ملخص
يحتضن غاليري "ضي للفنون" (حي الزمالك، القاهرة) معرضاً للفنان المصري هشام نوار بعنوان "الجميلات النائمات"، ويضم مجموعة كبيرة من اللوحات التي أنجزها الفنان خلال الفترة الأخيرة.
اللوحات التي يقدمها هشام نوار في المعرض هي انعكاس لتجربة حياتية وشعورية عميقة تنقلنا إلى عوالم الحب والجمال والموت من خلال 82 عملاً فنياً. تقسم الأعمال إلى مجموعتين تحملان لمسات فنية تجمع بين التأثيرات التراثية والمعالجة الحداثية.
بدأت فكرة المعرض منذ 12 عاماً عندما كلف الفنان بتصميم غلاف رواية الكاتبة مي التلمساني تناولت تيمة "القبلة". أثار هذا الغلاف مخيلة هشام نوار، فأدرك إمكان إعادة توظيف الخطوط والتفاصيل في طرق مختلفة. لكن التجربة بقيت مؤجلة حتى عام 2018 عندما تعرض الفنان لأزمة صحية كادت تنهي حياته. في سريره طلب الفنان أوراقاً وأقلاماً ليجد نفسه يغوص في عمق العلاقة بين الحب والموت، مستحضراً قراءاته كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم وفيلم "طوق الحمامة المفقود" للمخرج التونسي ناصر خمير، ورواية الياباني كاوباتا "الجميلات النائمات". هذه الأفكار الممزوجة بالذكريات والشعر والتأملات تحولت إلى لوحات تتحدث عن الحب كحالة وجودية تتخطى الجسد لتصل إلى الروح.
غالبية الأعمال التي يضمها المعرض تركز على صورة واحدة تقريباً لامرأة جالسة في وضع جنيني. تظهر المرأة عارية في بعض اللوحات بينما ترتدي ملابسها في لوحات أخرى، مما يخلق حواراً بصرياً ممتداً. ومع أن الوضعية متقاربة فإن الاختلافات تظهر في الخلفيات والتكوينات والألوان التي تحمل معاني متعددة.
تطالعنا هنا مثلاً لوحة لفتاة نائمة ترتدي رداءً زيتياً ومحاطة بخلفية من السحب. السحب هنا ليست مجرد عنصر بصري، بل تعبير عن حلم أو غموض يلف الشخصية. وفي لوحة ثانية نرى الفتاة نفسها تقريباً مع خلفية برتقالية تضفي إحساساً بالعاطفة والدفء، ويمثل وجود شتلة خضراء إلى جانبها، رمزية للحياة والنمو. ينتقل المشهد إلى نطاق أكثر جرأة، إذ تظهر الفتاة في لوحة ثالثة وهي عارية تماماً بخلفية داكنة، وكأن الظلام يحتضن هشاشتها. بين اللوحات أيضاً ثمة لقاءات نادرة بين الرجل والمرأة، اللذين يظهر عريهما كرمز للعودة إلى الطبيعة والبساطة، ويظهر كلاهما في إحدى اللوحات مع شجرة صغيرة تمثل الحياة المشتركة أو الخلق.
لا تخلو أعمال الفنان هشام نوار من الرمز، فهو حاضر في معظم الأعمال، فالزهرة التي تمسك بها الفتاة في واحدة من اللوحات قد تعبر عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة أو البحث عن الجمال وسط العراء. وفي لوحة أخرى يتلاعب الفنان بشعر الفتاة المنسدل كأمواج البحر من خلفها، ويؤكد الفنان هذه الرمزية مباشرة، حين يرسم سفينة شراعية بين هذه التموجات، مما يخلق قصة داخل القصة.
ليس غريباً أن يلجأ الفنان هشام نوار إلى استلهام الحضارة المصرية القديمة، بخاصة في مقارباته لتماثيل الكتلة التي اشتهرت بها منحوتات الدولة الوسطى. وضعية الجلوس المغلقة التي استخدمها المصريون القدماء لضمان استدامة التمثال عبر الزمن، تظهر في لوحات "الجميلات النائمات". هذا التشابه يبرز اتصال الفنان بجذوره الثقافية، وهو يعيد صياغة هذا الشكل بلمسات عصرية تعبر عن مشاعر عميقة تراوح ما بين الحب والوحدة والضعف.
"الجميلات النائمات" هو عنوان مستوحى من رواية الكاتب الياباني ياسوناري كواباتا، الذي عبر عن فكرة الجمال النائم المرتبط بالزمن والهشاشة. تأثير الرواية كان عميقاً في الفنان، بحيث رأى فيها انعكاساً لأفكاره الخاصة عن الحب والموت، ولهذا يهدي إليه أعماله المعروضة. الإهداء الآخر لروح النحات المصري الكبير محمود مختار، وهو يعكس تقديره لفنان أسس جماليات "تماثيل الكتلة" وترك أعمالاً خالدة مستلهمة من الفن المصري القديم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن المعرض يركز على الرسم، فإن نوار يصر على تعريف نفسه كنحات. يرى الفنان أن الرسم والنحت متكاملان، فالنحات يبدأ دائماً برسم خطوط تمهيدية لعمله، لكنه اختار الرسم فقط في هذا المعرض للحفاظ على وحدة الفكرة والتركيز على تيمة "الجميلات النائمات". أما الألوان التي يستخدمها الفنان هنا فهي تراوح ما بين الدرجات الدافئة والداكنة، مما يخلق تنوعاً شعورياً، كذلك فإن الألوان الزيتية والخلفيات الطبيعية تضيف عمقاً ورمزية خاصة للأعمال. اللون الداكن يعبر عن الغموض أو الموت بينما الألوان الدافئة تشير إلى الحياة والحب.
معرض "الجميلات النائمات" هو تجربة شخصية تتشابك مع مشاعر الضعف والقوة، والحياة والموت، والجسد والروح. يقدم الفنان هنا رسالة مفادها أن الحب مثل الفن، هو تجربة متعددة الأبعاد، تحتاج إلى النظر بعمق كي نستوعبها. أعمال هشام نوار هي دعوة إلى التأمل في الحب والجمال من منظور مختلف، هي أعمال تتحدث بلغة بصرية صامتة، لكنها مليئة بالصخب الداخلي الذي يدفعنا إلى التفكير في معاني الحياة والارتباط الإنساني.