تتفاوت وجهات نظر الإدارة الأميركية وتقييمها للملف اليمني وبالتالي موقفها من ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، بدا ذلك واضحاً من خلال التباين الذي يصدر عنها إزاء الحرب في اليمن واتسامها بالتأرجح الذي أخذ طابع الدعم للشرعية اليمنية في بداية الحرب ومن ثم محاولات لعب دور المحايد أو الوسيط المحتمل الذي يسعى لإنهاء الصراع الدامي.
ويمكن قياس ذلك الموقف منذ وقت بدء تمرد الحوثي على السلطة الشرعية والإجماع الشعبي في عام 2014، ورفع الجماعة شعارات ضد أميركا تحديداً، إلا أن إدارة الرئيس باراك أوباما، حينها، لم تبادر لردعها بل حرصت أن تنال حضوراً أكبر من تمثيلها الشعبي في مؤتمر الحوار الوطني، ويومها، وصفها سفير الولايات المتحدة في صنعاء جيرالد فايرستاين، بأنها فصيل سياسي يمني ولا بدّ من مشاركتها في الحياة السياسية.
ومع بدء الزحف الحوثي المسلح لإسقاط العاصمة صنعاء ومناطق الشمال اليمني، لم تحرك الإدارة الأميركية ساكناً في وقتها، ولم تتخذ موقفاً يشي برد فعل غاضب، إلى أن تم الزحف المسلح مهمته بالاستيلاء على العاصمة اليمنية وحدوث الانقلاب على الشرعية.
ومع ارتفاع وتيرة الصراع بين الحوثيين والحكومة الشرعية التي يرأسها الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، اضطر الأخير لتقديم طلب إلى الحكومة السعودية للتدخل العاجل لإعادة شرعية حكومته، وبدأت الأخيرة في تشكيل تحالف عربي أطلقت أولى عملياته صبيحة 26 مارس (آذار) 2015، عرفت باسم "عاصفة الحزم" قابلته الإدارة الأميركية بتقديم الدعم اللوجستي للتحالف.
ووفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض بعد ساعات من إعلان السعودية بدء عمليات التحالف العسكرية في اليمن، أكدت واشنطن تقديمها الدعم اللوجستي اللازم، وأعلن عن تشكيل خلية مشتركة داعمة لعمليات التحالف. كما أثنى وزير الخارجية الأميركي جون كيري على العمليات العسكرية ضد الحوثيين.
وعقب أسبوعين للعمليات العسكرية، عادت إدارة الرئيس أوباما التأكيد على تأييدها قرارات مجلس الأمن رقم 2216 وطالبت فيه الحوثيين بالتراجع عن الانقلاب والعودة للحوار والمبادرة الخليجية وآليات تنفيذها.
توسع الدور الأميركي
والدعم الأميركي لموقف الحكومة اليمنية والتحالف العربي لم يقتصر على تصريحات البيت الأبيض، بل تجاوز ذلك لتقديم دعم متكامل للشرعية وحلفائها من العرب، لا سيما على الصعيد اللوجستي والاستخباراتي والعسكري، إذ أعلنت واشنطن في أبريل (نيسان) 2015، أي بعد مضي ما يقارب الشهر على إطلاق العمليات العسكرية لردع الحوثي على إنشاء خلية للتخطيط المشترك، كما عملت على نقل أعمال سفارتها من العاصمة صنعاء إلى مدينة جدة السعودية.
ولم تتغير السياسات الأميركية مع تولي الرئيس الجمهوري دونالد ترمب سدة البيت الابيض، بل أصبحت أكثر دعماً لحلفائها في المنطقة وتحديداً دول الخليج العربي، فإلى جانب الدعم اللوجستي الذي كانت تلتزم به للتحالف، عقدت واشنطن العديد من صفقات التسليح مع السعودية والإمارات، إضافة إلى إصدارها قرارات تشديد لحظر الأسلحة على الحوثي، ولم تنته ولاية ترمب حتى أعلنت وزارة الخارجية تصنيف الحوثي منظمة إرهابية.
شطب التصنيف
لم يمض كثير من الوقت منذ أصدر الرئيس الأميركي السابق قراراً بوضع الحوثيين على قائمة الإرهاب قبل نهاية ولايته بأيام، إلا وسارعت إدارة خلفه، جو بايدن، بإلغاء القرار ورفع اسمها من قوائم الإرهاب بعد أقل من شهر من إعلان التصنيف.
وتزامن هذا الشطب مع أول خطاب للرئيس بايدن تحدث خلاله عن سياسة بلاده الخارجية في فترة حكومته، حمل عنوان "موقع أميركا في العالم"، إذ أعلن بصراحة ثلاثة قرارات تخص الملف اليمني والصراع المستمر منذ 2015، أولها إنهاء الدعم الأميركي للعمليات العسكرية بما في ذلك عقود التسليح، إضافة إلى تأكيده دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة لحل النزاع بشكل سياسي سلمي.
