تحركت أسعار العقارات في مصر خلال الأيام الماضية تحت تأثير سلسلة ارتفاعات متتالية ضربت أسعار أهم مدخلات الصناعة في البلاد، مدفوعة بموجات التضخم العالمي مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وسط توقعات تشير إلى صعود مرتقب في أسعار الوحدات العقارية يتراوح ما بين 15 و30 في المئة.
"القطاع العقاري في مصر تأثر بشكل أكبر من نظائره بموجات التضخم، خصوصاً بعدما ارتفعت أسعار أهم مدخلات الصناعة مثل حديد التسليح والإسمنت علاوة على قرارات مقيِّدة للاستيراد من البنك المركزي المصري"، وفق ما أكد متخصصون ومحللون لـ"اندبندنت عربية".
يقول المتخصص في القطاع العقاري فتح الله فوزي إن "تأثير الحرب الأوروبية كان مباشراً في صناعة المقاولات بالقاهرة، إذ ارتفع طن حديد التسليح في غضون أيام نحو 50 في المئة على الأقل بأسرع وتيرة تحدث منذ فترة طويلة، من 13 ألف جنيه (حوالى 828 دولاراً أميركياً) للطن للمستهلك النهائي في يناير (كانون الثاني) إلى نحو 20 ألف جنيه (1274 دولاراً) للطن اليوم"، مؤكداً أن "تلك الزيادة انعكست على القطاع العقاري بشكل كبير"، وتوقع "استمرار وتيرة ارتفاع الأسعار مع استمرار الحرب، إلى جانب عدم تراجع البنك المركزي المصري عن قراره الذي فرضه على عمليات استيراد السلع من خارج البلاد أخيراً".
ارتفاع مرتقب يصل إلى 30 في المئة
وعلى المنوال ذاته، توقع عضو جمعية رجال الأعمال المصريين أحمد الورداني، "ارتفاع أسعار الوحدات السكنية سواء للغرض التجاري أو السكني أو الإداري بنسبة لن تقل عن 30 في المئة"، موضحاً أن "السوق العقارية أحد أبرز القطاعات المتأثرة بالفعل بالأزمة الأوكرانية من جوانب متعددة، أبرزها زيادة غير مسبوقة في أسعار المواد الخام".
من جانبه، قال رئيس شعبة مواد البناء في اتحاد الغرف التجارية المصرية أحمد الزيني إن "سعر طن الإسمنت قفز إلى نحو 1560 جنيهاً (99.37 دولار)"، السبت، مشيراً إلى أنه "على الرغم من أن ارتفاع أسعار الإسمنت غير مرتبط بالحرب بشكل مباشر، إلا أنه أحد أهم مدخلات الإنتاج في صناعة العقارات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن "سعر طن الإسمنت يباع اليوم بنحو 1560 جنيهاً، بينما كان لا يزيد على الـ1000 جنيه (64 دولاراً) في أغسطس (آب) الماضي"، وطالب الزيني، "الحكومة المصرية بالتدخل الفوري لإلغاء رسوم الإغراق (رسوم تفرضها الدولة على بعض المنتجات المستوردة من الخارج لحماية الصناعة المحلية)". وأشار إلى أن "وزارة التجارة والصناعة تفرضها على واردات حديد التسليح بقيمة تصل إلى 3 آلاف جنيه (191 دولاراً)"، موضحاً "أن تلك الرسوم يُحمّلها المستورد للمستهلك النهائي، وأن إلغاءها سيقلل من التكلفة النهائية، مما يدفع التجار إلى خفض أسعار حديد التسليح للمستهلكين، خصوصاً عند الاستيراد من الأسواق التي يمكن الاعتماد عليها لتغطية حاجات السوق المحلية بأسعار أقل، مثل الاستيراد من السعودية والإمارات وتركيا".
ويصل إنتاج القاهرة من حديد التسليح نحو 7.9 مليون طن سنوياً، علاوة على 4.5 مليون طن من حديد البليت (يُستخدم في صناعة الصلب). في المقابل، تستورد من الخارج نحو 3.5 مليون طن حديد بليت، وفقاً لتقارير غرفة الصناعات المعدنية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية.
روسيا وأوكرانيا أكبر منتجي البليت في العالم
وقال رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية محمد البستاني، إن "مناخ الاستثمار العقاري في الفترة الحالية يشهد عدداً من الزيادات السعرية في المنتجات التي يُعتمد عليها بشكل أساس". وأضاف في تصريحات صحافية أن "الحرب بين روسيا وأوكرانيا ألقت بظلالها على سوق الحديد بشكل خاص ومواد البناء بشكل عام"، مشيراً إلى أن "الدولتين المتناحرتين هما الموردتان الرئيسيتان لخام البليت (أحد المدخلات الرئيسة في صناعة الحديد والصلب) على مستوى العالم"، ولافتاً إلى أنه "من الدقائق الأولى من اندلاع الحرب، توقفت الدولتان عن إمداد العالم والقاهرة بالبليت، ممّا دفع الشركات المحلية إلى رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه".
وتوقّع البستاني ارتفاعاً في أسعار العقارات خلال الفترة القليلة المقبلة بنسبة 15 في المئة على أقل تقدير"، مؤكداً أن "هذا أمر واقع ولا يمكن إيقافه، إذ إن التكلفة الإنشائية تمثل بين أكثر من 50 في المئة من بناء العقار، إضافة إلى العناصر الثابتة مثل الأراضي والتكاليف التمويلية والتسويقية".
وفي سياق ذي صلة، أعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء الخميس الماضي، "صعود معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية خلال فبراير (شباط) الماضي، للشهر الثالث على التوالي ليسجل 10 في المئة مقابل 8 في المئة خلال يناير. وسجّل معدل التضخم السنوي في المدن ارتفاعاً إلى 8.8 في المئة خلال فبراير، مقارنة بـ 7.3 في المئة خلال يناير الماضي".
أما معدل التضخم الشهري، فسجّل لإجمالي الجمهورية نحو 2 في المئة الشهر الماضي مقابل 1 في المئة خلال يناير، بينما وصل معدل التضخم الشهري في المدن إلى 1.6 في المئة، مقابل 0.9 في المئة خلال يناير، وفي الريف إلى 2.3 في المئة مقابل 1.2 في المئة خلال الشهر ذاته. ويضع البنك المركزي المصري نطاقاً مستهدفاً لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7 في المئة (بزيادة أو نقصان 2 في المئة) في المتوسط حتى الربع الأخير من 2022.