عاودت أسعار العقارات في العاصمة العراقية بغداد الارتفاع، بعد أقل من عام من موجة ارتفاع، نتيجة تحول كثيرين من المواطنين لاستثمار أموالهم في هذا القطاع وابتعادهم عن المشاركة في مشاريع أو إيداعها في البنوك لتراجع الثقة بالمصارف العراقية.
وعلى الرغم من آثار الأزمة الاقتصادية في البلاد، الناجمة عن المشاكل التي تسببت بها جائحة كورونا والهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع الاستثمار في قطاعات السياحة والصناعة، فإن سوق العقارات بعيدة من هذه التطورات.
وتشهد أسعار العقارات في العاصمة بغداد ارتفاعاً كبيراً وصل إلى الضعف في بعض المناطق مقارنة بالسنوات الماضية. وأدى هذا الأمر إلى تضرر فئات واسعة من الطبقات الوسطى التي باتت مدخراتها غير قادرة على منافسة أصحاب مكاتب العقارات والمستثمرين في هذا القطاع الذين استحوذوا على غالبية أعمال البيع والشراء وتحديد الأسعار.
ويعزو متخصصون ما حصل إلى قيام أغنياء بغداد وأصحاب الأموال بالاستثمار في سوق العقارات لكونها الأكثر أماناً في ظل الزيادة العالية في السكان، لا سيما في العاصمة بغداد التي بلغ عدد سكانها حسب إحصائيات رسمية نحو ثمانية ملايين نسمة.
"أموالي محدودة"
يقول علي خليل، وهو موظف ومتزوج ولديه أربعة أبناء ويسكن في غرفة مع 15 شخصاً ضمن منزل عائلي تبلغ مساحته 200 متر مربع، إنه "من الصعب شراء منزل، لكون الأسعار مرتفعة جداً على الرغم من ادخاري مبلغاً يقدر بـ35 مليون دينار عراقي" (24 ألف دولار)، مضيفاً أن "سعر أصغر منزل بات يتجاوز 80 مليون دينار عراقي (55 ألف دولار).
وتشهد العاصمة بغداد، منذ عام 2014، إنشاء نحو 16 مجمعاً سكنياً عمودياً وأفقياً، تحتوي على أكثر من 60 ألف وحدة سكنية، ولم يبع عدد كبير منها بسبب الأسعار المرتفعة، ما دفع الحكومة العراقية إلى إصدار تعليمات للمصارف بتوفير قروض للراغبين في الشراء فيها.
المساحات الصغيرة
ويجيب أحد أصحاب شركات العقارات في بغداد أن الأسعار في تزايد مستمر بسبب الطلب المتنامي، لافتاً إلى وجود طلب متزايد من قبل الطبقات الوسطى على المساحات الصغيرة التي تتراوح بين 50 متراً مربعاً و100 متر مربع، على الرغم من تجاوز سعر المتر الواحد ثلاثة ملايين دينار (نحو 2100 دولار) في بعض المناطق.
ويضيف أن "الاستثمار في العقارات بات أكثر أماناً، فبعضهم يشتري للاستثمار وهناك آخرون يشترون بغرض المتاجرة، وبعضهم للسكن"، مضيفاً أن "هناك نسبة مرتفعة من الزبائن هي ممن يبيعون منازلهم في مناطق أخرى كي يسكنوا في مناطق خدماتها جيدة أو بعيدة من التجاوزات".
ويلفت إلى أن "هناك عقارات بيعت بأسعار خيالية، بملايين الدولارات، في بعض المناطق الراقية في العاصمة، لا سيما في الجادرية والمنصور والمأمون والقادسية في جانب الكرخ وزيونة في جانب الرصافة".
الخدمات مفقودة
ولعل ارتفاع أسعار الوحدات السكنية أدى إلى لجوء الطبقات المتوسطة إلى الأراضي الزراعية أو الأراضي غير المخدومة التي تعاني أبسط المقومات، من كهرباء أو ماء أو صرف صحي.
واشترى فراس خزعل عقاراً بمساحة 100 متر مربع بسعر 40 مليون دينار (27 ألف دولار) في جنوب غربي بغداد، إلا أن هذه المنطقة التي تشهد بدايات البناء ما زالت غير مخدومة وتفتقر إلى الطرق والماء والكهرباء والصرف الصحي.
