منذ فترة طويلة، تشكّل أراضي المندوب في غزة، نقطة نزاع بين السكان والسلطات الحكومية، التي وضعت يدها على تلك الأراضي باعتبارها مملوكة للدولة وغير مسجلة باسم أفراد في السجلات العقارية، فيما تقود العائلات التي تضع يدها على الأرض حملة مستمرة للدفاع عما تعتبره حقها في الملكية.
وأرض المندوب المتنازع عليها هي أراضٍ قابلة للزراعة تقع جنوب غزة، وموزعة ما بين محافظة خان يونس بمساحة تقدر بـ 6820 دونماً (ألف متر مربع)، ومحافظة رفح بمساحة 2290 دونماً، وفق إحصاء سلطة الأراضي في القطاع.
أرض المندوب
ويُطلق على هذه البقعة مصطلح أرض المندوب لأن المندوب السامي البريطاني أثناء سيطرته على غزة، ومن ضمن عمله في مراجعة تنظيم الأراضي، خلُص إلى أن الأراضي المذكورة مملوكة لأفراد لكن إثبات ذلك غير ممكن، إذ خلال انسحاب السلطات العثمانية من فلسطين أخذت معها جميع دفاتر "الطابو". وبناء على ذلك، منح القائد البريطاني هؤلاء الأفراد حق الاستعمال والاستغلال والتصرف بالأرض.
يقول الناطق باسم العائلات المالكة لأرض المندوب مهند الأسطل إن المندوب السامي عندما منح الأفراد حق التصرف والاستعمال في الأرض، لم يسجلها باسم مالكيها، وبقيت الحال كذلك مع تعاقب الحكومات على غزة.
ومذّاك، تعاقب على غزة الحاكم الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وإدارة حركة "حماس" التي أثارت الملف، عندما حاولت السيطرة عليها، ما تسبب في نزاع متواصل بينها والعائلات التي تدّعي ملكيتها للأرض، وتبرر سلطات غزة محاولة السيطرة بأنها مشاع حكومي.
وفي الخرائط، تقع أراضي المندوب في جوار رقعة أخرى تعود ملكيتها إلى الحكومة. ومن هذا المنطلق، تقول سلطة الأراضي في غزة إن المنطقة بأكملها (أي أرضَي الحكومة والمندوب السامي) تُعدّ مشاعاً حكومياً وللسلطات المتنفذة أحقية كاملة في السيطرة عليها، خصوصاً أن لا دليل ملموساً على أحقية العائلات في ملكيتها، وهي غير مسجلة في الشهر العقاري باسم أفراد.
يردّ الأسطل على ذلك بأن "إقرار المندوب السامي أحقيتنا في الأراضي دليل كافٍ على أنها مملوكة لأفراد ولها ورثة يطالبون بها. وبالنسبة إلى الأدلة، فهي موجودة في السجلات العثمانية، لكن لم يتم توثيق ذلك في السجلات. وهذا لا يلغي الأحقية الكاملة للأفراد في ملكيتها".
ويقسّم القانون مثل هذه النوعية من الأراضي إلى أنواع هي المندوب والمحلول والمالية والأقساط واللاجئين. وترى الجهات الحكومية أن هذه الأنواع هي ضمن أراضي المشاع الحكومي.
اعتداء على الحق العام
يقول المسؤول عن الرقابة في سلطة الأراضي في القطاع ناصر عقل إن هذه الأراضي هي ملك للدولة، على الرغم من أنها تحت حيازة العائلات، لكنها منزوعة التصرف، فلا يحق لمن يضع يده عليها التصرف بها، بالتالي هي أراضٍ معلقة، ولا يُنتفع منها بالوجه الطبيعي كبقية الأراضي المسجلة بأسماء المالكين بدائرة "الطابو".
يعتبر عقل أن "ما يجري الآن في هذه الأراضي من جانب العائلات التي تضع يدها عليها اعتداء على الحق العام، والقضية الآن على أولويات سلطة الأراضي، إذ إنها تحاول فرض حلول تسوية ترضي جميع الأطراف، وتضمن احترام حيازة المتصرفين لهذه الأراضي".
تجريف ومصادرة
ومن هذا المنطلق، شرعت سلطة الأراضي بأعمال تجريف ومصادرة أراضي تلك المنطقة لفرض أمر واقع، وطالبت العائلات التي تضع يدها على الأرض بتقبّل الأمر وعدم عرقلة العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودفع إجراء سلطة الأراضي الأفراد الذين يدّعون ملكية الأرض إلى الخروج في تظاهرات احتجاجية، مطالبين الجهات الحكومية بوقف تصرفها ومؤكدين على أحقيتهم في الملكية.
أيمن الأسطل، أحد المتصرفين بهذه الأراضي، يُعبّر عن سخطه لإجراءات سلطة الأراضي بالقول "منعنا من التصرف فيها يدلل على عدم احترام ملكيتنا الخاصة، التي ورثناها عن أجدادنا. ما يحدث يُعدّ عملاً تعسفياً، وما تدّعيه الحكومة بأنها أراضٍ خارج دائرة الطابو لا يمكن فهمه". ويسأل "هل مجرد عدم تسجيلها في دائرة الطابو في سلطة الانتداب البريطاني يزيل حقنا فيها؟".
الحلول وفق القانون
النزاع بين سلطة الأراضي والأفراد الذين يضعون أيديهم على الأرض، دفعهم إلى تحويل المشكلة إلى لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة (تنوب عن الحكومة الفلسطينية).
ويقول رئيس اللجنة عصام الدعليس إنهم "يعملون على وضع حل يستند إلى الموازنة بين مطالب العائلات والاحتياج العام ومراعاة مصالح الأجيال المتعاقبة، على قاعدة لا ضرر ولا ضرار واستناداً إلى القانون".
وفي شأن طبيعة هذه المقترحات التي تسير في إطار حلول التسوية، يبيّن عقل أن الرؤية تتمثل في أن تأخذ العائلات نسبة 33 في المئة من إجمالي الأرض، وتسجل بأسماء من يضعون أيديهم عليها، والباقي يذهب تحت تصرف الحكومة للانتفاع العام، بالتالي لا تشوبها أي إشكاليات عملية أو قانونية، بعد إتمام الاتفاق".
لكن هذا العرض ترفضه العائلات التي تضع يدها على الأرض. وبناء عليه، أوكلت قانونيين من غزة للدفاع عن أحقيتهم في حصة أكبر وفق نصوص الحكومة الفلسطينية السابقة.
وفي القانون، فإن مجلس الوزراء الفلسطيني أقرّ بأن أرض المندوب السامي تعود أحقيتها إلى المواطنين والحكومة في الوقت ذاته، إذ جاء في قرار 195/2013 أنه "تخصص 45 في المئة من أرض المندوب للحائزين عليها مقابل سداد ثمنها، وتستردّ سلطة الأراضي 55 في المئة من أراضي المندوب لصالح الدولة".