نجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في تحريك الجمود السياسي في السودان بحصوله على موافقة المجلس العسكري الانتقالي و"قوى الحرية والتغيير" على وساطته لنزع فتيل الأزمة وعودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات، غير أن الهوة بين الطرفين لا تزال متباعدة بسبب شروط المعارضة، بينما تحركت شخصيات سودانية لتقريب المواقف ووقف الحملات الإعلامية وتبادل الاتهامات لتهيئة المناخ لضمان نجاح المحادثات.
وأعرب المجلس العسكري الانتقالي السوداني، السبت، عن شكره لدولة إثيوبيا على مبادرتها وحرصها على تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية في السودان.
وأكد المجلس العسكري، في بيان صحافي، انفتاحه وحرصه على التفاوض مع الأطراف السياسية للوصول إلى تفاهمات مرضية تقود إلى تحقيق التوافق الوطني، والعبور بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان، بما يفضي إلى التأسيس للتحول الديمقراطي.
شروط متبادلة
وعقد رئيس الوزراء الإثيوبي لقاءين مع رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان وبعض أعضاء المجلس، ومثلهما أيضاً مع قيادات "قوى الحرية والتغيير".
وعلمت "اندبندنت عربية" أن المجلس العسكري أبلغ أحمد أنه مستعد لإجراء محادثات مع المعارضة وقوى سياسية أخرى وفق جدول زمني محدد كي لا يضيع الوقت في مفاوضات مفتوحة، كما أخطره بفتح تحقيق بشأن أحداث العنف التي رافقت عملية فض اعتصام المحتجين أمام مقر قيادة الجيش والتزامه تنفيذ ما يتوصل إليه التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن وقوع عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى. ورأى أن تصعيد المعارضة ودعوتها إلى الإضراب والعصيان يعقّد الأوضاع ولا يساهم في عودة الحوار.
في المقابل، كشفت مصادر مأذونة أن المعارضة طالبت بتحقيق دولي في "مجزرة فض الاعتصام" ومحاكمة المسؤولين، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ورفع الحظر عن شبكة الإنترنت، ونزع سلاح قوات الدعم السريع وتسليمه إلى الجيش وإخراج تلك القوات من الخرطوم ونشر قوات الشرطة في العاصمة، والحصول على ضمانات إقليمية ودولية في أي اتفاق مع المجلس العسكري.
أما رئيس الوزراء الإثيوبي فاقترح فصل المسار العدلي والقضائي بشأن أحداث العنف، عن المسار السياسي، ودعا إلى عودة المفاوضات بين العسكر والمعارضة من حيث انتهت. واقترح تشكيل المجلس السيادي من 8 مدنيين و7 عسكريين ورئاسة دورية بينهما، وتعهد بضمان الاتحاد الأفريقي لأي اتفاق تتوصل إليه الأطراف السودانية.
وأعرب المجلس العسكري عقب المحادثات عن الانفتاح على المفاوضات والاستعداد للتوصل إلى اتفاق في أي وقت.
"انتقال ديمقراطي"
ودعا رئيس الوزراء الإثيوبي من جهته، إلى انتقال "ديمقراطي سريع" في السودان، لافتاً إلى أن المحادثات اتسمت بـ "المسؤولية العالية والوعي إلى خطورة المرحلة".
وتعليقاً على المحادثات التي أجراها مع الطرفين، قال أحمد في بيان إن المحادثات اتسمت بـ "المسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة".
كما شدد على أن "وحدة السودان واستقراره وسيادته يجب أن تبقى هدفاً مقدساً لا مساومة فيه على الإطلاق".
وأوضح أن بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان ستبقى في خدمة الأطراف السودانية إلى حين التوصل إلى اتفاق في ما بينها.
وقال آبي أحمد "يجب أن يتحلى الجيش والشعب والقوى السياسية بالشجاعة والمسؤولية، واتخاذ خطوات سريعة نحو فترة انتقالية ديمقراطية وتوافقية في البلد". وطالب أحمد "كل الأطراف في السودان بالسير سريعاً نحو اتفاق يؤسس لمرحلة انتقالية ديمقراطية"، مضيفاً أنه "على الجيش السوداني والقوى السياسية الابتعاد عن الاتهامات المتبادلة". وأضاف "واجب الجيش السوداني والمنظومة الأمنية كلها هو أن تركز جهودها للدفاع عن حرمة الوطن وسيادته وأمن المواطنين وممتلكاتهم، كما أن واجب القوى السياسية هو التركيز على مصير البلاد في المستقبل، لا إبقاءها رهينة العقبات ومعوقات الماضي البائدة".
واستطرد رئيس الوزراء الإثيوبي قائلاً "في هذا الصدد، فإن الفاعلين السياسيين السودانيين مطالَبون باتخاذ قراراتهم بشأن مصيرهم الوطني في استقلالية تامة، بعيداً من أي طرف غير سوداني".
