قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إن الحرب في أوكرانيا قد تخفض النمو الاقتصادي العالمي بأكثر من نقطة مئوية واحدة في العام الأول من اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، ووفقاً للمنظمة، يمكن أن يتسبب تأثيرها في "ركود عميق" في روسيا إذا استمرت المواجهة بين البلدين الجارين، وقال التقرير إن من المتوقع أن ترتفع أسعار المستهلكين عالمياً بنحو 2.5 في المئة، وقال كبير الاقتصاديين في المنظمة لورانس بون، لصحيفة "ذا غلوب أند ميل"، بحسب "روسيا اليوم"، إن النمو في الاتحاد الأوروبي سيكون الأكثر تضرراً، مع انخفاض بنسبة 1.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وأضاف بون أن من المتوقع أن يكون أداء الولايات المتحدة أفضل، بتأثير يبلغ حوالى 0.8 في المئة.
وقالت المنظمة إن تلك البلدان "التي لديها حدود مشتركة مع روسيا أو أوكرانيا" ستشعر بأكبر قدر من التأثير بسبب تدفقات اللاجئين من أوكرانيا. ومع ذلك، فإن صدمة الأسعار قد يشعر بها أولئك الموجودون في البلدان النامية بشكل أكثر حدة، وذكر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن "الدعم المالي المصمم جيداً والموجه بعناية يمكن أن يقلل من التأثير السلبي في النمو مع وجود دافع إضافي طفيف للتضخم"، واقترحت المنظمة إمكانية أن تقدم بعض الحكومات ضريبة غير متوقعة لمرة واحدة على شركات الطاقة لمساعدة الأسر على التعامل مع ارتفاع الفواتير، ولفتت المنظمة إلى أن البنوك المركزية يجب أن تلتزم في الغالب بخطط أسعار الفائدة الموضوعة قبل اندلاع الصراع.
وأضافت، "يجب أن تظل السياسة النقدية مركزة على ضمان توقعات تضخم راسخة"، مشيرة إلى ضرورة أن تواصل معظم البنوك المركزية خططها الموضوعة قبل الحرب، باستثناء الاقتصادات الأكثر تضرراً، إذ قد تكون هناك حاجة إلى وقفة لإجراء تقييم كامل للأسعار.
وكان من المفترض أن يكون 2022 هو العام الذي يتعافى فيه الاقتصاد العالمي من صدمة "كوفيد-19"، وتوقع المتنبئون الرسميون أن تكون اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا والصين تقريباً قد عادت إلى المسارات التي كانت تسير عليها قبل الوباء بحلول نهاية العام الحالي، وكانت الاقتصادات الناشئة الأخرى متخلفة عن الركب، لكنهم توقعوا أيضاً أن تنمو بمعدلات سريعة وتعود ببطء إلى وضعها الطبيعي.
الاقتصاد العالمي يواجه خطر التدهور الحاد
وقال صندوق النقد الدولي في تقييمه لشهر أكتوبر (تشرين الأول) إن التضخم يمثل مشكلة بالتأكيد، لكنه أضاف أن نمو الأسعار السريع "يجب أن ينخفض تدريجاً مع تلاشي اختلالات العرض والطلب في عام 2022 واستجابة السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى"، ولم يكن الصندوق ساذجاً، فقد أشار إلى المخاطر الجيوسياسية والوبائية في تقييمه، لكنه كان يأمل في تفاديها، وبعد ثلاثة أشهر من انطلاقة عام 2022، أصبحت هذه التحذيرات حقيقة واقعة، إذ يواجه الاقتصاد العالمي اليوم خطر حدوث تدهور حاد.
وتسببت الحرب الأوكرانية في حدوث صدمة تضخمية شديدة، وأدت إلى ارتفاع الأسعار مع تعرض إمدادات الطاقة للتهديد وتقلص مداخيل الأسر والشركات، إذ أصبحت السلع الأساسية أكثر تكلفة.
