرسمي باسم الكرملين وآخرين من أعضاء النسق الأعلى للسلطة في روسيا. وبلغة شديدة السخرية، قال دميتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين، "من الصعب العثور على الكلمات. وبالطبع في هذه الأيام لا يتمكن الجميع من الحفاظ على عقل رصين... لذلك، للأسف، كثيرون لا يتمكنون في مثل الجو المتوتر للغاية الحفاظ على سلامتهم العقلية".