كأن مصير لبنان واللبنانيين هو العيش فوق عبوات مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة لتحصد آلاف الضحايا، ففي وقت تتحدث تقارير استخباراتية عدة عن وجود مخازن أسلحة لـ"حزب الله" في الأماكن السكنية، انفجر بعضها في ظروف غامضة، لا يزال مسلسل اكتشاف المواد الخطرة، التي قد تؤدي إلى كارثة شبيهة بتلك التي حلت بالعاصمة بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، مستمراً.
وعُثر العام الماضي في مرفأ بيروت، على مواد تفوق خطورتها أطنان النيترات التي انفجرت في 4 أغسطس (آب) 2020، وعملت شركة ألمانية على إزالتها. الأمر نفسه تكرر في معمل الزهراني الحراري جنوب لبنان، واليوم يعود الكابوس مجدداً إلى أذهان اللبنانيين بعد ضبط مواد متفجرة مخزنة بطريقة عشوائية داخل معمل الذوق الحراري، وصنفتها جهات أمنية بـ"الخطيرة جداً"، وتؤدي حال انفجارها إلى دمار هائل في منطقة جونية شمال بيروت.
مواد خطرة
في التفاصيل، أعلن وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، وجود مواد خطرة قابلة للانفجار في معمل الذوق الحراري لتوليد الكهرباء، إلى جانب خزانات هيدروجين ووقود الفيول، ما قد يؤدي لدمار ضخم حال تعرضت لعمل تخريبي أو إرهابي، ما أثار موجة سخط واسعة في المنطقة السكنية والحيوية، التي تعاني أصلاً من انبعاثات المعمل، الذي دخل الخدمة منذ نحو 35 عاماً.
وبحسب المعلومات، فإن معمل الذوق الحراري يحتوي على مواد كيماوية أخطر من تلك التي كانت موجودة في مرفأ بيروت، تستخدم لتشغيل المعمل، من ضمنها مواد منتهية الصلاحية ومخزنة بطريقة سيئة بين المنازل، وهي مادة فوسفات التريسوديوم.
وتبعاً لتقرير المولوي، فإنه بتاريخ 14 مارس (آذار) الحالي، أعادت دورية من شعبة المعلومات الكشف على المستودعات، وبينها المستودع (د18)، حيث تبين أن عمال المعمل وضعوا مادة فوسفات التريسوديوم في براميل بلاستيكية فوق قواعد خشبية وغلفوها بالنايلون، بغية تسليمها لصالح شركة "تيكمو" الألمانية، لشحنها إلى خارج لبنان وإتلافها. أما باقي المواد، فلا تزال على حالها، بحسب التقرير، وأضيف اليها صندوق خشبي يحتوي على 100 كيلو غرام من مادة هيدروكسيد الصوديوم، وكلف مجلس الوزراء الجيش اللبناني حراسةَ المعمل، والكشفَ على محتوياته، وإزالة كل المواد الخطرة.
اختفاء وزارة الطاقة
المثير للجدل أن الحديث عن تلك المواد برز بعد أيام قليلة على انفجار بيروت، إذ تشير التقارير إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أبلغت عنها في 8 أغسطس 2020، وكشفت عليها في 12 من الشهر نفسه، بعد تكليفها من النيابة العامة التمييزية، بحيث تبين وجود مواد كيماوية مخزنة بطريقة غير آمنة، وباشرت حينها تحقيقاتها، التي تم بموجبها إجراء جرد للمواد المذكورة وفرزها، لتحديد المتوجب إتلافه من قبل وزارة الطاقة، التي لم تقم بأي إجراء حتى اليوم.
ورداً على عدم اتخاذ الوزارة أي إجراء وتعريض المنطقة لخطر تكرار كارثة بيروت، أوضح مصدر في الوزارة، أن هذه المواد تعود ملكيتها لمؤسسة كهرباء لبنان، بالتالي أي إجراءات نقل أو إتلاف تقع على مسؤوليتها، مشدداً على أن دور الوزارة يقتصر على التنسيق بين الأجهزة الأمنية ومؤسسة الكهرباء.