الحرب ومخاطر تصعيد الثقة في الإنفاق
ومع أكبر حرب على الأراضي الأوروبية منذ ما يقرب من 80 عاماً، يقوض خطر التصعيد الثقة في الإنفاق، وتقول "فايننشيال تايمز"، إنه بات على أوروبا التعامل مع تدفق أكبر من اللاجئين أكثر مما كان عليه في عام 2015، وتهدد عودة كورونا إلى الصين مرة أخرى سلاسل التوريد العالمية، ما يؤدي إلى تضخيمها صعوداً والضغوط على الأسعار والضغط النزولي على الإنتاج، وكل هذه التطورات تقوض الآفاق الاقتصادية العالمية التي يحيطها قدر كبير من عدم اليقين لدرجة أن ماتياس كورمان، رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قال إن المنظمة "ليست في وضع يمكنها من تقديم" توقعاتها الاقتصادية العالمية المعتادة.
وقال ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين العالميين في "سيتي"، ومسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية، كنا أكثر استعداداً لوضع تقدير تقريبي للغاية للضرر المحتمل، وأضاف، قبل الحرب، كان من المتوقع أن يكون النمو العالمي في المنطقة بنسبة خمسة في المئة في عام 2022، لكن شيتس يعتقد أنه "إذا طال أمد التوترات الأوكرانية، أو تصاعدت أكثر، فقد تحتاج التخفيضات على توقعات النمو لهذا العام إلى أن تكون مقومة بالنسبة المئوية".
نظرة أكثر كآبة
وفي مختلف أنحاء العالم، كان صانعو السياسات يتخذون إجراءات ويتجهون نحو نظرة أكثر كآبة، ومنذ أكثر من شهر بقليل، قدمت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وجهة نظر متفائلة لتوقعات منطقة اليورو، عندما قالت، "النمو يجب أن ينتعش بقوة"، لكنها غيرت موقفها هذا الأسبوع، قائلة إن الأحداث الأخيرة "شكلت مخاطر كبيرة على النمو".
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول قد بدأ منذ أيام سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة، قائلاً، "ندرك تماماً الحاجة إلى إعادة الاقتصاد إلى استقرار الأسعار ونحن عازمون على استخدام أدواتنا للقيام بذلك بالضبط"، في حين كان كبير المسؤولين الاقتصاديين في الصين، ليو هي، قلقاً بما يكفي بشأن الوضع لإجراء تدخل نادر، الأربعاء، ووعد بأن الحكومة ستعزز الاقتصاد في الربع الأول، فضلاً عن تقديم "سياسات مؤاتية للسوق".
الاقتصاد الأوروبي الأكثر ضعفاً
ونظراً لكونه الأقرب من الناحية الجغرافية والاقتصادية إلى أوكرانيا، فإن الاقتصاد الأوروبي هو الأكثر ضعفاً، في حين أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لم تصدر تنبؤات، فقد نشرت محاكاة للآثار المحتملة للحرب وتغيرات أسعار السلع الأساسية التي تستمر طوال العام. وقد أظهر هذا انخفاضاً في النمو في منطقة اليورو تقريباً ضعف مثيله في الولايات المتحدة، ويقول بون، "هناك فرق حقيقي بين أسعار الغاز الأميركية والروسية، والصدمة أكبر في أوروبا لأنها تعتمد بدرجة أكبر على الغاز الروسي".
وقامت المنظمة بمحاكاة إصابة 1.4 نقطة مئوية بالاقتصاد الأوروبي في عام 2022، بناء على التأثيرات حتى الآن، لكن المسؤولين قلقون من أن هذا يقلل من التأثير الاقتصادي الحقيقي، وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط هذا الأسبوع، جزئياً نتيجة لتوقعات اقتصادية عالمية أسوأ، في وقت لا يشعر المسؤولون بارتياح كبير من هذه التطورات، وفي حديث خاص لـ "فايننشيال تايمز"، كان أحد كبار المسؤولين الاقتصاديين الأوروبيين قلقاً بشأن "تأثير الثقة الكبير حقاً" على الأسر والشركات بمجرد الشعور بالعواقب الحقيقية لتصرفات روسيا واضطرابات سلاسل التوريد الأوروبية.
أضاف المسؤول نفسه أن الصراع سيتطلب أيضاً تضامناً كبيراً من مختلف أنحاء أوروبا مع بولندا ودول أوروبا الشرقية الأخرى التي تواجه أكبر عبء في العثور على سكن ودعم لثلاثة ملايين لاجئ عبروا بالفعل الحدود الأوكرانية، ومن المتوقع وجود ملايين عدة أخرى.
