بهدوء وبعيداً من الأنظار واحتجاجات الفلسطينيين وجمعيات حقوق الإنسان، تعمل المجالس الإقليمية في الضفة الغربية، التابعة للمستوطنات، على توسيع منطقة نفوذها من خلال السيطرة على الأرض الفلسطينية التي يقيم عليها الفلسطينيون وأخرى سبق وصادرها الجيش الإسرائيلي من أصحابها الفلسطينيين، بذريعة استخدامها مناطق تدريب، وحولت إلى عسكرية مغلقة.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، وبغياب القانون الإسرائيلي في المستوطنات، تمكنت قيادتها من الاستيلاء على مئات آلاف الدونمات في المناطق الفلسطينية، التي تعتبرها الأكثر أهمية. وتبين أن المجالس الإقليمية استولت، ضمن منطقة نفوذها، على نحو 200 ألف دونم في جنوب جبل الخليل ونحو 800 ألف دونم في منطقة المجلس الإقليمي في غور الأردن. وبحساب بسيط تضاعفت مساحة هذه المجالس مئة في المئة.
لقد وضعت إسرائيل أمامها، منذ عام 1967، هدفاً في تحويل المناطق الفلسطينية التي احتلتها، وبشكل خاص القدس والبلدات الفلسطينية ذات أهمية استراتيجية، إلى أكثرية يهودية وأقل ما فيها من العرب، واختلقت المؤسسة الإسرائيلية ذرائع قانونية مختلفة لتطهير هذه المناطق من سكانها الفلسطينيين. الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف رفضت إعداد خرائط هيكلية تتيح للفلسطينيين البناء. ما اضطر الآلاف إلى بناء بيوتهم من دون رخص، وتحت هذه الذريعة قامت المؤسسة الإسرائيلية بهدم البيوت الفلسطينية.
المعطيات الرسمية تشير إلى أنه منذ عام 2004 هدمت إسرائيل ما لا يقل عن 848 بيتاً فلسطينياً، شرق القدس، وشردت بذلك 2960 فلسطينياً، على الأقل، بينهم 1596 قاصراً، ولا يزال خطر الهدم يتهدد عشرات آلاف السكان.
غض النظر
غض النظر عن المستوطنين، وملاحقة الفلسطينيين ما أتاح للمجالس الإقليمية التوسع والسيطرة على الأرض الفلسطينية واستخدامها، هما سياستان تتبعهما الإدارة المدنية والجيش الإسرائيلي. فأمام كل تحرك فلسطيني لبناء بيت على أرضه تهرع الإدارة المدنية لفحص الأرض وإذا تبين أن البناء غير مرخص تحضر الجرافات الإسرائيلية وتهدم البيت، أما عندما تتحرك جرافات المجالس الإقليمية التابعة للمستوطنات في الأرض الفلسطينية، التي يعيش عليها الفلسطينيون ويعتاشون من زراعتها، تغض النظر بل تبتعد عن المكان إلى حين إنجاز المخطط وتحويله إلى واقع على الأرض.
وفي هذا الجانب يقدم الجيش دعمه. فالأراضي التي صادرها من الفلسطينيين، بذريعة الضرورة لاستخدامها لتدريبات عسكرية أو تحت عنوان "أهميتها الأمنية"، وحولها إلى مناطق عسكرية مغلقة، يمنع الفلسطينيون من دخولها وإذا ما حاولوا لا يكتفي الجيش بطردهم من المكان بل يكون الضغط على الزناد في وجههم سهلاً وسريعاً. أما عند دخول المستوطنين إلى الأرض الفلسطينية، وأحياناً الاعتداء على الفلسطينيين أصحاب الأرض، فلا يكتفي الجيش بغض النظر بل يغادر المنطقة ويتيح المجال للمستوطنين للتصرف كيفما شاؤوا للسيطرة على الأرض.
هذه الوضعية أدت إلى سيطرة المستوطنات على مساحة واسعة وتركز المجالس في بعض المناطق على الينابيع الطبيعية والمناطق الفلسطينية الجذابة، حتى أن مستوطنة "عيلي"، سيطرت على أحد الينابيع الفلسطينية وأطلقت عليه "نبع البطولة"، وتحول إلى منطقة استجمام هي الأجمل في الضفة. وفي منطقة كهذه يحرص الجيش على إرسال جنوده لحماية المستوطنين، الذي يحضرون للتنزه، علماً أن المنطقة لا تقع تحت نفوذ المجالس الإقليمية.
بؤر غير قانونية
ويتبين أن المجالس الإقليمية الستة في الضفة تعمل ضمن صلاحيات وتستثمر أموالاً في تطوير مئات آلاف الدونمات في الضفة الغربية، التي تعود لفلسطينيين أو تعتبر مناطق تدريب. الاستثمار لا يقتصر على إعادة تحسين الينابيع أو المواقع السياحية الأخرى، الموجودة في المناطق الفلسطينية والمناطق العسكرية المغلقة، بل ضمن أمور أخرى أيضاً، بتوفير البنى التحتية للبؤر الاستيطانية غير القانونية التي توجد في أراضيها، على الرغم من أنه ليس لديها أي صلاحية للقيام بذلك، وإضافة إلى ما ذكر تقدم خدمات بلدية في مجال التعليم وحتى الشوارع، للبؤر الاستيطانية غير القانونية والمواقع السياحية التي هي مغلقة جميعها أمام الفلسطينيين.
