بررت الحكومة المصرية قراراتها الاقتصادية الأخيرة، والمتعلقة برفع أسعار الفائدة، أو التحرير الجزئي للعملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، باستخدام احتياطاتها من النقد الأجنبي لمواجهة التداعيات السلبية للجائحة العالمية، وقال محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، في مؤتمر صحافي عقدته الحكومة، أمس الاثنين، إن بلاده حافظت على مستويات سعر الصرف من الاحتياطات الدولية التي بنتها مصر بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي طبقتها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، لافتاً إلى أنه نظراً إلى الاحتياطات الدولية، استطاعت مصر سداد كل التزاماتها في وقتها، مع توفير كل احتياجات السوق المصرية.
32 مليار دولار تسهيلات ائتمانية للقطاع الخاص
وأشار عامر إلى أن القاهرة قدمت نحو 600 مليار جنيه (32.4 دولار أميركي) تسهيلات ائتمانية لرجال الأعمال والمؤسسات في القطاع الخاص لدعمهم خلال أزمة الجائحة في استمرار الإنتاج ودفع رواتب العاملين لديهم.
وقال إن رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس (واحد في المئة) بشكل استثنائي تسبب في تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار بهدف الحفاظ على المقدرات المالية لمصر، بالإضافة إلى استقرار سيولة النقد الأجنبي لتأمين احتياجات المجتمع في ظل الظروف الحالية، مؤكداً ضرورة توافر السيولة الدولارية في جسد الاقتصاد للحفاظ على الأسعار واتساقها مع المتطلبات الدولية، وأشار إلى أن سعر الصرف يعكس الأوضاع النقدية والاقتصادية في العالم ومصر.
البوصلة تتجه إلى الصندوق الدولي
في المقابل، أكد محللون ومسؤولون لـ"اندبندنت عربية" أن خطوات وقرارات الحكومة المصرية أخيراً تشير إلى أن بوصلتها تتجه بنسبة كبيرة نحو صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لن يقل عن ملياري دولار، في سيناريو متشابه مع اتفاق سبق أن وقعته القاهرة مع الصندوق الدولي قبل ست سنوات عندما بدأت برنامج إصلاح اقتصادي شاملاً حصلت بمقتضاه على 12 مليار دولار بعد تحرير سعر الصرف (التعويم) في نوفمبر 2016.
وكشف مصدر مسؤول، لم يرد ذكر اسمه، عن أن خطوات الحكومة تسارعت نحو التعاون مع صندوق النقد الدولي في ظل نقص السيولة الدولارية الذي تعانيه البلاد خلال الفترة المقبلة. وقال إن البنك المركزي يدير السياسة النقدية بطريقة غير مباشرة مع البنوك المحلية، خصوصاً البنوك العامة المملوكة للدولة، مضيفاً أنه سمح بعد رفع أسعار الفائدة بتحرك الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري ليصل إلى 18.5 جنيه، وهو ما أفقده نحو 14 في المئة من قيمته أمام العملة الخضراء لتكون قيمته حقيقية وعادلة أمام المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية، وأهمها صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني.
وأكد المسؤول أن أزمة نقص سيولة النقد الأجنبي في القاهرة بدأت قبل نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي، ما أجبر "المركزي" على تقييد عمليات استيراد السلع الهامشية (غير الأساسية والاستراتيجية)، بالتزامن مع تخارج كثيف للأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية) إلى خارج البلاد، ما دفع الحكومة إلى تجديد عقد بعض الودائع الخليجية والعربية لدى خزائن البنك المركزي المصري أخيراً.
قرض بملياري دولار والفائدة 2 في المئة
وأشار إلى أن الحكومة المصرية تتواصل بشكل دوري مع صندوق النقد في إطار التعاون الفني، مؤكداً أن المشاورات تطورت من محادثات فنية لدعم الحوكمة واستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي على المستوى الإداري في الجهاز الإداري للدولة إلى منعطف آخر يتعلق بحصول القاهرة على تسهيل ائتماني جديد من صندوق النقد الدولي.
وتوقع حصول القاهرة على قرض لن تقل قيمته عن ملياري دولار أميركي بفائدة لن تزيد على اثنين في المئة من خلال آلية يسمح بها صندوق النقد الدولي للدول الأعضاء بالحصول على تسهيل من صندوق مخصص لمواجهة الطوارئ، ولم تحصل القاهرة على نصيبها من هذا الصندوق من قبل، لافتاً إلى أن التسهيل الجديد يختلف عن أداة التسهيل الائتماني السريع الذي حصلت عليه مصر لمواجهة الأعباء والتداعيات السلبية لجائحة كورونا. وأوضح أن الحصول على قرض جديد من الصندوق يستهدف الحفاظ على الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي يكفي لمواجهة فاتورة الاستيراد لمدة سبعة أشهر.
تمديد أجل سداد ودائع خليجية بـ3.3 مليار دولار
وفي مطلع الشهر الحالي، أعلن البنك المركزي المصري، في بيان رسمي، عن توصله إلى اتفاق لمد أجل ودائع سعودية وكويتية تصل قيمتها لـ3.3 مليار دولار. وأوضح أنه تم مد أجل وديعتين سعوديتين بقيمة 2.3 مليار دولار من السداد في أبريل (نيسان) 2022 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2026، وكذا وديعة كويتية بقيمة ملياري دولار من السداد في أبريل المقبل إلى سبتمبر (أيلول) 2022، ويصل إجمالي الودائع الخليجية في خزائن البنك المركزي المصري نحو 17 مليار دولار مقسمة بين السعودية والإمارات والكويت.