وتعمل الحكومات في أوروبا على رفع مستوى سياساتها في محاولة لحماية الأسر من بعض أسوأ آثار ارتفاع أسعار السلع الأساسية على مستويات معيشتهم، واتفقت الحكومتان الفرنسية والإيرلندية على دعم تكاليف الوقود المرتفعة، وأشارت ألمانيا إلى أنها ستحذو حذوها قريباً، لكن هذه الإجراءات لا تمنع الآثار الاقتصادية للحرب من أن تصبح ظاهرة للعيان للمستهلكين والشركات، فشركات صناعة السيارات الألمانية لديها مصانع معطلة بسبب نقص الأجزاء المصنوعة في أوكرانيا، كما أن بعض محلات السوبرماركت الإيطالية تعاني من نقص في المعكرونة، كما دخل سائقو الشاحنات الإسبان في إضراب هذا الأسبوع احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، ما أدى إلى خلق رفوف فارغة في المتاجر الكبرى.
وقال هربرت ديس، الرئيس التنفيذي لشركة "فولكسفاغن"، للصحيفة عينها هذا الأسبوع، إن الحرب الطويلة في أوكرانيا قد تكون "أسوأ بكثير" بالنسبة للاقتصاد الأوروبي من جائحة فيروس كورونا، بسبب اضطراب سلسلة التوريد وندرة الطاقة والتضخم.
وكانت جائحة كورونا قد تسببت في تعطل سلاسل التوريد العالمية بشدة بسبب الوباء ما خلق كثيراً من الاختناقات، لكن الحرب في أوكرانيا تمثل خطراً جديداً على توريد المواد الرئيسة، على سبيل المثال، توفر أوكرانيا 70 في المئة من غاز النيون، وهو أمر ضروري لعملية الطباعة الحجرية بالليزر المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات، في حين أن روسيا هي المصدر الرئيس للبلاديوم، وهو أمر ضروري لصنع المحولات الحفازة (جزء من النظام العادم في المركبات الحديثة التي تساعد على تقليل التأثير البيئي السلبي للسيارات).
السيناريو الأسوأ
السيناريو الأسوأ الذي صاغه الاقتصاديون والبنوك المركزية هو إذا تم قطع إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، ويقدّر يان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في بنك "غولدمان ساكس"، أن حظر الاتحاد الأوروبي واردات الطاقة الروسية سيؤدي إلى تضرر الإنتاج بنسبة 2.2 في المئة ويؤدي إلى ركود في منطقة اليورو، والذي يعرف بأنه ربعان متتاليان من الانكماش الاقتصادي.
ريشي سوناك، وزير الخزانة البريطاني، أخبر زملاءه أن الضربة ستكون أكبر وستؤدي بسرعة إلى انكماش قيمته 70 مليار جنيه استرليني (92 مليار دولار)، أو ثلاثة في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة، بالنظر إلى علاقاتها التي لا تزال وثيقة مع الاقتصاد الأوروبي.
وبينما كانت هناك آمال في نمو الاقتصاد الأوروبي بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة في عام 2022، يعتقد القليل الآن أن ذلك مرجح اليوم. ويحذر فيتور كونستانسيو، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الأوروبي، من حدوث ركود، بغض النظر عما يحدث في الحرب، إذا فقدت الثقة، ويقول، "مع النقص الكمي، يمكن أن ينخفض النمو أكثر وربما يتحول إلى سلبي هذا العام، لأننا سنصاب بالذعر"، في حين أن قلة من صانعي السياسات ما زالوا في حالة ذعر، لكنهم بعيدون كل البعد عن أوروبا الشرقية، فهم جميعاً يسعون الآن للحفاظ على الثقة لمنع حدوث نتائج اقتصادية أسوأ بكثير في عام 2022، وتختلف الإجراءات لأن المشكلات ليست موحدة في الاقتصادات الرئيسة.
الاقتصاد الأميركي وتحديات التضخم والبطالة
على النقيض من أوروبا، فإن الاقتصاد الأميركي يسير في جو ساخن للغاية، وبلغت البطالة 3.8 في المئة في فبراير (شباط)، وعادت تقريباً إلى معدل ما قبل الوباء البالغ 3.5 في المئة، والتضخم يقبع اليوم عند أعلى مستوياته في عقود عدة، الشهر الماضي، مع أسعار الاستهلاك المرتفعة مقارنة بالعام السابق.