كما شملت التغيرات في الموقف الأميركي المفاجئ لحلفائه تجاه الملف اليمني تعيين مبعوث خاص بها للمرة الأولى وهو تيم ليندركينغ، ويهدف القرار، بحسب الإدارة الأميركية، إلى تكثيف الجهود لتحقيق تسوية سلمية للأزمة اليمنية، إذ كان أبرز المهام للمبعوث الأميركي اتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق النار بين الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الهدف المعلن من هذه التغييرات في سياسة واشنطن تجاه الملف اليمني، تخفيف حدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم وتعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية في البلد، إلا أن هذا التبرير لم يرق حينها للحكومة اليمنية الشرعية ومعها التحالف العربي.
إشكالية سياسية
وعلى الرغم من ربط الإدارة الأميركية قرار إلغاء تصنيف الحوثيين من الجماعات الإرهابية بالبعد الإنساني، إلا أن المحلل السياسي عبدالله الجنيد يرى وجود إشكالية سياسية وليست أخلاقية في تناول قضايا الشرق الأوسط من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، كون "الولايات المتحدة وريثة التاج البريطاني شرق أوسطياً التي تبنت التوازن الطائفي من المنظور البريطاني لتعدد توظيفاته السياسية"، ولهذا يعتبر الجنيد أن السياسات الأميركية "شرق أوسطية لا تمت للواقع السياسي واستحقاقات الاستقرار والتنمية".
أضاف، "لتبيان حجم العبثية السياسية الأميركية، بحسب وزارتي الخزانة والخارجية الأميركية، فإن آيبان، أكبر راع ممول للإرهاب في العالم، وكذلك هو تصنيف وكلائها في لبنان والعراق واليمن، إلا أنها تدرك قيمة توظيف مظلومية الحوثي يمنياً وإقليمياً، لذلك هي مستعدة لممارسة المهادنة لتحقيق مكاسب مرحلية وأخرى استراتيجية"، مؤكداً أن اليمن واستقراره مسؤولية يمنية وإقليمية وليست دولية، لذلك تأخر حسم هذا الملف يجب أن تكون سيدة القرار فيه الرياض لا واشنطن.
مجلس الأمن
ومع ممانعة الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تصنيف الحوثي منظمة إرهابية، إلا أن مجلس الأمن الدولي أصدر قراراً مطلع مارس (آذار) الجاري، صنّف الجماعة على أنها "إرهابية"، للمرة الأولى، ونص القرار على إدانة هجماتهم الإرهابية العابرة للحدود على المدنيين والبنية التحتية المدنية في الداخل اليمني ومدن الجوار في كل من السعودية والإمارات، كما طلب بالوقف الفوري لمثل هذه الهجمات، وأشار القرار إلى إدراج الحوثيين، ككيان على قائمة عقوبات اليمن بموجب حظر الأسلحة.
وحدد مجلس الأمن أسباب التصنيف لارتكاب الميليشيات مجموعة واسعة من الانتهاكات ضد السكان اليمنيين المدنيين واستخدام العنف الجنسي وتجنيد الأطفال واستغلالهم، إضافة إلى استخدام الألغام الأرضية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، والاعتداءات على الشحن التجاري من خلال الهجمات المتكررة على السفن المدنية والتجارية في البحر الأحمر. وكذلك الاستيلاء على السفن التجارية قبالة سواحل اليمن، وأكد القرار أن الهجمات على السفن التجارية تخضع للعقوبات، وطالب في نص القرار بالإفراج عن طاقم سفينة "روابي".
مكامن الغموض
ولم يعد خافياً ذلك التحول الطفيف في سياسات مجلس الأمن الدولي بشأن التعامل مع الحوثي في الآونة الأخيرة بتصنيفها جماعة إرهابية، إلا أن الموقف الأميركي لم يبارح مكامن الغموض في هذا الخصوص، ولم يصدر عن الإدارة الأميركية ما يشير إلى تغير ملموس في سياستها تجاه الملف اليمني والمتسبب الرئيس في الأزمة المتفاقمة، عدا تصريحات بين حين وآخر للرئيس الأميركي أبرزها ما قاله في معرض رده على تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية خلال مؤتمر صحافي عقد في يناير (كانون الثاني) الماضي، بمناسبة مضي عام على توليه الرئاسة، بقوله إن "الأمر قيد الدراسة"، وأضاف في رده عن سؤال آخر حول عملية السلام في اليمن بالتأكيد على "أن عملية إنهاء الحرب في صنعاء تتطلب مشاركة الطرفين للقيام بذلك، وسيكون الأمر صعباً للغاية".