استخدام 4.5 مليار دولار من رصيد الاحتياطي
واستخدمت القاهرة نحو 4.5 مليار دولار من رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي في غضون عامين فحسب، بعدما تراجع من 45.5 مليار دولار في فبراير 2020 (أعلى مستوى سجله الرصيد في تاريخ البلاد) إلى أقل من 41 مليار دولار في نهاية فبراير 2022، وفقاً لبيانات رسمية للبنك المركزي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت وكالة "رويترز" أشارت، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى إجراء مصر مناقشات مع صندوق النقد الدولي بشأن مساعدة محتملة، لكنها لم تعلن عن أي طلب رسمي للحصول على قرض من الصندوق، وهو ما أشارت إليه وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، إذ أوضحت أن قرارات "المركزي المصري" برفع معدل الفائدة بنسبة 100 نقطة أساس، والسماح بخفض قيمة العملة ستساعدها على حماية احتياطي البلاد من النقد الأجنبي. وذكرت في مذكرة بحثية لها، أمس الاثنين، أن الحكومة المصرية قد تتجه نحو تأمين برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي يسمح بتوفير تمويل ميسر وترسيخ مصداقية السياسة المالية.
سيناريو 2016.. والتعويم
من جانبه، قال شريف سامي، المتخصص في شؤون الاقتصاد، إن سيناريو عام 2016 يلوح في الأفق، مضيفاً أن الحكومة بدأت في إعادة سيناريو برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته في عام 2016، موضحاً أن أول خطوة في البرنامج كانت تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي (التعويم) في نوفمبر عام 2017، ما تسبب في خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار ليصل الأخير إلى حدود الـ20 جنيهاً، ثم تراجع رويداً رويداً حتى استقر عند 15 جنيهاً لفترة زمنية طويلة قبل اندلاع الحرب الروسية.
وأكد أن التعاون مع صندوق النقد مجدداً في الوقت الحالي لا بديل عنه في ظل تراجع السيولة الدولارية واستخدام "المركزي" ما لديه من احتياطي أجنبي، خصوصاً في ظل التداعيات الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم وتتأثر بها مصر، التي تراجعت إيراداتها من السياحة، كما شهدت تراجعاً كبيراً في الصادرات، فضلاً عن انخفاض استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، وأضاف "يجب ألا ننسى أن خطة التمويل عبر إصدار سندات دولية بالعملات الأجنبية صعبة في الوقت الحالي، الذي يشهد اضطراب الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى عدم قدرة السندات المصرية على جذب المستثمرين، بسبب تراجع أسعار الفائدة، وعدم وضوح القيمة الحقيقية للجنيه مقابل الدولار قبل قرار رفع سعر الفائدة".
انخفاض قيمة الجنيه 50 في المئة في 2016
في نوفمبر عام 2016 بدأت القاهرة خطة موسعة للإصلاح الاقتصادي، تتضمن حزمة من الإجراءات الاقتصادية الصعبة، وكانت البداية بتحرير سعر صرف الجنيه (التعويم) مقابل الدولار لتتراجع قيمته بأكثر من 50 في المئة، قبل أن تبرم اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي تحصل بمقتضاه على تسهيل ائتماني قدره 12 مليار دولار على ست شرائح، حصلت على الشريحة الأخيرة منه في يوليو (تموز) 2019، لتعود سريعاً إلى الصندوق الدولي للحصول على 2.8 مليار دولار في ظل تفشي جائحة كورونا للمرة الأولى في مايو (أيار) 2020، ثم عالجته بقرض تمويل سريع بقيمة 5.2 مليار دولار بواسطة آلية التمويل السريع، التي أتاحها الصندوق للدول الأعضاء التي تواجه احتياجات طارئة بسبب الجائحة.
وبررت الحكومة عودتها إلى الاقتراض من المؤسسة الدولية للحصول على التمويل السريع آنذاك بإنفاقها ما يقرب من 40 مليار جنيه (2.5 مليار دولار) خلال 30 يوماً فقط من مقاومة الجائحة العالمية ضمن الـ100 مليار جنيه (6.3 مليار دولار) المخصصة لمواجهة الجائحة.
مصر تتأثر بالحرب الروسية
من جانبه، قال أستاذ التمويل والاستثمار بالقاهرة، مصطفى بدرة، إن هناك احتمالية واردة للجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي، شأنها في ذلك مثل باقي الدول، لمواجهة التداعيات التي خلفتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك أزمة الاضطراب في سلاسل التوريد، فضلاً عن تبعات جائحة كورونا.
وأكد "بدرة"، في تصريحات صحافية، ضرورة مساندة صندوق النقد الاقتصادات النامية حتى لا تتأثر بشكل كبير يجعلها عبئاً على الاقتصاد العالمي، موضحاً أن الاقتصادات العالمية بحاجة إلى التعافي لفترة طويلة من الأزمة الراهنة.
وتابع أنه مع بداية تنفيذ قرارات البنك المركزي وخفض قيمة الجنيه، تتم تلبية احتياجات المستوردين وكذلك باقي الطلبات الأخرى، ولهذا يكون الانخفاض كبيراً في اليوم الأول، متوقعاً استقرار السوق المحلية خلال أيام قليلة.