وبعد فرض أول ارتفاع في سعر الفائدة منذ الوباء، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي، هذا الأسبوع، إلى أنه يعتزم تكرار عملية الارتفاع بمقدار ربع نقطة ست مرات أخرى هذا العام وثلاث مرات أخرى في عام 2023. والهدف، في نظر الاحتياطي الفيدرالي، هو كسب المال، وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية يلتزم الفيدرالي الأميركي بسياسة تقييدية، مع معدلات فائدة تقارب ثلاثة في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُمكن إظهار ضخامة هذا التحول نحو السعي لإبطاء الاقتصاد الأميركي من خلال مدى تغير رسائل بنك الاحتياطي الفيدرالي، فقبل عام، كانت أسعار الفائدة ستصبح بالكاد عند 0.5 في المئة بنهاية العام المقبل، وعلى الرغم من أن السياسة النقدية الأميركية تتعرض لكثير من الضغوط في السعي لتوجيه الاقتصاد خلال أوقات صعبة، إلا أن هناك اعترافاً متزايداً حول العالم بأن السياسة المالية من المرجح أن تكون أكثر ملاءمة لاستعادة الثقة في الهياكل الاقتصادية.
ولا تستطيع الولايات المتحدة بسهولة تقديم المزيد من الحوافز لاقتصادها المحموم، ولكن يجب استخدام هذا الخيار في أوروبا، وفقاً لرضا مقدم، كبير المستشارين الاقتصاديين في مورغان ستانلي الذي يقول للصحيفة نفسها، "يجب أن تكون أداة السياسة مالية هذه المرة"، مضيفاً أنه لا يوجد سوى الكثير حتى يمكن تحقيقه، يمكن للحكومات تعويض بعض التكاليف التي يتحملها المستهلكون والشركات، ولكن من الصعب تعويض التأثير في التجارة أو الضرر الذي يلحق بالثقة من ارتفاع تكاليف الطاقة".
من جانبها، قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن القوة المالية للتحفيز في أوروبا والصين ستكون كافية لخفض الضربات المباشرة للناتج الاقتصادي من الحرب في أوكرانيا إلى النصف، ولن يكون هذا تضخمياً إذا كانت تستهدف الأسر الأفقر، التي هي الأكثر تضرراً من ارتفاع تكاليف الغذاء والتدفئة والكهرباء.
الصين وتحديات تفشي الوباء مجدداً
وجاءت إشارة الصين إلى أنها ستقدم حزمة من الدعم إذ تهدد موجة "أوميكرون" بتمديد عمليات الإغلاق عبر مناطق واسعة من البلاد حيث أوقفت الحكومة خططاً لتوسيع تجارب ضريبة الممتلكات الجديدة، وكانت تعهدات نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي، بدعم الاقتصاد غير محددة، لكنها أوقفت حدوث هزيمة في الأسهم الصينية، حتى لو كان المحللون غير مقتنعين بأن الحكومة كانت تنهي الإصلاح التنظيمي العقابي للأعمال.
وفي الولايات المتحدة، تميل الإدارة أكثر إلى صناعة العبث، وتوجه الرئيس جو بايدن إلى "تويتر" هذا الأسبوع لانتقاد شركات النفط الأميركية لعدم خفض أسعار الوقود بسرعة للسائقين في المضخات مع تراجع أسعار النفط العالمية، وقال، "لا ينبغي لشركات النفط والغاز تبذير أرباحها على حساب الأميركيين الكادحين".
ولا أحد يعرف كيف ستنجح هذه الاستجابات السياسية، التي تم وضعها على عجل تجاه الواقع الاقتصادي سريع التغير، ويرغب معظم الاقتصاديين في القول إن التوقعات العالمية في عام 2022 ستكون أسوأ مما توقعوا سابقاً ومدى سوء ذلك يعتمد على مسار الحرب الروسية- الأوكرانية.
كما كتب جوزيف كابورسو، رئيس قسم الاقتصاد الدولي في "بنك الكومنولث الأسترالي"، هذا الأسبوع، "الحرب، قبل كل شيء، هي التعبير المطلق للسياسة. لقد اتخذ السياسيون، وليس رجال الأعمال أو البيروقراطيون، قرارات يمكن أن تكون لها آثار عميقة على الاقتصاد العالمي على المدى القصير والطويل إذا لم يتم عكسها".