خطر بلا حراسة
في إطار الاطلاع على ما يجري في معمل الذوق الحراري وخطورة المواد الموجودة داخله، أشار رئيس بلدية ذوق مكايل، إلياس بعينو، إلى أن تلك المواد الكيماوية كانت تستعمل في تنظيف المعدات، لافتاً إلى وجود خزان يحتوي على مادة الهيدروجين، وقال إنها "أمور فنية لست مطلعاً عليها بشكل واف، لكنني أعرف أنه يجب ألا تكون مخزنة قرب بعضها بعضاً"، وأضاف أن هذا ما دفع وزير الداخلية إلى التوجيه بإزالة الخطر، طالما أن المعمل متوقف عن العمل في الوقت الحاضر، خصوصاً أن الأسوار التي تحيط به مترهلة، ومن السهل اختراقها بهدف السرقة، لا سيما أن الجيش ترك المعمل، ولا توجد حراسة عليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تهريب "القنابل"
مصدر أمني لبناني، قال إن أزمة الانهيار الاقتصادي، التي يعانيها لبنان، فاقمت من حالة الانحلال المستمرة بجميع المؤسسات، وأدت إلى كثرة الإهمال وسوء المتابعة للمواد الصناعية الخطيرة، وأكد أن هناك مواد عديدة تدخل في صناعات مختلفة تشكل خطراً، بسبب التعامل السيء معها، وأن وضعية التخزين هي التي تحولها إلى قنابل مؤقتة.
ولفت المصدر الأمني إلى أنه في العادة يفترض أن تخضع تلك المواد لمراقبة السلطات والأجهزة الأمنية، وأن المصانع التي تستخدم مواد قد تتحول إلى متفجرات، هي مراقبة وفق المعايير الدولية، ولا يجب أن تكون مخزنة في المدن والمناطق السكنية.
وكشف أن ظاهرة التهريب وعدم ضبط الحدود، حولت لبنان إلى مخازن لمواد مجهولة، لا يعلم أحد مدى خطورتها، لا سيما أن معظم عمليات التخزين تتم بشكل عشوائي أسفل المباني السكنية، لافتاً إلى أن تلك الظاهرة بمثابة قنابل مؤقتة تنتظر أي احتكاك كهربائي أو حادث مجاور لتتحول خلال ثوان إلى كارثة تقتل المئات.
تقاذف المسؤوليات
في المقابل، أكدت مؤسسة كهرباء لبنان، أنها أدت كامل واجبها في شأن مضمون تقرير وزير الداخلية، حول معمل الذوق الحراري، مشددةً على أنه "إذا كان هناك من إجراءات غير مُتخذة، فهي تعود لإدارات خارجة عن صلاحية وزارة الطاقة والمياه أو مؤسسة كهرباء لبنان".
المؤسسة أعلنت، في بيان، أنها "تبقى جاهزة للتباحث بأية اقتراحات عملية وفق الأصول الإدارية المعهودة، لتحسين شروط الاستثمار لمعمل الذوق القديم، الذي يعود تاريخ دخوله الخدمة إلى حوالى 35 عاماً، وتأمين العملة الصعبة لذلك، من قبل المراجع النقدية المختصة"، كما رحبت بـ"الكشف من قبل أية لجنة أو جهاز أمني على منشآت المعمل كافة، وتنفيذ أية تدابير أو مقترحات لازمة للسلامة العامة، بعد تأمين التمويل اللازم لذلك".
وكان مجلس الوزراء قد قرر، بناءً على طلب وزير الداخلية، تكليف الجيش "تأمين نقطة حراسة في المعمل بشكل فوري، والكشف على المواد الموجودة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أي ضرر قد ينتج منها والعمل على نقلها وإزالتها فوراً".
واتخذ مجلس الوزراء قراره بعد عرض مولوي ما وصله من معلومات في شأن "وضع مستودعات المواد الكيماوية العائدة لمعمل الذوق الحراري"، التي تؤكد أن "الوضع الأمني الحالي للمعمل غير سليم، بسبب وجود ثغرات في السياج التقني، وعدم توافر عناصر حراسة، ما يسمح بدخول الأشخاص إليه، حيث تتواجد خزانات الهيدروجين والفيول أويل وبعض المواد الخطرة المنتهية الصلاحية، التي تؤدي إلى انفجار حال تعرضها لعمل تخريبي".
وأرسل مولوي كتاباً إلى وزارة الدفاع الوطني يطلب فيه اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوضع قرار مجلس الوزراء موضع التنفيذ.