إجراءات لبناء الثقة
من جهة أخرى، قال مدني عباس مدني عضو الفريق المفاوض لـ "قوى الحرية والتغيير"، إن آبي أحمد عقد لقاءين مع قوى المعارضة في مقر السفارة الإثيوبية في الخرطوم استمرا لنحو 5 ساعات، طرح خلالهما اقتراحات وأفكاراً لاستئناف المفاوضات مع المجلس العسكري. وأضاف أنه "لا يوجد أفق حتى الآن لعودة المفاوضات بين المعارضة والمجلس العسكري". وزاد أن "المجلس العسكري شريك غير موثوق به ونطالب بتحقيق دولي في مجزرة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش". ورأى أن الثقة بين الطرفين باتت مفقودة، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات لبناء الثقة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.
اقتراحات أفريقية
من ناحية ثانية، قال مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى السودان، محمد حسن لبات، إن "المجلس العسكري الانتقالي تفاعل بشكل جيد مع مقترحات الاتحاد"، مشيراً إلى أنه ما من رفض مبدئي من قوى "إعلان الحرية والتغيير" للعودة إلى طاولة الحوار.
وأوضح حسن لبات أن الاجتماعات واللقاءات التي أجريت مع ممثلي المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير" تناولت الضرورات الملحة للدفع بعملية المفاوضات التي تعثرت في الآونة الأخيرة نظراً إلى بعض التطورات... وأتت على مستوى المسؤولية".
وتابع "لم ألمس رفضاً مبدئياً من الحرية والتغيير على العودة إلى الحوار، كل ما هناك أنهم يطرحون بعض الأمور التي يرون أن من الضروري أن تعالج قبل الدخول في مفاوضات رسمية... نحن عاكفون على تجاوز هذه المصاعب".
وكشف مبعوث الاتحاد الأفريقي تفاصيل الخطة التي طرحها على طاولة الاجتماعات، وقال "للاتحاد خطة من 3 مراحل، تقضي المرحلة الأولى بحل المشاكل وإعداد التربة لإعادة الأمور إلى طبيعتها، وتهدف الثانية إلى العودة إلى المفاوضات ومواجهة القضايا العالقة، أما المرحلة الأخيرة فتهتم بالضمانات وتطبيق مخرجات الحوار وتعبئة الشركاء الدوليين ودعم الحكومة".
وتابع "لا بد من عملية بناء الثقة وهي شرط أساسي في عملية المفاوضات، خصوصاً بعد الأحداث التي وقعت". وفي تعليقه على زيارة آبي أحمد إلى الخرطوم، قال لبات "لا شك في أن آبي أحمد سيكون له تأثير إيجابي وسيعزز المسار الذي نحن عاكفون عليه".
اتهامات متبادلة
من جانب آخر، أكدت قوات الدعم السريع أنها تمكنت، يوم الجمعة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، من اعتقال مجموعة من "العناصر المتفلتة" في منطقة عد بابكر في شرق الخرطوم.
وأشارت إلى أن هذه المجموعات باتت تنشط في ترويع المواطنين في العاصمة، ونهب ممتلكاتهم بالتهديد بالأسلحة البيضاء وأسلحة نارية.
وقال ناطق رسمي باسم "الدعم السريع"، إن المجموعة المعتقلة تتألف من 11 عنصراً، وتُتَهَم بقتل أحد أفراد الجيش السوداني بطلق ناري.
واتهم قائد العمليات في قوات الدعم السريع، اللواء عثمان محمد حامد، "قوى الحرية والتغيير" والحركات المسلحة المتحالفة معها بالوقوف وراء "العصابات المتفلتة"، والعمل على تنظيم تحركاتها بهدف نسب جرائمها إلى "قوات الدعم السريع"، وتشويه سمعتها أمام المواطنين، في إطار حملة منظمة لإبعادها من المشهد.
وكانت العاصمة السودانية شهدت ليلة مروعة في عدد من مناطقها، إذ أفاد سكان عدد من الأحياء في مدن العاصمة الثلاث بدخول مجموعات متفلتة إلى مناطقهم السكنية ونهب ممتلكات المارة تحت التهديد، فيما انطلقت مكبرات الصوت من المساجد لدعوة المواطنين إلى الخروج من منازلهم والتصدي لهذه المجموعات، وحماية ممتلكاتهم وسط غياب لقوات الأمن، وفق ما نقل بعضهم.
في المقابل، أكد "تجمع المهنيين السودانيين" أنه لم ولن يصدر أي دعوة لتسليح المواطنين أو استخدام السلاح، وذلك تعليقاً على ما وصلهم من بلاغات حول ظهور دعوات للسودانيين للتسلح تحت اسم "التجمع"، الذي أوضح أن التصدي للعصابات وحماية الممتلكات من العصابات هو واجب الأجهزة الأمنية في المقام الأول. ودعا "التجمع" لجان الأحياء بالتنسيق مع الأئمة والمؤذنين إلى ضمان عدم استخدام مكبرات الصوت في المساجد لإطلاق دعوات مماثلة لن تزيد الوضع إلا تعقيداً. وأضاف "التجمع" أن "كل هذه المخططات توضح مخاوف المجلس العسكري من العصيان المدني والإضراب السياسي المفتوح" كوسائل مستخدمة لتحقيق المطالب.