بحسب تحليل قامت به الجمعية اليسارية "كيرم نبوت" تعمل هذه المجالس، منذ اتفاقات أوسلو، على مساحة 2.186.330 دونماً في مناطق C، التي تشكل 40 في المئة من مناطق الضفة، لكن أكثر من 900 ألف دونم من هذه المناطق هي مناطق مغلقة، و285 ألف دونم أخرى هي مناطق خاصة لفلسطينيين.
معارك الينابيع
اللافت في المساحات التي تستولي عليها مجالس المستوطنات الإقليمية، أنها تحمل ميزات طبيعية مهمة وفي معظمها ينابيع طبيعية، التي وضعت لإعادة تحسينها خطة خاصة اعتبرتها المجالس الإقليمية، معركة على الأرض. وبحسب تقرير لـ"أوتشا"، وهي الوكالة التابعة للأمم المتحدة وتعمل على تنسيق الأمور الإنسانية في الضفة، فقد سيطر المستوطنون عبر مجالسهم الإقليمية على عشرات الينابيع وباتت مغلقة أمام الفلسطينيين.
في تلخيصها للتقرير كتبت وكالة "أوتشا"، "من أجل الخضوع لمقتضيات القانون الدولي على السلطات الإسرائيلية أن تعيد للفلسطينيين إمكانية الوصول إلى ينابيع المياه التي سيطر عليها المستوطنون، وضمان أمنهم وإجراء تحقيق فعال يفحص حالات العنف وتجاوز الحدود من قبل مستوطنين وتقديم المسؤولين للمحاكمة، وتبني وسائل تمنع جولات مطولة للمستوطنات لتلك الينابيع".
وفي قائمة تشمل هذه الينابيع تبين أنه في مستوطنة متيه بنيامين، حول المجلس الإقليمي نبع عين عوز، القريب من شيلا وجفعات هرئيل، إلى موقع سياحي برعايته على الرغم من أن لا صلاحية له لفعل ذلك. في غوش عصيون تعمل عين سغما (التي تسمى عين اسحق) قرب مستوطنة بات عاين، داخل أراض فلسطينية خاصة. في الضفة يمكن إحصاء ينابيع عين المحنه وعين كفير وعين موشيه، الموجودة في مناطق فلسطينية خاصة، أو في مناطق عسكرية مغلقة، التي في كل الأحوال هي لا تقع ضمن صلاحيات المجلس الإقليمي.
المجالس، من جهتها لا تنفذ مشاريعها بالخفاء، بل على العكس تتفاخر بهذا الاحتلال والهيمنة على مناطق فلسطينية وتروج له عبر مواقع إنترنت سياحية وتنشر صوراً لبرك سباحة، مقاعد وزوايا للجلوس. زيارة إلى الينابيع تظهر أنها تعج بالناس، وبغالبيتهم الساحقة من المستوطنين.
شرعنة المستوطنات
في السادس من فبراير (شباط) 2017، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون شرعنة الاستيطان، وأطلق على هذا القانون "تنظيم الاستيطان في الضفة". وهو قانون يهدف إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين الخاصة، التي بُنيت عليها مستوطنات في مناطق الضفة الغربية، وتم تخصيصها للمستوطنين، وبذلك، "شرعنة" هذه المستوطنات بالنسبة للقانون الإسرائيلي.
في أعقاب هذا القانون تقدمت جمعيات ناشطة في مجال حقوق الإنسان، "عدالة" مركز "القدس لحقوق الإنسان" و "الميزان لحقوق الإنسان"، بالتماس إلى العليا باسم 17 سلطة محلية فلسطينية في الضفة الغربية، طالبت بإلغاء القانون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا القانون، عملياً، عطل منظومتي القضاء الشرعيتين الوحيدتين اللتين يعترف بهما القانون الدولي: القانون الإداري الذي يستند إلى المساواة أمام القانون، والقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان الدولية، التي تنطبق على الأراضي المحتلة. ويضرب القانون بعرض الحائط حقوق الفلسطينيين الأساسية في الضفة الغربية ويتركها من دون أي حماية قانونية، بحيث يمكن سلب الأملاك الخاصة لمصلحة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
في ردها على الالتماس، أبرزت الحكومة الإسرائيلية، أن رقعة البناء الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية، تصل إلى 3455 مبنى. وتضيف في ردها:
1. الاستيطان اليهودي في أراضي الضفة الغربية يحقق القيم الصهيونيّة؛
2. سكن الإسرائيليين في هذه المنطقة "حقّ طبيعيّ"؛
3. المشرع الإسرائيلي هو مصدر صلاحيات القائد العسكري في الضفة الغربيّة، وهذا المشرع غير خاضع للقانون الدولي؛
4. المستوطنون في الضفة هم مجتمع محلي، بحسب القانون الدولي، وعلى القائد العسكري أن يهتم بحاجاتهم؛
5. القانون مبّرر بسبب أهدافه السياسية، القومية والاجتماعية.
وبرأي الحكومة الإسرائيلية، فإن المشرع الإسرائيلي يمتلك كامل الصلاحيات لسن القوانين التي تنطبق على الضفة الغربية، وأنه غير خاضع لمعايير القانون الدولي بهذا الشأن. لم تمتنع إسرائيل عن تطبيق كافة التشريعات الإسرائيلية، شرق القدس بواسطة الكنيست، ويفترض أن تمتنع إسرائيل عن ذلك لو كانت تتبنى الموقف التفسيري، الذي بحسبه تخضع إسرائيل لقوانين الحرب كما هي، والتي تمنع ضم المناطق المحتلة. عملياً، استعداد السلطة التنفيذيّة- حكومات إسرائيل المتتالية- أن تخضع نفسها لقوانين الاحتلال.