وعلى الرغم من حصول خزعل على قرض من الحكومة بمبلغ 48 مليون دينار (نحو 30 ألف دولار) لبناء منزل، فإنه يعتقد أن "عدم وجود الخدمات سيؤخر انتقاله إلى المنطقة الجديدة للعيش فيها".
فرز الأراضي
واضطر كثيرون من العراقيين إلى اللجوء إلى شراء العقارات غير المبنية وفرزها. وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة العديد من القرارات بإزالة الأبنية من مناطق زراعية واعتبارها أبنية عشوائية، فإن عدم وجود البدائل الحكومية جعل تلك المناطق أمراً واقعاً.
وبحسب وزارة التخطيط، فإن هناك أربعة آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم 522 ألف وحدة سكنية، ربعها في العاصمة بغداد، وبواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي.
ويواجه ارتفاع أسعار العقارات بحملة انتقادات لاذعة من مواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، وطالب كثيرون الحكومة بإيجاد الحلول.
فهذا مصطفى يسأل عن أسباب ارتفاع أسعار العقارات، فيما علق محمد العماري على أحد إعلانات المجمعات السكنية، حيث سعر المتر 950 دولاراً، على "تويتر"، "هل يستطيع الموظف البسيط دفع هذا المبلغ؟".
المستثمرون وغسل الأموال
وتعزو المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، سلام سميسم، ارتفاع أسعار العقارات في بغداد إلى أن "أصحاب الأموال يستثمرون في العقارات، ما رفع الأسعار، لا سيما في ظل محدودية الوحدات السكنية في العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف سميسم أن "هناك كمية كبيرة من النقود المطروحة في السوق لأناس لديهم سلطة وقوة اقتصادية، ويعمل هؤلاء في استثمار الأموال داخل السوق العراقية في مجال السكن الذي يمثل أزمة حقيقية للمواطن العراقي". وتلفت إلى أن "محدودية عدد العقارات والمساكن وقلة العرض أدتا إلى ارتفاع الأسعار".
وتشير سميسم إلى أن "هناك كثيرين من أصحاب الأموال يتخوفون من أن تخرج أموالهم من العراق بسبب العقوبات الاقتصادية، فبدأوا يستثمرون أموالهم داخل العراق"، مشيرة إلى أن "سعر أصغر شقة في ضواحي بغداد تجاوز 180 ألف دولار، فيكون سعر المتر المربع الواحد نحو ألف دولار، وإذا ما بيعت أكثر من مرة يتضاعف سعرها".
وتضيف أن "البعض يستثمر في العقارات كجزء من غسل الأموال". وتلاحظ أن "القروض المصرفية زادت من حدة الأسعار لأن المصارف طرحت مبالغ في السوق، مما أدى إلى زيادة التضخم".
بدائل
بدوره، المتخصص في الشؤون الاقتصادية باسم جميل، يقول إن "التضخم النقدي الذي حدث في البلد وانخفاض قيمة الدينار العراقي دفعا كثيرين من المواطنين إلى استخدام السيولة النقدية في شراء الذهب أو الدولار أو العقار، مما أدى إلى زيادة الطلب على العقار".
ويضيف جميل أن "العراق يعاني أزمة سكن، بحيث إن 50 في المئة من العراقيين لا يملكون سكناً ملائماً، مما رفع الطلب في ظل قلة العرض"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر جعل كثيرين يستثمرون في المجال العقاري، خصوصاً في ظل الزيادة السكانية، التي تصل إلى مليون نسمة سنوياً، مما يتطلب توفير 250 ألف وحدة سكنية سنوياً".
ويعتقد جميل أن "القروض الحكومية من دون تخطيط رفعت أسعار العقارات، وكان من الممكن توزيع أراضٍ مخدومة وإعطاء قروض على تلك الأراضي لتخفيض سعر الوحدات السكنية".
وأطلقت المصارف الحكومية العراقية وصندوق الإسكان العراقي، خلال الأيام الماضية، سلسلة من القروض للمواطنين لبناء المساكن، تتراوح ما بين 50 مليون دينار (34 ألف دولار) و150 مليون دينار (102 ألف دولار) لترميم المساكن وتأهيلها وبنائها وشرائها، ولاقت إقبالاً خصوصاً من قبل موظفي الدولة.